بسم الله الرحمن الرحيم
بداية:
1- إذا أردت أن تعرف علياً (عليه السلام)، فإن خير من يعرفك عليه هو علي نفسه.. ونختار هنا واحدة من الروايات التي تحدث فيها علي (عليه السلام) عن نفسه.. وأشكل على بعض الناس معرفة وجوه كلامه الذي وصف به نفسه فيها.
2- والذي نراه: هو أن اختيار علي (عليه السلام) لهذه الطريقة البيانية لم يأت عفواً ولا من فراغ، بل هو اختيار مقصود، يرمي إلى إفهام الآخرين أموراً يحسن بهم الالتفات إليها، لأن طرح بعض القضايا بصورة مثيرة سيساعد على تناقلها وانتشارها بسرعة.. فإذا كانت تلك الأمور تدعو إلى الفكر والروية، فإن ذلك يساعد على ترسيخها وتجذرها في العقول والقلوب، وكشاهد على ذلك نورد الحادثة التالية:
أنا الأول والآخر:
سأل أعرابي علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: كيف أصبحت؟!
فقال: أصبحت وأنا الصديق الأول، والفاروق الأعظم، وأنا وصي خير البشر.
وأنا الأول، وأنا الآخر، وأنا الباطن، وأنا الظاهر، وأنا بكل شيء عليم..
وأنا عين الله، وأنا جنب الله، وأنا أمين الله على المرسلين..
بنا عبد الله، ونحن خزان الله في أرضه وسمائه، وأنا أحيي وأميت، وأنا حي لا أموت.
فتعجب الأعرابي من قوله..
فقال (عليه السلام): أنا الأول، أول من آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأنا الآخر آخر من نظر فيه لمَّا كان في لحده.
وأنا الظاهر، فظاهر الإسلام.
وأنا الباطن بطين من العلم.
وأنا بكل شيء عليم، فإني عليم بكل شيء أخبر الله به نبيه، فأخبرني به.
فأما عين الله، فأنا عينه على المؤمنين والكفرة.
وأما جنب الله، فـ ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ﴾1، ومن فرط فيّ فقد فرط في الله..
ولم يجز لنبي نبوة حتى يأخذ خاتماً من محمد، فلذلك سمي خاتم النبيين، محمد سيد النبيين، فأنا سيد الوصيين..
وأما خزان الله في أرضه، فقد علمنا ما علمنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقول صادق.
وأنا أحيي، أحيي سنة رسول الله.
وأنا أميت أميت البدعة.
وأنا حي لا أموت، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾2 )3.
نص آخر، وحدث آخر:
جاء في كتاب أبي بكر الشيرازي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب في جامع البصرة.
فقال: معاشر المؤمنين المسلمين، إن الله عز وجل أثنى على نفسه، فقال: هو الأول والآخر، يعني قبل كل شيء، والآخر يعني بعد كل شيء، والظاهر على كل شيء، والباطن لكل شيء، سواء علمه عليه.
سلوني قبل أن تفقدوني، فأنا الأول، وأنا الآخر إلى آخر كلامه.. فبكى أهل البصرة كلهم، وصلوا عليه4.
وقال (عليه السلام): أنا دحوت أرضها، وأنشأت جبالها، وفجرت عيونها، وشقت أنهارها، وغرست أشجارها، وأطعمت ثمارها، وأنشأت سحابها، وأسمعت رعدها، ونورت برقها، وأضحيت شمسها، وأطلعت قمرها، وأنزلت قطرها ونصبت نجومها، وأنا البحر القمقام الزاخر، وسكنت أطوادها، وأنشأت جواري الفلك فيها، وأشرقت شمسها.
وأنا جنب الله وكلمته، وقلب الله، وبابه الذي يؤتى منه.
ادخلوا الباب سجداً أغفر لكم خطاياكم، وأزيد المحسنين.
وبي وعلى يدي تقوم الساعة، وفي يرتاب المبطلون.
وأنا الأول والآخر، والظاهر والباطن، وأنا بكل شيء عليم5.
توضيحات عن الإمام الباقر (عليه السلام):
وقد روي شرح ذلك عن الباقر (عليه السلام) فقال: أنا دحوت أرضها يقول: أنا وذريتي الأرض التي يسكن إليها.
وأنا أرسيت جبالها: يعني الأئمة ذريتي هم الجبال الرواكد، التي لا تقوم إلا بهم.
وفجرت عيونها: يعني العلم الذي ثبت في قلبه، وجرى على لسانه.
وشققت أنهارها: يعني منه انشعب الذي من تمسك بها نجا.
وأنا غرست أشجارها: يعني الذرية الطيبة.
وأطعمت أثمارها: يعني أعمالهم الزكية.
وأنا أنشأت سحابها: يعني ظل من استظل ببنائها.
وأنا أنزلت قطرها: يعني حياة ورحمة.
وأنا أسمعت رعدها: يعني لما يسمع من الحكمة.
ونورت برقها: يعني بنا استنارت البلاد.
وأضحيت شمسها: يعني القائم منا نور على نور ساطع.
وأطلعت قمرها: يعني المهدي من ذريتي.
وأنا نصبت نجومها: يُهتدى بنا، ويستضاء بنورنا.
وأنا البحر القمقام الزاخر: يعني أنا إمام الأمة، وعالم العلماء، وحكم الحكماء، وقايد القادة، يفيض علمي ثم يعود إلي، كما أن البحر يفيض ماؤه على سطح الأرض، ثم يعود إليه بإذن الله.
وأنا أنشأت جواري الفلك فيها: يقول أعلام الخير وأئمة الهدى مني.
وسكنت أطوادها: يقول: فقأت عين الفتنة، واقتل أصول الضلالة.
وأنا جنب الله وكلمته، وأنا قلب الله: يعني أنا سراج علم الله.
وأنا باب الله: من توجه بي إلى الله غفر له.
وقوله: بي وعلى يدي تقوم الساعة: يعني الرجعة قبل القيامة، ينصر الله فيها ذريتي المؤمنين، وإلى المقام المشهود6.
ونقول: علينا أن نشير إلى الأمور التالية:
التذكير المتواصل بالكرامات والفضائل:
ونستطيع أن نقرر هنا بكل طمأنينة وثقة: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يتعمد تذكير الناس باستمرار بما قاله الله تعالى ورسول (صلى الله عليه وآله) في حقه، لا لأجل الفخر والاستطالة على أحد، فهو اتقى لله وأجل من أن يفكر بهذه الطريقة، لأن تفكيره هذا ينفي عنه صفة الإستحقاق لهذه الفضائل والكرامات..
بل هو يريد بهذا التذكير إسداء خدمة للأمة، رغبة في ثواب الله تعالى، وحباً للحق، وخدمة للدين وأهله..
ولأجل ذلك نلاحظ هنا: أنه (عليه السلام) بمجرد قول الأعرابي له: كيف أصبحت شرع في عرض هذه الفضائل الجليلة لتفهيم الناس أنه هو المرجع والملاذ لهم في أمور دينهم ودنياهم، فلا ينبغي لهم أن ينساقوا وراء زبارج الدنيا وبهارجها، وعليهم أن لا يغتروا بالتطبيل والتزوير، والطنطنات، والتهويشات التي يثيرها الذين أقصوا أهل بيت النبوة عن مقامهم، وأزالوهم عن مراتبهم، ويريدون للناس أن ينسوا أهل البيت (عليهم السلام)، ويريد الله ورسوله لهم أن يحتضنوهم في قلوبهم، وأن يحفظوهم في وجدانهم وضمائرهم..
إبهام، لا يقصد به الإيهام:
وحين نسمع علياً (عليه السلام) يقول: (أنا الأول، والآخر، والظاهر والباطن وأنا بكل شيء عليم).. إلى آخره.. فإن سؤالاً يطرح نفسه هنا عن سبب اختياره (عليه السلام) هذه الطريقة في البيان.
ونجيب: إن المطلوب هو إحداث الصدمة التي توجب استنفار كل الطاقات لمواجهة هذا الذي يلامس المسامع. ويستفز المشاعر بسبب ما يراه من ارتفاع في وتيرة إثبات مقامات الكرامة لنفسه.. حتى إذا جاء التوضيح، والبيان لمقاصده الحقيقية، هدأ روعه وسكنت نفسه، وتكرست هذه التعابير القوية كذكريات غالية، لا يمحوها مر الأيام، وكر السنين.
ثم إن ذلك سيؤهل هذه الحقائق والدقائق للتداول بصورة أوسع، ويجعلها قادرة على البقاء والامتداد في عمق المستقبل، لتصبح ذخيرة للأجيال، ووثيقة تدفع عن الحق المستهدف كل قيل وقال.
فهو إبهام يرمي إلى الإيضاح، وريب ينتج اليقين الأصيل، وخفوت ينطلق منه تألق باهر، وصفاء زاهر..
فهل بعد كل هذه الإثارة، وكل ذلك البيان يمكن لأحد ممن رأى وسمع هذا وذاك أن يرتاب في مقامه (عليه السلام)، وفي حجم الجريمة التي ارتكبت في حق الإسلام وأهله؟!
وهل يمكن أن يختار أحد غيره وغير أهل بيته الطاهرين مفزعاً في المهمات، وملاذاً في الملمات، وحلالاً للمشكلات؟!
الوصي لا يداهن في دين الله:
الحسين بن الحسن بن أبان قال: حدثني الحسين بن سعيد، وكتبه لي بخطه بحضرة أبي الحسن بن أبان قال: حدثني محمد بن سنان، عن حماد البطحي، عن زميله- وكان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)- قال: إن نفراً من أصحابه قالوا: يا أمير المؤمنين، إن وصي موسى كان يريهم العلامات بعد موسى، وإن وصي عيسى كان يريهم العلامات بعد عيسى، فلو أريتنا؟!
فقال: لا تقرون.
فألحوا عليه وقالوا: يا أمير المؤمنين!!
فأخذ بيد تسعة، وخرج بهم قِبَلَ أبيات الهجريين، حتى أشرف على السبخة، فتكلم بكلام خفي، ثم قال بيده: اكشفي غطاءك. فإذا كل ما وصف الله في الجنة نصب أعينهم مع روحها وزهرتها.
فرجع منهم أربعة يقولون: سحراً سحراً (كذا)، وثبت رجل منهم بذلك ما شاء الله، ثم جلس مجلساً، فنقل منه شيئاً من الكلام في ذلك، فتعلقوا به (لعل الضمير يرجع إلى الناقل)، فجاؤوا به إلى أمير المؤمنين، وقالوا: يا أمير المؤمنين، اقتله، ولا تداهن في دين الله.
قال: وما له؟!
قالوا: سمعناه يقول: كذا وكذا.
فقال له: ممن سمعت هذا الكلام؟!
قال: سمعته من فلان بن فلان.
فقال أمير المؤمنين: رجل سمع من غيره شيئاً فأداه، لا سبيل على هذا.
فقالوا: داهنت في دين الله، والله لنقتلنه.
فقال: والله لا يقتله منكم رجل إلا أبرت عترته7.
وفي نص آخر عن الراوندي:..ما روي عن الثمالي، عن رميلة- وكان ممن صحب علياً (عليه السلام)- قال:..وصار إليه نفر من أصحابه، فقالوا: إن وصي موسى كان يريهم الدلائل والعلامات، والبراهين والمعجزات، وكان وصي عيسى يريهم كذلك. فلو أريتنا شيئاً تطمئن إليه، وبه قلوبنا؟!
قال: إنكم لا تحتملون علم العالم، ولا تقوون على براهينه وآياته. وألحوا عليه.
فخرج بهم نحو أبيات الهجريين، حتى أشرف بهم على السبخة، فدعا خفياً، ثم قال: اكشفي غطاءك.
فإذا بجنات وأنهار في جانب، وإذا بسعير ونيران من جانب.
فقال جماعة: سحر، سحر. وثبت آخرون على التصديق ولم ينكروا مثلهم، وقالوا: لقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): (القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار)8.
ونقول:قد دلت هذه الرواية على أمور عديدة، نذكر منها:
1- كون علي (عليه السلام) هو الوصي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كان أمراً متداولاً في عصره (عليه السلام)..
2- حين طلب أصحاب علي (عليه السلام) منه أن يفعل ما كان يفعله الأوصياء لم ينف عن نفسه هذه الصفة، بل أكدها بالاستجابة إلى طلبهم.
3- إن هذا النص ظاهر الدلالة على أن الوصاية التي كانت معروفة له (عليه السلام)، وكان يثبتها هو لنفسه لم تكن بمعنى طلب تولي بعض الأمور التي يَهُمُّ المتوفى أمرها.. كرعاية شؤون الأبناء، أو قضاء بعض الدين، أو تقسيم أمواله على الورثة وفق سنن العدل، أو تنفيذ وصاياه وتمكين من أوصي إليهم بشيء، منها: تمكينهم من أخذ حقهم. بل هي وصاية أرقى وأسمى من ذلك، لأنها تحمل معها معنى اختيار الله تعالى له، وتزويده بقدرة إظهار الآيات التي يحتاج إليها لإكمال المهمات التي اضطلع بها الأنبياء (عليهم السلام).
4- إن ما كان يظهره (عليه السلام) من دلائل إمامته لم يكن يستطيع تحمله، إلا أمثال سلمان والمقداد وعمار دون سائر الناس..
5- وهنا سؤال يقول: إنه (عليه السلام)- كما أظهرت هذه الرواية- قد تعمد أن يريهم من الآيات ما لا قدرة لهم على احتماله.. مع أنه كان يستطيع أن يريهم آية أخف منها، مما تكون لهم القدرة على احتمالها.. فلماذا كان ذلك منه (عليه السلام)؟! ونجيب:
أولاً: بأن من الممكن أن تكون العلامة التي أراهم إياها لا تزيد على ما كان أوصياء الأنبياء (عليهم السلام) يظهرونه لقومهم، ولكن الفرق هو: أن الذين طلبوا الآية من علي أمير المؤمنين (عليه السلام) كانوا أقل قدرة على التحمل من أولئك الذين رأوا العلامات من أوصياء الأنبياء السابقين.
ثانياً: لعله (عليه السلام) قد تعمد إظهار علامة صعبة، لأنه عرف أن بعض أو أكثر الذين طلبوا العلامة منه قد طلبوها على سبيل المكيدة، تمهيداً لإظهار التعنت والعناد في تكذيبها، أو التشكيك به وبها.. فأراد (عليه السلام) أن يواجههم بالصدمة التي لا قِبل لهم بها، ليبطل كيدهم، ويحبط تدبيرهم.
6- قد يفهم من الرواية: أن المطلوب كان هو كتمان هذا الأمر، وعدم البوح به للناس حتى لا تذهب بهم الأوهام إلى متاهات الشبهات والضلالات، والأباطيل والترهات.
7- وقد ذكرت الرواية: أن رجلاً من الذين رأوا تلك العلامة، قد ثبت برهة من الزمان، ثم باح ببعض ما رأى في مجلس، فنقل بعض الحضور ما سمعه منه، فتعلق به الناس، ورفعوه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وطلبوا منه أن يقتله، ولا يداهن في دين الله. فدل ذلك على أن الرجل قد وقع في أيدي أناس لا يرون لأمير المؤمنين (عليه السلام) حرمة، ولا يعرفون إمامته بمعناها الصحيح والواضح.. بل كانوا أعراباً جفاة لا يراعون أدب الخطاب، ولا يرعون الحقوق لأهلها.. حتى إنهم ليريدون من علي (عليه السلام) أن يكون هو المطيع لهم، والمنفذ لأوامرهم، والمنقاد لأحكامهم، أو فقل لأهوائهم. فهم يصدرون أمرهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) بأن يقتل ذلك الرجل.. ثم يزيدون على ذلك بالتلويح، بل بالتصريح لعلي (عليه السلام) نفسه: بأنه من الممكن أن يداهن في دين الله.. وذلك قبل أن يعطوه الفرصة للاطلاع على حقيقة الأمر، وحيثيات ما جرى، وقبل أن يستنطق هو المتهم، ويسمع دفاعه عن نفسه.
8- إنه (عليه السلام) قد أوضح لأولئك الأجلاف خطأهم في حكمهم الذي أصدروه، وبين لهم: أن ذلك الشخص لا يدعي أنه هو الذي رأى ذلك، بل هو ينقل أمراً سمعه من غيره. فإن كان ثمة ذنب وعقوبة، فليس هو صاحب الذنب، ولا يصح إنزال العقوبة بغير المذنب. ولكنهم أصروا على موقفهم، مضيفين إلى أخطائهم السابقة أخطاءً أخرى هي:
أولاً: أنهم اعتبروا موقف علي (عليه السلام) هذا مداهنة في دين الله تعالى، وليس هو كذلك بلا ريب، لا سيما وأنه (عليه السلام) قد بين لهم الحكم، وعرفهم مأخذه.
ثانياً: إنهم أعلنوا أنهم هم الذين سيتولون قتل ذلك الرجل. وليس لهم ذلك، وإنما هو للحاكم العادل، وهو حاضر وناظر، ومبسوط اليد. غير أن عليه أن يحكم وفق ما تفرضه أحكام الشريعة، لا أن يطيع أوامرهم مع علمه بأنهم مخطئون، جاهلون، متجرؤون، معتدون، يتهمون بريئاً، ويتصدون لما لا يحق لهم التصدي له في أي حال..
9- إن تصرفهم هذا يدل على أنهم كانوا لا يرون لعلي (عليه السلام) سابقة ولا فضلاً، بل كانوا يستخفُّون به (عليه السلام)، متأثرين بدعايات الفترة التي سبقت خلافته، وبما مارسه الحاكمون معه من تهميش وإقصاء، والتي عبر عنها أمير المؤمنين عنها بقوله: فكنا ممن خمل ذكره.
10- إن المتوقع من هؤلاء: أن يبحثوا عن ذلك الذي نقل هذا الرجل عنه، وأن يطالبوا بعقوبة ذاك لا هذا الناقل، فلماذا تركوا ذاك، وهو المذنب الحقيق، وتعلقوا بهذا دون سواه؟!
11- قد يرد سؤال هنا يقول: إن المذنبين في هذا الموقف هم أشخاص بأعيانهم، فما ذنب عترتهم، حتى يتوعدهم علي (عليه السلام) بالفناء والبوار، إن قتل أحد منهم ذلك الرجل المدعى عليه؟! ونجيب: بأن مراده (عليه السلام): أنه سوف يقتل القاتل، بما أن الذين يتصدون للدفاع عن الشخص ونصرته على الباطل هم في الأكثر من عشيرته وعترته، فتوعد هؤلاء بالقتل، حتى لو بلغ ذلك حد استئصالهم إذا تصدوا لنصرته على باطلة.. ولهذا النوع من التهديد ما يشبهه في حياته (عليه السلام)، فإنه قد هدد الخوارج باستئصال كل من تصدى للدفاع عن قاتل عبد الله بن خباب، ولو كانوا جميع أهل الأرض. وهذا ما حصل للخوارج بالفعل، حين منعوه من تنفيذ حكم الله في قتلة ابن خباب.
12- إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد اقتصر في حديثه مع أولئك الناس على ما يدفع به عن ذلك الشخص الظلم والطغيان، فلم يظهر لهم معجزة، ولا عاملهم، ولا أراهم آية أو علامة، وما إلى ذلك إلا لأنه كان يعلم المعجزة والآية والعلامة لن تزيدهم إلا طغياناً وعتواً وعناداً.
* المرتضى من سيرة المرتضى-العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
1- الآية 56 من سورة الزمر.
2- الآية 169 من سورة آل عمران.
3- مناقب آل أبي طالب ج2 ص385 و 386 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص205 وبحار الأنوار ج39 ص347 و 348 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص261.
4- مناقب آل أبي طالب ج2 ص386 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص205 و (ط دار الأضواء) ج2 ص329 وبحار الأنوار ج39 ص348 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص261.
5- مناقب آل أبي طالب ج2 ص387 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص206 وبحار الأنوار ج39 ص348 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص262.
6- مناقب آل أبي طالب ج2 ص387 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص206 و 207 وبحار الأنوار ج39 ص347 و 348.
7- الإختصاص للشيخ المفيد ص325 ومدينة المعاجز ج2 ص23 وبحار الأنوار ج41 ص253.
8- الخرائج والجرائح ج1 ص172 ومدينة المعاجز ج3 ص204 وبحار الأنوار ج41 ص248.