اعلم أن المؤمنين في ذكر مولاهم بمقتضى اختلاف درجات إيمانهم ومعرفتهم ويقينهم على مراتب متفاوتة:فمنهم من يكون حاله في ذكر مولاه كما قال الشاعر:
الله يعلم أنّي لست أذكُركُم
فكيف أذكُركُم إذ لست أنساكم
أو كما قيل:
أما والذي لو شاء لم يخلق النوى
لئن غبت عن عيني فما غبتَ عن قلبي
فهو غير غافل عن مولاه ولا ذاهلٍ عما ينبغي مراعاته من آدابه في جميع أوقاته وحالاته, فهنيئاً لهؤلاء القوم,ثم هنيئاً لهم على ما أُوتوا من الحكمة, وزُقّوا من العلم والعمل والمعرفة. جعلنا الله منهم بجوده وكرمه. وأذكر نبذاً مما ينبغي استحضاره دوماً:
1-إعلم أنّه يجب أن تستيقن أنك بمرأى ومسمع من مولاك| يرىَ مكانك, ويعرف أحوالك, فان كنتَ ممن يواظب على مراعاة الآداب التي ينبغي لك مراعاتها بالنسبة إليه نلتَ بذلك كمالَ محبته ونظره إليك.وان كنت من أهل الغفلة والإعراض عنه فوأسفاه عليك. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ فأيّ ضَنك وضيق أشدّ من ظلمة الغفلة والجهالة أمّ أيّ حسرة أعظم من العمى في يوم القيامة. فالبدار البدار في استخلاص نفسك وفكاك رقبتك, وهذا لا يحصل لك إلا بذكر مولاك ليأخذ بيدك في أولاك وأخراك.قال تعالى ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾.
2-فإذا أصبحت فاعلم أن حياتك التي أعطاك الله هي ببركته فاشكره واشكر الله على نعمته, وراقب نفسك لئلّا تصرف هذه النعمة في غير مرضاته فتكون نكالاً عليك ووبالاً,فان عرضتْ لك معصية فتذكّر أنّ مولاك يراك في هذه الحالة القبيحة,وان عرضتْ لك حسنة فاستبق إليها واعلم أنها نعمة إلهية أنعمها الله عليك ببركة إمامك.
3-كن في جميع أحوالك خاضعاً خاشعاً كالعبد الذليل الواقف بين يدي مولاه الجليل وسلّم عليه كلّ صباح ومساء, سلام عبد متشوّق إلى لقائه, متألم لفراقه, سلام مخلص تجري دموعه على خديه, موقن انه واقف بين يديه عجل الله تعالى فرجه الشريف.
4-إذا حان وقت صلاتك تذكّر حال مولاك حين وقوفه بين يدي الله جلّ جلاله وتأسَّ به في إحضار قلبك وخشوع أطرافك, وغضّ الطرف عما سوى الله تعالى وأنها لا تقبل منك إلا بموالاته ومعرفته.
5-إذا فرغت من صلاتك فاجعل إمامك وسيلةً إلى الله عزوجل وشفيعاً في قبولها, وابدأ بالدعاء له قبل الدعاء لكل أحد لعظمة حقه عليك, وكثرة إحسانه إليك.
6-إذا عرضت لك حاجة أو دهتك شديدة فاعرضها عليه بأبي هو وأمي وتضرع إليه ليشفع إلى الله تعالى في كشفها عنك فانه الوسيلة إلى الله والباب الذي يؤتى منه, قال تعالى:﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾1.
"يا مولانا يا صاحب الزمان الغوث الغوث الغوث, أدركني أدركني أدركني, الساعة الساعة الساعة, العجل العجل العجل, يا الرحم الراحمين بحقّ محمد واله الطاهرين".
1-البقرة:189