بسم الله الرحمن الرحيم
لعل مسألة حرية المعتقد، في النظام الإسلامي، من أكثر المسائل إثارة للجدل في أوساط المثقفين، خلال العقود الأخيرة، بعد انتشار الثقافة الغربية، وسيطرتها على مفاصل الحياة العامة، عبر وسائل الإعلام والجامعات والمنتديات الثقافية وغيرها، وانبهار الكثيرين من الشباب المسلمين بتلك الثقافة، فسادَ الاعتقاد بأن سبب تخلف المسلمين هو أنظمة الحكم التي شرعها الإسلام، وأشيعت فكرة الاستبداد في النظام الإسلامي.
إن الأساس في نشر هذه الفكرة هم المستشرقون الغربيون، من ذوي الخلفيات والنزعات التبشيرية، الذين عملوا، قرونا طويلة، على محاربة الإسلام بكافة الوسائل والأساليب، بعدما عجزوا عن السيطرة على مقدرات المسلمين بواسطة الحروب والغزوات، ساعدهم في ذلك استشراء الفساد في الدولة العثمانية في بدايات القرن العشرين، بما في ذلك انتشار ظاهرة التمييز العنصري والمذهبي، التي ابتلى بها رجال الدولة العثمانية، الأمر الذي أدى إلى ظهور الحركات القومية وانتشارها بين المسلمين، واتساع حركات التمرد والانفصال عن الدولة الإسلامية. فاستغل المستعمرون هذه الثغرة، ورأوا فيها خير وسيلة للتخلص من هذا الدين، وإسقاط قداسته من أذهان المسلمين أولا، وصولا إلى الانحلال والتفكك، وبالتالي زواله واضمحلاله، وأخذوا يروجون لمقولة أن هذا التخلف والانحطاط هو أنظمة الحكم والقوانين الإسلامية، وكان أول من تأثر بها وروج لها الأتراك، أنفسهم بعد انهيار الدولة العثمانية، وإعلان دولة تركيا العلمانية، بزعامة مصطفى كمال أتاتورك.
وفي مرحلة لاحقة، واثر انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، واحتلالهم لبلاد المسلمين، ونقضهم الوعود التي كانوا قطعوها للحركات القومية، بمساعدتهم على تأسيس الدولة العربية والواحدة، ودعمها في مختلف المجالات إذا بادرت هذه الحركات إلى دعمهم في حربهم ضد العثمانيين، بدأوا يعملون على تقسيم المنطقة العربية إلى أقاليم ودويلات خاصة، ويعيدون بذور التفرقة القبلية بينهم، بأسماء جديدة وبراقة، مما زاد في ضعف هذه الأمة، وأدى إلى زوال الروح الوحدوية فيها فألقي بأسها بينهم.
إن ما يدعو إلى شديد الأسف، هو أن الكثير من المثقفين، قد حملوا هذه الافتراءات والأكاذيب، أعني نسبة الضعف والتخلف إلى القوانين الإسلامية، على أنها حقائق لا يتطرق إليها الشك، حيث أبرزت بصورة البحث العلمي والموضوعي، دون أن يتعرفوا على حقائق دينهم، وما يدعو إليه من قيم عالية، وأخلاق سامية، وقوانين شاملة، وحمل لرسالة العلم والمعرفة، مهما كان مصدرها، من أجل الصالح الإنساني العام، فغدوا مجرد أدوات يستخدمها الغرب للانقضاض على الإسلام والمسلمين، والسيطرة عليهم بكافة الوسائل والأساليب الرنانة والخادعة، بعدما سلموا للغربيين أعنتهم، وأحسنوا بهم الظن، فخدعوا أنفسهم مرتين.
حرية المعتقد في الغرب:
يزعم الغربيون أنهم يؤمنون بحرية المعتقد، لدى كافة الجماعات الإنسانية، ويدعون أن ذلك جزء من ثقافتهم العامة، ومن أنظمتهم السياسية والإجتماعية، بل يفاخرون في ذلك على أنه من مختصاتهم، قد أفرزته حضارتهم الحديثة.
وهذا أحد السيوف الفتاكة، ولعلها الأشد فتكا، التي شهروها بوجه الثقافة الإسلامية، وحملوا لواء تجهيل المسلمين بالقيم والمفاهيم الإسلامية باليد الأخرى، زاعمين أن تدخل الدين –الإسلام- في الحياة العامة ينقص من حقوق الإنسان، ويحول دون تطوره ورقيه، وان حضارتهم الغربية قد تطورت وقفزت قفزتها النوعية، بعدما استطاع الغربي أن يتحرر من قيود الدين ومفاعيله السلبية عليهم، ولهذا فإنه ليس من طريق للمسلمين، إذا أرادوا التقدم والتطور، سوى إخراج المسائل الدينية عن التعرض للمشاكل الحياتية، وعزل الإسلام، وحبسه بين جدران المساجد، وحصر وظيفته في الوعظ والإرشاد إلى عالم الآخرة، ليلتحقوا بركب الحضارة الغربية، وأخذ مفاهيمها وقيمها، كما فعلوا هم بالديانة المسيحية، حتى وصلوا إلى ما هم عليه اليوم من الأبهة والتطور والعظمة.
خلفيات النظام العربي:
إلا أن ذلك مغاير للحقيقة ومناف لها، ذلك أن الأنظمة الغربية، وإن زعمت أنها أنظمة علمانية، قد فصلت الدين عن الدولة، إلا أنها ذات أبعاد عقائدية مسيحية في العمق، والديانة المسيحية قد أبعدت نفسها عن الحياة العامة، في نصوصها المقدسة، وإن لم تمارس ذلك في الحياة العملية إلا بعد سقوط حكم الكنيسة. وبعد انتشار الكتب المقدسة بين الناس، اثر حركة الإصلاح الكنسي، والتي تبين أن على المسيحي أن يعتزل الحياة السياسية، مما أدى إلى ردة فعل عنيفة من قبل الثائرين ضد حكم الكنيسة، وحملوا هذه النصوص على أنها خاصة برجال الدين، واضطر رجال الدين أن يقبلوا هذه المقولة بعدما أسقط في أيديهم، ووقفوا محرجين أمام ثورة الناس. وحاكمية النصوص.
وهذا يعني أن الثورة الثقافية في الغرب دينية في عمقها، غاية الأمر أنها ونتيجة ردة الفعل القاسية على حكم الكنيسة، أنها كانت في بداياتها ثورة ضد رجال الكنيسة أنفسهم، ولم تكن ضد المسيحية، وإن تطورت في ما بعد وتطرفت في طروحاتها، وبالغت في الدعوة إلى التحلل من الدين، وقد أثبتت التجربة خطأ هذا التحلل، وعاد الغربيون يبحثون من جديد عن طريق للخلاص، والذي لم يجدوه إلا في الدين، يدل على ذلك، المحاولات الجادة التي يقوم بها كبارهم لادخال الدين المسيحي في نصوص الإتحاد الأوروبي، مع ما في ذلك من مصاعب وعقبات أفرزتها ثقافة التحلل، التي نشروها في مجتمعاتهم، ولذلك لم تفلح هذه المحاولات حتى الآن.
شواهد نصية:
إن النصوص المقدسة كثيرة في هذا المجال، والتي تأمر المؤمن المسيحي بالإعراض عن شؤون الحكم وسياسة الناس العامة، ويكفي أن نذكر بعضا منها، من قبيل قول السيد المسيح عليه السلام في ما نسب له في الإنجيل، "سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن، وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا، ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين"1.
وقوله: "كل لا تدينوا لكي لا تدانوا، لأنكم بالدينونة التي تدينون بها تدانون وبالكيل الذي تكيلون به يكال لكم"2.
وقال لأصحابه: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"3.
وفي الصلاة الربية، التي يتولونها صباح مساء، يقول:"خبزنا كفافنا أعطنا اليوم، واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين الينا، ولا تدخلنا في تجربة، ولكن نجنا من الشرير"4.
إن المنظومة الغربية قد استقت نظرتها إلى الدين والحياة من هذه النصوص المقدسة، كما تقدمت الإشارة إليه، فاعتبرت أن الدين عبارة عن علاقة ذاتية بين المرء وربه، تتجلى في العبادات الكنسية والروحية، وتهدف إلى السلام الداخلي، والنجاة في الحياة الآخرة، دون أن تقارب الواقع الاجتماعي والسياسي في أي بعد من أبعادها.
لقد أخذ المفكرون والساسة الغربيون هذه الرؤية المسيحية للدين والحياة، وأرادوا تعميمها على سائر الأديان، وخصوصا الإسلام، وشرعوا ينظرون لهذه الفكرة، التي تلقفها بعض المثقفين من المسلمين، وأخذوا يبثونها دون تأمل ولا روية، وبدأوا بالترويج لها، وفرضها ثقافيا على طبقات الناس ولو بالقوة، أو إلقاء التهم إليهم بالتخلف والظلامية وأمثالها، وبكل ما ابتدعوه من وسائل دعائية، لمن يخالف رؤيتهم هذه، أو ينظر إليها نظرة ريبة أو رفض، بغية ثنيه عن أفكاره تلك، أو عزله من الثقافة المجتمعية، إن لم يقدروا من السيطرة عليه وعلى فكره وثقافته.
وقد تجلت حقيقة نواياهم، وانكشف كيدهم للإسلام وأهله مؤخرا، من خلال حالات التجسس والمضايقات، التي تعرض لها المسلمون، بعدما تبين للغربيين أن منظومة الإسلام السياسية والثقافية والاجتماعية تخالف منظومتهم في مفاصلها الأساسية، وأن الإسلام يمتلك رؤية شاملة ومنظومة متكاملة للإنسان والحياة، حتى تتلاقى مع بعض الرؤى الغربية، بل بنحو أرقى منها، إلا أنها تحصين المسلمين من التأثر المطلق بهم، وهو ما لا يستطيع الغربيون قبوله، لا من ناحية مبدئية وعقائدية، بل من منطلقات مصلحية، وكيدية للإسلام وأهله، حتى بات من المحظور على المسلم أن يمارس أحكام دينه، حتى تلك التي تتسم بطابع الفردية والشخصانية، إلا في حدود ما تسمح له القوانين الجديدة، التي تسنّها هذه الدول وتعمل على فرضها وتطبيقها، لمواجهة الثقافة الإسلامية، بعدما تبين لهم أن الحرية التي يزعمونها تضر بمصالحهم ومعتقداتهم.
لقد جعل الغربيون ظاهرة العنف التي انتشرت في الآونة الأخيرة، من بعض الحركات السلفية، والتي نشأت بالأصل بدعم المنظومة الغربية نفسها وتخطيطها، قد جعلوا منها جسرا للانقضاض على سائر المفاهيم المصطنعة والمزعومة، من حرية الرأي والدين ونحوها، واستبدلوها بعناوين المحافظة على سلامة مواطنيهم، فكان ذلك ذريعة لهم للدخول في أدق التفاصيل العبادية للمسلمين، وملاحقتهم حتى في منازلهم، ومراقبة هواتفهم، وأخذوا الناس على مجرد التهمة، التي يلفقونها بأنفسهم، وابتدعوا فنون التعذيب في مختلف الأمكنة والبقاع، فانكشف بذلك زيف دعاواهم الفارغة، وباتت حقيقة أمرهم أمام الناس.
ويبدو أن كشف القناع هذا معتمد منهم، بعدما ظنوا أنهم استطاعوا إضعاف الروح الوحدوية بين المسلمين، ونشر مفاهيم الوطنية وأشباهها، مما لا تبقى معه قائمة للأمة الإسلامية. ومعنى كل ذلك أن ما يسمى بحربة المعتقد عندهم كانت مجرد عناوين فارغة تنطوي على خلفيات سياسية، ذات أبعاد مصلحية، وليست قيمة اجتماعية تجد ذاتها.
كما تجلت هذه الظاهرة بأوضح صورها في محاربة الأنظمة التي نشأت في البلاد الإسلامية، وفق طريقة الحكم التي روجوا لها ردحا كبيرا من الزمن، أي الديمقراطية، فأعملوا كافة الضغوط على إسقاطها بشتى الوسائل والطرق، لأنها أدت إلى نتائج تخالف طموحاتهم وتطلعاتهم، وهي سيطرة الحركات الإسلامية على مقاليد الأمور، وظهرت حقيقة أمرهم لكل ذي عينين، وان الدعوة الديمقراطية، التي يزعمون، ليست أكثر من خدعة، أريد منها تجريد المسلمين من ثقافتهم ودينهم، الأمر الذي أعاد للأذهان مقولة أحد وزراء بريطانيا أمام مجلس العموم، في أوائل القرن العشرين، أنه لا يمكن تحقيق النصر على المسلمين، إلا عند تجريدهم من القرآن الكريم..
حرية المعتقد في الإسلام:
وأما الإسلام فقد ضمن حرية المعتقد لأصحاب الديانات الأخرى من أهل الكتاب، واعتبرهم متساوين في المواطنة مع سائر المسلمين، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، غاية الأمر أن لهم أحكاما خاصة بهم ناشئة من التزامهم بأحكام لا تتوافق مع الحكم والسياسة، كما تدل عليه نصوصهم المقدسة، وتقدم بعضها، وأقرهم الإسلام عليها.
ولما كان الدين عبارة عن التزام المرء بكافة الأحكام والقوانين، التي شرعها الله تعالى لتنظيم شؤون الحياة الدنيا، والعمل على الفوز بالآخرة، فإن من الطبيعي أن يترك للمرء حرية الاختيار، بعد بيان الطريق الحق وإيضاح منهجه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾5، وإلا بطل مبدأ الثواب والعقاب من أساسه.
وقد قرب القرآن الكريم هذه الحقيقة المنسجمة مع الفطرة حين قال تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ﴾6.
فإنه ورد في بيان سبب نزول هذه الآية الشريفة أن رجلا من الأنصار يدعى أبا الحصين وكان له ابنان التحقا بالنصرانية، عندما أتى المدينة تجار من أنصار الشام، ودعوهما إلى النصرانية، فأخبر أبوهما رسول الله’ فنزلت الآية7.
ومما يدل على أن الإسلام قد أعطى المرء حرية الاختيار بنحو كامل، قوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾8..
إن الإسلام قد جاء خاتمة الأديان السماوية، به اكتملت الشريعة الإلهية، وتمت الأسس التي يقوم عليها نظام المجتمع، وحددت أركان الحكومة، ومواصفات الحاكم.
إن الالتزام بهذه القوانين، ووجوب العمل وفق الإرادة الإلهية قد بشرت به الكتب، السماوية السابقة وأمرت به، والنصوص الكتابية كثيرة في هذا المجال، ويكفي أن نشير منها إلى النصوص التي أمرت أتباعها بانتظار ملكوت الله أو ملكوت السماوات، وهو عبارة أخرى عن ملكوت آخر الزمان، التي تسير الأمور وفق الإرادة الإلهية.
وقد بلغ وصف هذه الحكومة في الكتاب المقدس حداً جمع فيه بين المتنافرات، وحل السلام بين الوحوش المفترسة، فيقول:" فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والمسمن معا، وصبي صغير يسوقها، والبقرة والدبة ترعيان، تربض أولادهما معا، والأسد كالبقر يأكل تبنا، ويلعب الرضيع مع سرب الصل، ويمد الفطيم يده على حجر الأفعوان، لا يسؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي، لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر "9.
مواصفات الحاكم الإسلامي:
وما دامت حرية المعتقد، والإلتزام بمفاعيله مصونة في الإسلام، حيث ضمنت لهم الشريعة الإسلامية كافة حقوقهم، التي يتساوون فيها مع المسلمين، كما يدل عليه كلام أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الأشتر حين ولاه على مصر:" لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، وكلامه عليه السلام في خطبة الجهاد الذي يلوم فيه أصحابه على تقاعسهم عن مساعدة المسلمة والمعاهدة مشهور ومعروف، حيث يقول:" ولقد بلغني أن الرجل منهم –أي من رجال معاوية- كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلائدها ورعائها،....، فلو أن المرء مسلما مات بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا "100 ورأى متسولا في أحد الأزقة، فاستنكر عليه السلام الأمر، فقيل له يا أمير المؤمنين إنه نصراني، فغضب عليه السلام وقال: استعملتموه حتى إذا عجز تركتموه، أنفقوا عليه من بيت المال.
فلا بد من معرفة مواصفات الحاكم الإسلامي، الذي يفترض أن يكون أمينا على تنفيذها بكل جدية وصدق، وهو ما يلقي مسؤولية كبرى على الناس، في مراقبتهم له، وقبولهم به، واختيارهم إياه، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الخائن للدول فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة "11.
فالإسلام وضع القوانين وشرعها، كذلك شدد على الحاكم القائم على تنفيذها، ليضمن تنفيذها كما تستحقه، وإلا فلو لم يتمتع بالمواصفات الخاصة الضامنة للتنفيذ، وترك الأمر إلى الناس يختارون حسب أهوائهم ومصالحهم، أو حسب ما يرونه في أنفسهم، لم يؤمن من الانحراف عن الجادة الوسطى، خصوصا فيما يتعلق بحقوق العباد وأموالهم.
وفي ما يرتبط بحرية المعتقد تتخذ المسألة جانبا كبيرا من الأهمية والخطورة، حيث أن عامة الناس قد لا يتفاعلون مع هذا المستوى من الحرية، حتى ضمن التشريعات الخاصة بها، وهذا ما نلاحظه في المنظومة الغربية على العموم، وما تدل عليه سلوكياتهم مع المسلمين، من تشريع أحكام، وإصدار قرارات تناسب الفئات الحاكمة، وإن كان فيها ظلم وحيف بحق الآخرين، والإنسان بطبيعته يتجه نحو هذا السلوك، ولا ضمانة تحصنه، إلا إذا كانت التشريعات إلهية ملزمة، وكان القائمون عليها ملتزمين بحدود هذه التشريعات، سائرين على وفق ما تقتضيه.
* سماحة الشيخ حاتم اسماعيل
1- انجيل متى: 5/38-41
2- انجيل متى: 7/1-2
3- انجيل متى: 22/21
4- انجيل متى:5/11-13
5- سورة الدهر، آية: 3
6- سورة البقرة، آية:256
7- مجمع البيان ج1، ص469، ط مؤسسة التاريخ الإسلامي
8- سورة الكهف آية:29
9- سفر أشعيا:11/6-9.
10- نهج البلاغة، شرح عبده، ج1 ص68
11- نهج البلاغة، شرح عبده،ج2 ص14