ذكر الأطباء والعلماء قديماً وحديثاً أن الصوم يهذب النفوس، وأنه يزكيها ويقويها
وأنه يكسب الأجسام ملاحة وصحة وقوة، حتى قال بعضهم: (سافروا
تغنموا، وصوموا تصحوا). فمعنى ذلك أن الصوم حماية للنفس، ومن الأخلاق
المؤذية الضارة التي قد تفسد النفس وتوقعها فيما يضرها.كما أن فيه أيضاً تمرين
النفس على الصبر والتحمل والمجاهدة، وأنت تحس بذلك إذا ما فاجأك أمر يحتاج منك إلى
شيء من ذلك. فالإنسان الذي تعوَّد على الجوع، وصبر عليه مدة طويلة وصبر على الظمأ،
إذا جاءه أمر مفاجئ، بأن وقع مثلاً في جوع شديد أو إذا ظمئ ولا يوجد ماء وهو في سفر،
أو انقطع عنه الشراب كما يكون في الأسفار أحياناً، فإذا كان قد مرّن نفسه على هذا
العمل، لم يحس بذلك ولم يتأثر به، بخلاف من عوّد نفسه على تناول الشهوات في كل
الأوقات، فإنه إذا افتقدها في وقت من الأوقات حصل عليه تأثر كبير، وأصيب بالأمراض
وربما أتى إليه الهلاك بسرعة؛ وذلك لأنه لم يتعود هذا الأمر ولم يمرن نفسه عليه.