يَستحضر المؤمن أنّه دائماً على مرأى ومسمع من إمام زمانه عجل الله فرجه الشريف وان كان غائباً عن أعين الأنام,يترتب على ذلك أن يبذلَ الموالي في جميع أوقاته وحالاته غاية جهده لرعاية آداب الحضور بين يدي صاحب العصر والزمان صلوات الله عليه لأن الغفلة عنه من مصاديق قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾, فلا ريب بدلالة الأخبار الكثيرة القطعية المروية عن المعصومين عليه السلام في أن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ناظر إلينا وشاهد علينا ومطَّلع على أحوالنا فنحن في كل حال وفي كل مكان على مرأى ومسمع منه, فإنه عين الله الناظرة وأذنه السامعة, فإذا علمتَ ذلك واستيقنه قلبك لا جُرمَ جعلته صلوات الله عليه نُصبَ عينِك ونظرت إليه بعين قلبك بل علمت أنّ كونه عليه السلام نصب عينِك لازم كونك نصب عينه أيضاً, وعلمت أن هذا الأمر غير متوقف على جعلك وتدبيرك واختيارك وهذا ظاهر بيِّنٌ لا يخفى إلا على من كانت عين قلبه عمياء: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور﴾ِ.
ومتى وعىَ قلبُك وعقلك هذه الحقيقة صار كلّ همِّك ولا ريب في رعاية آداب الحضور بين يديه عليه السلام والإتيان بما يجب عليك في محضره الشريف كل ذلك بحسب مراتب معرفتك وان لم تَره بعين البصر.
مثال ذلك:لوحضر رجل أعمى في مجلس السلطان وقام بين يديه لرعى جميع الآداب التي ينبغي رعايتها بحضرة السلطان كما يرعاها المبصرون الناظرون إليه القائمون بين يديه, مع أن الأعمى لا يراه ولا يمكنه النظر إليه وليس ذلك إلا لعلمه بأنه تحت ناظري السلطان, ولعلمه أيضاً بأنّ السلطان نصب عينه هو وان كان لا يبصره بعينه.وهذا هو حال المؤمن في زمان غيبة الإمام عليه السلام عن أعين الأنام لأن إيمانه ويقينه يعلم علماً قطعياً بأنه في جميع أحواله تحت ناظري إمامه، عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام :"اللّهم إنّه لا بدَّ لأرضك من حجة لك على خلقك يهديهم إلى دينك ويعلّمهم علمك لئلا تبطل حجتك ولا يضل أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به, إما ظاهرٍ ليس بالمُطاع, أو مُكْتَتم مترقِّب إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم, فانّ علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون".
من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله:"..والعاقبة لجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم (المؤمنين) ما اجتنبوا المنّهيَّ عنه من الذنوب ونحن نعهد إليك أيها الوليّ المخلص المجاهد فينا الظالمين, أيّدك الله بنصره الذي أيدَّ به السلف من أوليائنا الصالحين, انه من اتّقى ربّه من إخوانك في الدين وأخرج ما عليه إلى مستحقه كان آمناً من الفتنة المُبطلة, ومِحَنها المُظلمة المضلّة, ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته على من أمره بصلته فانه يكون خاسراً بذلك لأُولاه وآخرته, ولو أنّ أشياعنا وفّقهم الله لطاعته على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لمَاَ تأخرَ عنهم اليُمن بلقائنا, ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصِدقها منهم بنا فما يَحبُسنا عنهم ألا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم.."