بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى أن التفاؤل والتشاؤم عنصران فاعلان ومؤثران في حياة الإنسان، فالإنسان المتفائل يمكنه أن يحقق النجاح وأن يصل إلى أهدافه حتى لو أحاطت به الكثير من الصعوبات وواجهته مطبات عديدة. والإنسان المتشائم لا يحصد النجاح في كثير من الأحيان رغم توافر مساعدة ومقومة من حوله.. وهذا ما تدل عليه التجربة البشرية، والدراسات الإنسانية الحديثة، وهذا ما أشارت إليه روايات الرسول صلى الله عليه واله والأئمة الأطهار عليه السلام منذ مئات السنين.. ونذكر في هذه المقالة شيئاً مما أورده سماحة الشيخ الريشهري حول الفأل في كتابه ميزان الحكمة:
نصوص حول التفاؤل والطيرة:
- الإمام علي عليه السلام : تفأل بالخير تنجح.
- رسول الله صلى الله عليه وآله : نعم الشئ الفأل، الكلمة الحسنة يسمعها أحدكم.
- عنه صلى الله عليه وآله : لا طيرة، وخيرها الفأل، الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم.
- عنه صلى الله عليه وآله : لا طيرة، وخيرها الفأل، قيل: يا رسول الله وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم.
- عنه صلى الله عليه وآله : لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح، والفأل الصالح: الكلمة الحسنة.
- الإمام علي عليه السلام : العين حق، والرقى حق، والسحر حق، والفأل حق، والطيرة ليست بحق، والعدوي ليست بحق.
أقول: قال العلامة الطباطبائي قدس سره تحت عنوان "كلام في سعادة الأيام ونحوستها والطيرة والفأل، في فصول": في سعادة الأيام ونحوستها: نحوسة اليوم أو أي مقدار من الزمان أن لا يعقب الحوادث الواقعة فيه إلا الشر ولا يكون الأعمال أو نوع خاص من الأعمال فيه مباركة لعاملها، وسعادته خلافه. ولا سبيل لنا إلى إقامة البرهان على سعادة يوم من الأيام أو زمان من الأزمنة ولا نحوسته، وطبيعة الزمان المقدارية متشابهة الأجزاء والأبعاض، ولا إحاطة لنا بالعلل والأسباب الفاعلة المؤثرة في حدوث الحوادث وكينونة الأعمال حتى يظهر لنا دوران اليوم أو القطعة من الزمان من علل وأسباب تقتضي سعادته أو نحوسته، ولذلك كانت التجربة الكافية غير متأتية لتوقفها على تجرد الموضوع لأثره حتى يعلم أن الأثر أثره، وهو غير معلوم في المقام. ولما مر بعينه لم يكن لنا سبيل إلى إقامة البرهان على نفي السعادة والنحوسة كما لم يكن سبيل إلى الإثبات وإن كان الثبوت بعيدا، فالبعد غير الاستحالة.
هذا بحسب النظر العقلي. وأما بحسب النظر الشرعي ففي الكتاب ذكر من النحوسة وما يقابلها، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ﴾1 ، وقال: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ﴾2، لكن لا يظهر من سياق القصة ودلالة الآيتين أزيد من كون النحوسة والشؤم خاصة بنفس الزمان الذي كانت تهب عليهم فيه الريح عذابا وهو سبع ليال وثمانية أيام متوالية يستمر عليهم فيها العذاب من غير أن تدور بدوران الأسابيع وهو ظاهر وإلا كان جميع الزمان نحسا، ولا بدوران الشهور والسنين. وقال تعالى: ﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾3، والمراد بها ليلة القدر التي يصفها الله تعالى بقوله: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾4، وظاهر أن مباركة هذه الليلة وسعادتها إنما هي بمقارنتها نوعا من المقارنة لأمور عظام من الإفاضات الباطنية الإلهية وأفاعيل معنوية، كإبرام القضاء ونزول الملائكة والروح وكونها سلاما، قال تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾5، وقال: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾6 . ويؤول معنى مباركتها وسعادتها إلى فضل العبادة والنسك فيها، وغزارة ثوابها، وقرب العناية الإلهية فيها من المتوجهين إلى ساحة العزة والكبرياء.
وأما السنة فهناك روايات كثيرة جدا في السعد والنحس من أيام الأسبوع ومن أيام الشهور العربية ومن أيام شهور الفرس ومن أيام الشهور الرومية، وهي روايات بالغة في الكثرة مودعة في جوامع الحديث، أكثرها ضعاف من مراسيل ومرفوعات وإن كان فيها ما لا يخلو من اعتبار من حيث أسنادها. أما الروايات العادة للأيام النحسة كيوم الأربعاء والأربعاء لا تدور وسبعة أيام من كل شهر عربي ويومين من كل شهر رومي ونحو ذلك، ففي كثير منها وخاصة فيما يتعرض لنحوسة أيام الأسبوع وأيام الشهور العربية تعليل نحوسة اليوم بوقوع حوادث مرة غير مطلوبة بحسب المذاق الديني، كرحلة النبي صلى الله عليه وآله وشهادة الحسين عليه السلام وإلقاء إبراهيم عليه السلام في النار ونزول العذاب بأمة كذا وخلق النار وغير ذلك. ومعلوم أن في عدها نحسة مشومة وتجنب اقتراب الأمور المطلوبة وطلب الحوائج التي يلتذ الإنسان بالحصول عليها فيها تحكيما للتقوى وتقوية للروح الدينية، وفي عدم الاعتناء والاهتمام بها والاسترسال في الاشتغال بالسعي في كل ما تهواه النفس في أي وقت كان إضرابا عن الحق وهتكا لحرمة الدين وإزراء لأوليائه، فتؤول نحوسة هذه الأيام إلى جهات من الشقاء المعنوي منبعثة عن علل وأسباب اعتبارية مرتبطة نوعا من الارتباط بهذه الأيام تفيد نوعا من الشقاء الديني على من لا يعتني بأمرها.
وأيضا قد ورد في عدة من هذه الروايات الاعتصام بالله بصدقة أو صوم أو دعاء أو قراءة شئ من القرآن أو غير ذلك لدفع نحوسة هذه الأيام، كما عن مجالس ابن الشيخ بإسناده عن سهل بن يعقوب الملقب بأبي نواس عن العسكري عليه السلام في حديث: " قلت: يا سيدي في أكثر هذه الأيام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من النحس والمخاوف، فتدلني على الاحتراز من المخاوف فيها فإنما تدعوني الضرورة إلى التوجه في الحوائج فيها؟ فقال لي: يا سهل! إن لشيعتنا بولايتنا لعصمة لو سلكوا بها في لجة البحار الغامرة وسباسب البيداء الغائرة بين سباع وذئاب وأعادي الجن والإنس لأمنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا، فثق بالله عز وجل وأخلص في الولاء لأئمتك الطاهرين وتوجه حيث شئت واقصد ما شئت..." الحديث.
ثم أمره عليه السلام بشئ من القرآن والدعاء أن يقرأه ويدفع به النحوسة والشأمة ويقصد ما شاء.
وفي الخصال بإسناده عن محمد بن رياح الفلاح قال: "رأيت أبا إبراهيم عليه السلام يحتجم يوم الجمعة، فقلت: جعلت فداك تحتجم يوم الجمعة؟ قال: أقرأ آية الكرسي، فإذا هاج بك الدم ليلا كان أو نهارا فاقرأ آية الكرسي واحتجم".
وفي الخصال أيضا بإسناده عن محمد بن أحمد الدقاق قال: "كتبت إلى أبي الحسن الثاني عليه السلام أسأله عن الخروج يوم الأربعاء لا تدور، فكتب عليه السلام : من خرج يوم الأربعاء لا تدور خلافا على أهل الطيرة وقي من كل آفة، وعوفي من كل عاهة، وقضى الله له حاجته". وكتب إليه مرة أخرى يسأله عن الحجامة يوم الأربعاء لا تدور، فكتب عليه السلام : "من احتجم في يوم الأربعاء لا تدور خلافا على أهل الطيرة عوفي من كل آفة، ووقي من كل عاهة، ولم تخضر محاجمه".
وفي معناها ما في تحف العقول: قال الحسين ابن مسعود: "دخلت على أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام وقد نكبت إصبعي وتلقاني راكب وصدم كتفي، ودخلت في زحمة فخرقوا علي بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرك من يوم فما أيشمك، فقال عليه السلام لي: يا حسن! هذا وأنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له؟ قال الحسن: فأثاب إلي عقلي وتبينت خطاي، فقلت: يا مولاي أستغفر الله، فقال: يا حسن! ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشاءمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها؟ قال الحسن: أنا أستغفر الله أبدا، وهي توبتي يا بن رسول الله. قال: ما ينفعكم ولكن الله يعاقبكم بذمها على ما لا ذم عليها فيه، أما علمت يا حسن أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلا وآجلا؟! قلت: بلي يا مولاي، قال: لا تعد ولا تجعل للأيام صنعا في حكم الله، قال الحسن: بلى يا مولاي".
والروايات السابقة - ولها نظائر في معناها - يستفاد منها أن الملاك في نحوسة هذه الأيام النحسات هو تطير عامة الناس بها، وللتطير تأثير نفساني كما سيأتي، وهذه الروايات تعالج نحوستها التي تأتيها من قبل الطيرة بصرف النفس عن الطيرة إن قوي الإنسان على ذلك، وبالالتجاء إلى الله سبحانه والاعتصام به بقرآن يتلوه أو دعاء يدعو به إن لم يقو عليه بنفسه. وحمل بعضهم هذه الروايات المسلمة لنحوسة بعض الأيام على التقية، وليس بذاك البعيد، فإن التشاؤم والتفاؤل بالأزمنة والأمكنة والأوضاع والأحوال من خصائص العامة يوجد منه عندهم شئ كثير عند الأمم والطوائف المختلفة على تشتتهم وتفرقهم منذ القديم إلى يومنا، وكان بين الناس حتى خواصهم في الصدر الأول في ذلك روايات دائرة يسندونها إلى النبي صلى الله عليه وآله لا يسع لأحد أن يردها كما في كتاب المسلسلات بإسناده عن الفضل بن الربيع قال: "كنت يوما مع مولاي المأمون فأردنا الخروج يوم الأربعاء، فقال المأمون: يوم مكروه سمعت أبي الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي عليا يقول: سمعت أبي عبد الله بن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن آخر الأربعاء في الشهر يوم نحس مستمر".
وأما الروايات الدالة على الأيام السعيدة من الأسبوع وغيرها فالوجه فيها نظير ما تقدمت اليه الإشارة في الأخبار الدالة على نحوستها من الوجه الأول، فإن في هذه الأخبار تعليل بركة ما عده من الأيام السعيدة بوقوع حوادث متبركة عظيمة في نظر الدين كولادة النبي صلى الله عليه وآله وبعثته وكما ورد أنه صلى الله عليه وآله دعا فقال: "اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها وخميسها"، وما ورد أن الله ألان الحديد لداود عليه السلام يوم الثلاثاء، وأن النبي صلى الله عليه وآله كان يخرج للسفر يوم الجمعة، وأن الأحد من أسماء الله تعالى. فتبين مما تقدم على طوله أن الأخبار الواردة في سعادة الأيام ونحوستها لا تدل على أزيد من ابتنائهما على حوادث مرتبطة بالدين توجب حسنا وقبحا بحسب الذوق الديني أو بحسب تأثير النفوس، وأما اتصاف اليوم أو أي قطعة من الزمان بصفة الميمنة أو المشأمة واختصاصه بخواص تكوينية عن علل وأسباب طبيعية تكوينية فلا، وما كان من الأخبار ظاهرا في خلاف ذلك فإما محمول على التقية أو لا اعتماد عليه.
ميزان الحكمة - بتصرّف
الشيخ محمد الريشهري
1- القمر: 19
2 - فصلت: 16
3 - الدخان: 2.
4 - القدر: 3
5 - الدخان: 4
6 - القدر: 4