بسم الله الرحن الرحيم
- عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد﴾ قال: قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة.
الشرح: قوله في قول الله عز وجل ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد﴾ في المصباح: الرصد: الطريق، والجمع: أرصاد مثل: سبب وأسباب، ورصدته رصدا - من باب قتل -: قعدت له على الطريق، والفاعل راصد، والرصدي نسبة إلى الرصد وهو الذي يقعد على الطريق ينتظر الناس ليأخذ شيئا من أموالهم ظلما وعدوانا، وقعد فلان بالمرصد - وزان جعفر - وبالمرصاد - بالكسر - وبالمرتصد أيضا: أي بطريق الارتقاب والانتظار﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد﴾ أي مراقبك، فلا يخفى عليه شيء من أفعالك ولا تفوته. "قال: قنطرة على الصراط" القنطرة: ما يبنى على الماء للعبور عليه - والجسر: أعم لأنه يكون بناء وغير بناء. "لا يجوزها عبد بمظلمة" هي بفتح الميم وكسر اللام: اسم لما يطلب عند الظلم كالظلامة بالضم.
- عن شيخ من النخع قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : إني لم أزل واليا منذ زمن الحجاج إلى يومي هذا فهل لي من توبة ؟ قال: فسكت ثم أعدت عليه، فقال: لا حتى تؤدي إلى كل ذي حق حقه.
- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من ظلم مظلمة اخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده.
الشرح: قوله "من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده" نظيره ما في رواية مولى آل سام عن أبي عبد الله عليه السلام وفيه تنبيه للظالم المغرور بعدم المؤاخذة بالفعل بأنها لا محالة يكون ولو في ولده الذي هو بمنزلة نفسه وبحكم المقابلة خير صلاح الأب قد يصل إلى ولده، وقد ذكرناه مشروحا ويؤيده قوله تعالى حكاية: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ ولا ينافي الأول قوله تعالى: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ لخروجه بهذا النص وغيره من عموم الآية كخروج مؤاخذة العاقلة في الخطاء، والأب هو الذي أدخل على نفسه وولده هذه الخصلة المسرية إلى أعقابه وهو الذي ظلمهم أيضا وما الله بظلام للعبيد.
- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة.
الشرح: قوله "اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة" ظلمات جمع ظلمة وهي خلاف النور وحملها على الظلم باعتبار تكثره معنى أو للمبالغة. وفيه تحذير من الظلم على النفس وعلى الغير، والمراد بالظلمة إما الحقيقة لما قيل من أن الهيئات النفسانية التي هي ثمرات الأعمال الموجبة للسعادة والشقاوة أنوار وظلمات مصاحبة للنفس وهي تنكشف لها في القيامة التي هي محل بروز الأسرار وظهور الخفيات فتحيط بالظالم على قدر مراتب ظلمه ظلمات متراكمة حين يكون المؤمنون في نور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، أو المراد بها الشدائد والأهوال كما قيل في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْر﴾.
- عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : مبتدئا: من ظلم سلط الله عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه، قال: قلت: هو يظلم فيسلط الله على عقبه أو على عقب عقبه ؟! فقال: إن الله عز وجل يقول: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا﴾.
الشرح: قوله "إن الله عز وجل يقول: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا﴾ لعله أمر للأوصياء بالخشية والعدل في أموال اليتامى وعدم ظلمهم فيها خوفا من أن يرجع ظلمهم إلى أولادهم، وأمر لهم بالقول السديد للأيتام بأن يكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب ويدعونهم ب "يا بني ويا ولدي" ولا يقولوا ما يؤذيهم، وللمفسرين فيه أقوال.
- عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أكل مال أخيه ظلما ولم يرده إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة.
الشرح: قوله "أكل جذوة من النار يوم القيامة" الجذوة: الجمرة المتلهبة وتضم الجيم وتفتح وتجمع جذى مثل مدى وقرى وتكسر أيضا فتكسر في الجمع أيضا مثل جزية وجزى.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه، فإن دعا لم يستجب له ولم يأجره الله على ظلامته.
الشرح: قوله "من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه" عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب رفعت عنه اللوم فهو معذور أي غير ملوم والاسم العذر بضم الذال للاتباع وتسكن والجمع أعذار والمعذرة بمعنى العذر، وأعذرته بالألف لغة. "فإن دعا لم يستجب له" أي دعا الله تعالى أن يدفع عنه ظلم من يظلمه، أو مطلقا لم يستجب له لأنه بسبب عذره صار ظالما خرج عن استحقاق الاستجابة ودخل في زمرة الظلمة "ولم يأجره الله تعالى على ظلامته" لأنها وقعت مجازاة.
عن أبي بصير قال: دخل رجلان على أبي عبد الله عليه السلام في مداراة بينهما ومعاملة، فلما أن سمع كلامهما قال: أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم، ثم قال: من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع وليس يحصد أحد من المر حلوا ولا من الحلو مرا. فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما.
* الشرح: قوله "أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم" الخير مضاف إلى " من " وفيه تنبيه على أن المظلومية أفضل الخيرات وبين ذلك بأن المظلوم يأخذ يوم القيامة من حسنات الظالم عوضا مما أخذه الظالم من ماله، وما يأخذه المظلوم أكثر منفعة وأعظم مقدارا لأن منفعته وهي الفوز بالسعادة الأخروية أبدية بخلاف ذلك المال فإن نفعه قليل في زمان يسير. وفيه تحذير للظالم من سوء عاقبة الظلم وتسلية للمظلوم بأن الظالم يسعى في مضرة نفسه ونفع المظلوم كما أشار إليه أيضا أمير المؤمنين عليه السلام بقوله " ولا يكبرن أي لا يعظمن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى في مضرته ونفعك ".
قوله "وليس يحصد أحد من المر حلوا ولا من الحلو مرا" هذا تمثيل والمقصود أن عامل الشر لا يجد خيرا وثوابا وعامل الخير لا يجد شرا وعقابا. وفيه تقبيح للشر وتبعيد عنه. وتحسين للخير وترغيب فيه.
شرح أصول الكافي لمازندراني - بتصرف