بسم الله الرحمن الرحيم
العيد لغة:
العيد فعيل من العود، حذفت واوه لوجود الياء، وقد لازم معنى الفرح والبهجة، لما فيه من ترقب وانتظار، ولهذا غلب على معنى الموسم لما ينتظره الناس منه، فالعيد يعني عودة الفرح والسرور والبهجة، وقد يطلق عليه اسم المجمع لاجتماع الناس فيه وابراز مظاهر الفرح والبهجة.
معنى الفرح:
وما دام الفرح مأخوذا في معنى العيد، فمن الضروري الوقوف على معناه ودلالته اللغوية كذلك، لانه قد ورد في القرآن الكريم في مقام الذم والباطل، كما في قوله تعالى: "إن الله لا يحب الفرحين"1، وقوله تعالى: "ذلكم بما كنتم تفرحون في الارض بغير حق"2.
وورد في القران الكريم كذلك في مقام المدح والحق والرضا، كما في قوله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"3، وقوله تعالى: "ويومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم"4، وقوله تعالى: "فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون"5، وقوله تعالى: "كل حزب بما لديهم فرحون"6.
فالفرح، الذي يعني الانبساط والانفراج وبهجة القلب ولذته، يختلف مدحا وذما باختلاف مقتضياته ودواعيه.
وبعبارة اخرى، معنى الفرح واحد، ولكن افراده ومصاديقه التي تختلف باختلاف دوافعها، فيتصف بالمدح والحق تارة، وبالذم والباطل اخرى، وليس مذموما بنفسه، كما ربما يتوهم البعض، ان الايمان او التدين ملازم للعبوس والحزن واشباه ذلك.
دواعي العيد ومبرراته:
تختلف دواعي الاحتفال باختلاف الاشخاص، فنرى مثلا ان شخصا يحتفل بمناسبة نجاحه في انجاز عمل معين، كربح في تجارة، او زواج، او نجاح في شهادة او غير ذلك، ويجعل من هذا النجاح عيدا يحتفل به وقته من كل سنة، ومثل هذا النوع من الاحتفال يتصف عادة بصفة الفردية لأن الداعي له، والمحتفل به، هو الفرد نفسه، كما ان نتائجه الايجابية راجعة الى الشخص نفسه.
وقد اقرت المجتمعات الانسانية لكل فئة من الناس عيدا، فللمزارع والعامل عيد، وللاستقلال الوطني عيد، ولشهداء الاوطان، الذين كان لهم اثر في نجاح مشروع وطني عيد كذلك، وهكذا... وهذا النوع من الاحتفال يتخذ صفة الجماعية بحسب العادة لأن الداعي له، هي الجماعة كلها، ونتائجه تنعكس على الجميع كذلك، الا ان الاحساس بالبهجة والفرح، يختلف باختلاف الاشخاص، ومدى تأثرهم وانفعالهم بالمناسبة المعينة.
يتخذ كل عيد اهميته ودلالاته في نفوس الناس سواء كان عيدا فرديا او للجماعة بأسرها، من مقدار ما تتمتع به المناسبة الدافعة لانشائه من اهمية وخطر عندهم، وتزداد اهميته سعة وشمولا بمقدار اتساع المناسبة الداعية له، وتنعكس مظاهر الفرح تبعا للمناسبة المحتفى بها، والا فان العاقل لا يعبر عن فرحه وبهجته بدون مناسبة، لعدم وجود فرح يمكن ان يعبر عنه بحسب الفرض، ذلك ان ظاهر الانسان مجرد انعكاس لما انطوت عليه نفسه، والحياة الدنيا مليئة بالهموم والمشاكل والاحزان، بل هي ملازمة لها، ولا يخلو انسان من مشاكل هذه الحياة وهمومها، فابراز الفرح والبهجة بدون دافع له، مع وجود هذه الهموم في نفسه يعني احد امرين، فهو اما انه لا يتمتع بنعمة العقل، الذي يحكم سلوكه وتصرفاته، واما انه انسان عبثي، لا ينطلق في سلوكياته من حكمة تقتضيها، وهذه صفة من ابتلى بانفصام الشخصية وازدواجية السلوك في الذات، ذلك ان المظهر ينبغي ان يكون انعكاسا للباطن كما اشرنا، فاذا كان الباطن متألما، لا يمكن الا ان تظهر آثاره، ولا تنعكس اضدادها، لان ذلك من اجلى انواع خداع النفس والكذب عليها، وبالتالي فلا يتحقق اي معنى للعيد والاحتفال.
فالانسان المحتفل من دون وجود ما يبرر فرحه واحتفاله، غير جدير بالاحترام والتقدير، لأن شخصيته لا تتصف بالاتزان والاستقامة حينئذ، وبالتالي فلا يستحق مشاركته في احتفاله هذا وفرحه ذاك.
انطلاقا من وجود المبررات الموضوعية، والمحطات الهامة في تاريخ الامم والشعوب، نجد اتباع الديانات، بل مختلف الجماعات الانسانية، يؤرخون تاريخ اممهم بمناسبات خاصة، تشكل منعطفا مهما في حياتهم السياسية او الاجتماعية او الثقافية او غير ذلك، فاليهود مثلا يؤرخون لانفسهم بزمان خروجهم من مصر، والنصارى لهم عيد آخر يؤرخون انطلاقا منه، وهو مولد السيد المسيح عليه السلام، وللمسلمين تاريخ ثالث، يبدأ من الهجرة النبوية الشريفة، وتأريخ الفرس يبدأ بمناسبة اعتلاء قورش العرش، وهكذا الحال في سائر الامم، التي تحتفل بالاستقلال مثلا، وغير ذلك مما يشكل عيدا وطنيا او قوميا او دينيا.
مظاهر العيد:
يعمل المحتفلون بالعيد على اظهار فرحهم وسرورهم الداخلي، وتبدو عليهم آثاره، وهذا لا يختص بفئة من الفئات، او جماعة من الناس، بل تتوافق على انعكاس البهجة فيه على كل محيط المحتفل، بما يتوافق مع المناسبة التي اقرت كعيد لهذه الجماعة او تلك، وكثيرا ما تظهر الفرحة عند المحتفلين بالعيد بالزينة والطعام والشراب واللباس، فيعمل الناس على تجديد الملبس، والتمتع بطيب المأكل ولذيذ المشرب، بالاضافة الى الاجتماع وتبادل التهاني والتمنيات بعضهم لبعض.
ومما يدل على ان هذه المظاهر من لوازم العيد، وتجري في اذهان الناس مجرى الفطرة، في روايات اهل البيت (ع)، ما ورد عن سويد بن غفلة، قال: "دخلت عليه (يعني امير المؤمنين عليه السلام ) يوم عيد فاذا عنده فاثور (اي خوان) عليه خبز السمراء (يعني الحنطة) وصفحة فيها خطيفة وملبنة، فقلت: يا امير المؤمنين يوم عيد وخطيفة؟ فقال: انما هذا عيد من غفر له"7.
وما ورد عن النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "زينوا اعيادكم بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس"8.
لقد اراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والامام تصحيح مفهوم العيد، واظهار المعنى الحقيقي الذي ينبغي للناس ان يظهروه، وان كيفية اظهار البهجة والاحتفال ليست مجرد تحسين المظهر، بل لا بد ان ينعكس المعنى الواقعي الذي تظهره المناسبة المحتفى بها، واعطائها بعدا دينيا ينسجم مع معناه الحقيقي.
الا ان ذلك لا يمنع من زينة اللباس، والظهور بالمظهر الحسن، ليتجمع الابتهاج والفرح كافة المظاهر التي تملأ النفس والعقل والروح، فقد ورد عن الامام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: "خذوا زينتكم عند كل مسجد< قال: اي خذوا زينتكم التي تتزينون بها للصلاة في الجمعات والاعياد"9.
وعن الامام الصادق عليه السلام انه قال: "ينبغي لمن خرج الى العيد ان يلبس احسن ثيابه، ويتطيب باحسن طيبه"10.
وفي هذا السياق يدخل دعاء السيد المسيح عليه السلام بانزال المائدة من السماء، قال تعالى: "قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وانت خير الرازقين"11.
* الشيخ حاتم اسماعيل
العيد لغة:
العيد فعيل من العود، حذفت واوه لوجود الياء، وقد لازم معنى الفرح والبهجة، لما فيه من ترقب وانتظار، ولهذا غلب على معنى الموسم لما ينتظره الناس منه، فالعيد يعني عودة الفرح والسرور والبهجة، وقد يطلق عليه اسم المجمع لاجتماع الناس فيه وابراز مظاهر الفرح والبهجة.
معنى الفرح:
وما دام الفرح مأخوذا في معنى العيد، فمن الضروري الوقوف على معناه ودلالته اللغوية كذلك، لانه قد ورد في القرآن الكريم في مقام الذم والباطل، كما في قوله تعالى: "إن الله لا يحب الفرحين"1، وقوله تعالى: "ذلكم بما كنتم تفرحون في الارض بغير حق"2.
وورد في القران الكريم كذلك في مقام المدح والحق والرضا، كما في قوله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"3، وقوله تعالى: "ويومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم"4، وقوله تعالى: "فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون"5، وقوله تعالى: "كل حزب بما لديهم فرحون"6.
فالفرح، الذي يعني الانبساط والانفراج وبهجة القلب ولذته، يختلف مدحا وذما باختلاف مقتضياته ودواعيه.
وبعبارة اخرى، معنى الفرح واحد، ولكن افراده ومصاديقه التي تختلف باختلاف دوافعها، فيتصف بالمدح والحق تارة، وبالذم والباطل اخرى، وليس مذموما بنفسه، كما ربما يتوهم البعض، ان الايمان او التدين ملازم للعبوس والحزن واشباه ذلك.
دواعي العيد ومبرراته:
تختلف دواعي الاحتفال باختلاف الاشخاص، فنرى مثلا ان شخصا يحتفل بمناسبة نجاحه في انجاز عمل معين، كربح في تجارة، او زواج، او نجاح في شهادة او غير ذلك، ويجعل من هذا النجاح عيدا يحتفل به وقته من كل سنة، ومثل هذا النوع من الاحتفال يتصف عادة بصفة الفردية لأن الداعي له، والمحتفل به، هو الفرد نفسه، كما ان نتائجه الايجابية راجعة الى الشخص نفسه.
وقد اقرت المجتمعات الانسانية لكل فئة من الناس عيدا، فللمزارع والعامل عيد، وللاستقلال الوطني عيد، ولشهداء الاوطان، الذين كان لهم اثر في نجاح مشروع وطني عيد كذلك، وهكذا... وهذا النوع من الاحتفال يتخذ صفة الجماعية بحسب العادة لأن الداعي له، هي الجماعة كلها، ونتائجه تنعكس على الجميع كذلك، الا ان الاحساس بالبهجة والفرح، يختلف باختلاف الاشخاص، ومدى تأثرهم وانفعالهم بالمناسبة المعينة.
يتخذ كل عيد اهميته ودلالاته في نفوس الناس سواء كان عيدا فرديا او للجماعة بأسرها، من مقدار ما تتمتع به المناسبة الدافعة لانشائه من اهمية وخطر عندهم، وتزداد اهميته سعة وشمولا بمقدار اتساع المناسبة الداعية له، وتنعكس مظاهر الفرح تبعا للمناسبة المحتفى بها، والا فان العاقل لا يعبر عن فرحه وبهجته بدون مناسبة، لعدم وجود فرح يمكن ان يعبر عنه بحسب الفرض، ذلك ان ظاهر الانسان مجرد انعكاس لما انطوت عليه نفسه، والحياة الدنيا مليئة بالهموم والمشاكل والاحزان، بل هي ملازمة لها، ولا يخلو انسان من مشاكل هذه الحياة وهمومها، فابراز الفرح والبهجة بدون دافع له، مع وجود هذه الهموم في نفسه يعني احد امرين، فهو اما انه لا يتمتع بنعمة العقل، الذي يحكم سلوكه وتصرفاته، واما انه انسان عبثي، لا ينطلق في سلوكياته من حكمة تقتضيها، وهذه صفة من ابتلى بانفصام الشخصية وازدواجية السلوك في الذات، ذلك ان المظهر ينبغي ان يكون انعكاسا للباطن كما اشرنا، فاذا كان الباطن متألما، لا يمكن الا ان تظهر آثاره، ولا تنعكس اضدادها، لان ذلك من اجلى انواع خداع النفس والكذب عليها، وبالتالي فلا يتحقق اي معنى للعيد والاحتفال.
فالانسان المحتفل من دون وجود ما يبرر فرحه واحتفاله، غير جدير بالاحترام والتقدير، لأن شخصيته لا تتصف بالاتزان والاستقامة حينئذ، وبالتالي فلا يستحق مشاركته في احتفاله هذا وفرحه ذاك.
انطلاقا من وجود المبررات الموضوعية، والمحطات الهامة في تاريخ الامم والشعوب، نجد اتباع الديانات، بل مختلف الجماعات الانسانية، يؤرخون تاريخ اممهم بمناسبات خاصة، تشكل منعطفا مهما في حياتهم السياسية او الاجتماعية او الثقافية او غير ذلك، فاليهود مثلا يؤرخون لانفسهم بزمان خروجهم من مصر، والنصارى لهم عيد آخر يؤرخون انطلاقا منه، وهو مولد السيد المسيح عليه السلام، وللمسلمين تاريخ ثالث، يبدأ من الهجرة النبوية الشريفة، وتأريخ الفرس يبدأ بمناسبة اعتلاء قورش العرش، وهكذا الحال في سائر الامم، التي تحتفل بالاستقلال مثلا، وغير ذلك مما يشكل عيدا وطنيا او قوميا او دينيا.
مظاهر العيد:
يعمل المحتفلون بالعيد على اظهار فرحهم وسرورهم الداخلي، وتبدو عليهم آثاره، وهذا لا يختص بفئة من الفئات، او جماعة من الناس، بل تتوافق على انعكاس البهجة فيه على كل محيط المحتفل، بما يتوافق مع المناسبة التي اقرت كعيد لهذه الجماعة او تلك، وكثيرا ما تظهر الفرحة عند المحتفلين بالعيد بالزينة والطعام والشراب واللباس، فيعمل الناس على تجديد الملبس، والتمتع بطيب المأكل ولذيذ المشرب، بالاضافة الى الاجتماع وتبادل التهاني والتمنيات بعضهم لبعض.
ومما يدل على ان هذه المظاهر من لوازم العيد، وتجري في اذهان الناس مجرى الفطرة، في روايات اهل البيت (ع)، ما ورد عن سويد بن غفلة، قال: "دخلت عليه (يعني امير المؤمنين عليه السلام ) يوم عيد فاذا عنده فاثور (اي خوان) عليه خبز السمراء (يعني الحنطة) وصفحة فيها خطيفة وملبنة، فقلت: يا امير المؤمنين يوم عيد وخطيفة؟ فقال: انما هذا عيد من غفر له"7.
وما ورد عن النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "زينوا اعيادكم بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس"8.
لقد اراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والامام تصحيح مفهوم العيد، واظهار المعنى الحقيقي الذي ينبغي للناس ان يظهروه، وان كيفية اظهار البهجة والاحتفال ليست مجرد تحسين المظهر، بل لا بد ان ينعكس المعنى الواقعي الذي تظهره المناسبة المحتفى بها، واعطائها بعدا دينيا ينسجم مع معناه الحقيقي.
الا ان ذلك لا يمنع من زينة اللباس، والظهور بالمظهر الحسن، ليتجمع الابتهاج والفرح كافة المظاهر التي تملأ النفس والعقل والروح، فقد ورد عن الامام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: "خذوا زينتكم عند كل مسجد< قال: اي خذوا زينتكم التي تتزينون بها للصلاة في الجمعات والاعياد"9.
وعن الامام الصادق عليه السلام انه قال: "ينبغي لمن خرج الى العيد ان يلبس احسن ثيابه، ويتطيب باحسن طيبه"10.
وفي هذا السياق يدخل دعاء السيد المسيح عليه السلام بانزال المائدة من السماء، قال تعالى: "قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وانت خير الرازقين"11.
* الشيخ حاتم اسماعيل
- سورة القصص: آية 76
2- سورة غافر: آية 75
3- سورة يونس: آية 58
4- سورة الروم: آية 4-5
5- سورة آل عمران: آية 170
6- سورة المؤمنون: آية 53
7- ميزان الحكمة: ج7، ص130
8- ميزان الحكمة: ج7، ص132
9- البحار: ج90، ص371
10- البحار: ج90, ص373
11- سورة المائدة: الآية 114
2- سورة غافر: آية 75
3- سورة يونس: آية 58
4- سورة الروم: آية 4-5
5- سورة آل عمران: آية 170
6- سورة المؤمنون: آية 53
7- ميزان الحكمة: ج7، ص130
8- ميزان الحكمة: ج7، ص132
9- البحار: ج90، ص371
10- البحار: ج90, ص373
11- سورة المائدة: الآية 114