بسم الله الرحمن الرحيم
أ- العرب البائدة:
لا ريـب فـي ان جزيرة العرب كـانت موطن قبائل كثيرة من العرب منذ القدم،
وقد باد بعضهم على اثر حوادث خاصة سماوية وارضية، وذلك لإعراضهم عن ذكر اللّه كما
قال تعالى في قوم سبأ: ﴿فـأعـرضـوا فـأرسـلـنـا عـلـيـهـم سيل العرم ذلك جزيناهم
بما كفروا وهل نجازي الا الكفور وظـلـمـوا انـفـسـهم فجعلناهم احاديث ومزقناهم كل
ممزق ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه﴾1 ولذلك سمي هؤلاء بالبائدة. ولـعـل مـنـهم
قوم عاد المعاد ذكرهم في القرآن الكريم اكثر من عشرين مرة وقوم ثمود المكرر ذكرهم
في القرآن الكريم اكثر من خمس وعشرين مرة.
ب- عاد قوم هود عليه السلام:
امـا عـاد فـانـهـم قـوم من العرب من بشر ما قبل التاريخ كانوا يسكنون
الجزيرة انقطعت اخبارهم وانـمـحـت آثـارهم، ولا يحفظ التاريخ من حياتهم إلا اقاصيص
لا يطمأن اليها، وليس في التوراة الموجودة ذكر لهم. والـذي يـذكـره الـقـرآن
الـكـريـم مـن قـصـتـهم هو: ان عادا كانوا يسكنون وادي او صحرا الاحـقاف2 وهو واد
بين عمان وارض مهرة الى حضرموت والاحقاف هي الرمال الملتوية، وانـهـم مـن ذرية من
حملهم اللّه مع نوح عليه السلام وكانوا ذوي خلقة قوية عظيمة وطوالا3، وكـان لـهم
تقدم ورقي في المدنية والحضارة، ولهم بلاد عامرة وارض خصبة ذات جنات ونخيل وزروع
ومـقـام كريم وبعث اللّه فيهم اخاهم هودا يدعوهم الى الحق ويرشدهم الى ان يعبدوا
اللّه ويرفضوا عبادة الاوثان ويعملوا بالعدل والرحمة4، فبالغ في وعظهم وبث النصيحة
فيهم وأنـار الـطـريق واوضح السبيل، وقطع عليهم العذر، فقابلوه بالاباء والامتناع،
وواجهوه بالجحد والانـكـار، ولـم يـؤمن به إلا شرذمة منهم قليلون، وأصر جمهورهم على
البغي والعناد، ورموه بـالـسـفه والجنون، وألحوا عليه بأن ينزل عليهم العذاب الذي
كان ينذرهم ويتوعدهم به، فارسل اللّه عـلـيهم العذاب وارسل اليهم الريح العقيم ما
تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم5، كـانـت تـنزع الناس كأنهم اعجاز نخل
منقعر6، ريحا صرصرا في ايام نحسات سبع ليال وثمانية ايام حسوما فترى القوم فيها
صرعى كا نهم اعجاز نخل خاوية7 تدمركل شي بأمر ربهـا فـأصـبـحـوا لا يـرى إلا
مـساكنهم8 فاهلكهم اللّه جميعا إلا هودا والذين آمنوا معه9 ولعله لهذا يسـمى عادا
المهلكة بعاد الاولى، والثانية هي الباقية منهم10.
ج- ثمود قوم صالح عليه السلام:
واما ثمود فهم قوم من العرب العاربة كانوا يسكنون وادي القرى بين
المدينة والشام، وهم من بشر ما قبل التاريخ ايضا لا يضبط التاريخ إلا شيئا يسيرا
مـن أخبارهم، ولقد عفت الدهور آثارهم، ولا اعتماد على ما يذكرمن جزئيات قصصهم.
والـذي يقصه كتاب اللّه من أخبارهم هو: أنهم كانوا امة من العرب يدل عليه اسم نبيهم
صالح عليه السلام وهو منهم11 جاوا بعد قوم عاد، وكانت لهم حضارة ومدنية، يعمرون
الارض ويتخذون من سـهـولـهـا قـصـورا ويـتـخذون مـن الجبال بيوتا آمنين12، ويفجرون
العيون ويحرثون ويغرسون جنات النخيل13، وكان في مدينتهم شعوب وقبائل يتحكم فيهم
شيوخهم وسادتهم، وفيهم تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون14 فلما اسرفوا في امرهم
ارسل اللّه اليهم صالحا النبي عليه السلام، وكان من بيت الشرف والفخار معروفا
بالعقل والكفاءة15 فدعاهم الى تـوحيد اللـه سبحانه وان يتركوا عبادة الاصنام وان
يسيروا في مجتمعهم بالعدل والاحسان وان لا يـطـغوا ولا يسرفوا16 فقـام بالدعوة الى
دين اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة وصبرعلى الأذى في جنب اللّه، فلم يؤمن به إلا
جماعة قليلة من الضعفاء17.
أمـا الطغاة والمستكبرون وعامة من تبعهم فقد أصروا على كفرهم واستذلوا الذين آمنوا
به ورموه بـالسفاهة والسحر18 وطلبوا منه البينة على كلامه وسألوه آية معجزة تدل على
صدقه في دعوى الرسالة، واقترحوا له ان يخرج لهم من صخر الجبل ناقة، فأتاهم بناقة
على ما وصفوها له، وقال لهم: إن اللّه يامركم ان تشربوا من عين مائكم يوما وتكفوا
عنها يوما فتشربها الناقة، فلها شرب يـوم ولـكـم شـرب يوم معلوم، وان تذروها تأكل
في ارض اللّه ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب19، وكان الامر على ذلك حينا ثم
انهم مكروا وطغوا وبعثوا اشقاهم لقتل الناقة فعقرها وقـالوا لصالح: ائتنا بما تعدنا
ان كنت من الصادقين قال صالح عليه السلام: تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير
مكذوب20. ثـم مكرت شعوب المدينة وارهاطها بصالح
﴿تقاسموا باللّه لنبيتنه واهله ثم
لنقولن لوليه مـا شهدنا مـهلك اهله وانا لصادقون﴾21
﴿فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون22﴾
﴿فأصبحوا في دارهم جاثمين﴾23
﴿وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾24.
وفي ((الكافي)) بسنده عن ابي بصير قال: قلت لابي عبد اللّه الصادق عليه السلام:
﴿كذبت
ثمـود بالنذر فـقالوا ابشـراً منا واحـدا نتبعه انا اذا لفي ضلال وسعر﴾25 قال: بعث
اللّه اليهم صالحا فلم يـجـيـبـوه وعـتـوا عـليه وكانت صخرة يعظمونها ويعبدونها
ويذبحون عندها في رأس كل سنة ويـجـتمعون عندها فقالوا: ان كنت تزعم نبيا رسولا فادع
لنا الهك حتى يخرج لنا من هذه الصخرة الـصماء ناقة عشراء (اي ذات حمل في الشهر
العاشر) فاخرجها اللّه كما طلبوا منه (و) اوحى اللّه تبارك وتعالى اليه: ان يا صالح
قل لهم: ان الله قد جعل لهذه الناقة شرب يوم ولكم شرب يوم. فكانت الناقة اذا كان
يومها شربت الماء ذلك اليوم، فيحبسونها فلا يبقى صغير ولا كبير الا شرب من لبنها
يومهم ذلك، فإذا كان الليل واصبحوا غدوا الى مائهم فشربوا منه ذلـك اليوم ولم تشرب
الناقة ذلك اليوم فمكثوا بذلك ما شاء اللّه. ثم انهم عتوا على اللّه ومشى بعـضهم
الى بعض قالوا: اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها، لا نرضى ان يـكـون لـنـا شـرب
يوم ولها شرب يوم ثم قالوا: من الذي يلي قتلها ونجعل له جعلا ما احب؟ فـجـاءهم رجـل
احمر ازرق ولد زنا لا يعرف له أب، يقال له: قدار، شقي من الاشقياء مشؤوم عليهم
فجعلوا له جعلا.
وهرب فصيلها حتى صعد الى الجبل، فرغا ثلاث مرات الى السـماء وجاء قوم صالح فلم يبق
منهم احـد الا شركه في ضربته واقتسموا لحمها فيما بينهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير
إلا اكل منها.
فـلما رأى صالح ذلك أقبل اليهم وقال: يا قوم ما دعاكم الى ما صنعتم؟ اعصيتم امر
ربكم؟ فأوحى اللّه تـبـارك وتعالى الى صالح عليه السلام: ان قومك قدطغوا وبغوا
وقتلوا ناقـة بعثها اللّه اليهم حجة عليهم، ولم يكن لهم فيها ضرر، وكان لهم فيها
اعظم المنفعة، فقل لهم: اني مرسل اليهم عذابي الى ثلاثة ايام فان هـم تـابـوا قبلت
توبتهم وصددت عنهم، و ان هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت اليهم عذابي في اليوم الثالث.
فأتاهم صالح وقال: يا قوم اني رسول ربكم اليكم وهو يقول لكم: ان تبتم ورجعتم
واستغفرتم غفرت لكم وتبت عليكم. فـلـمـا قــال لـهـم ذلـك كانوا اعتى واخبث
﴿وقالوا
يا صالح ائتنـا بما تعدنا ان كنت من المرسلين﴾26 قـال: يا قوم انكم تصبحون غدا
ووجوهكم مصفرة، واليوم الثاني وجوهكم محمرة، واليوم الثالث وجوهكم مسودة. فـلـما
كان اول يوم اصبحوا ووجوههم مصفرة فمشى بعضهم الى بعض وقالوا قد جاءكم ما قال صالح
فـقـال الـعتاة منهم: لا نسمع قول صالح ولا نقبل قوله وان كان عظيما فلما كان اليوم
الثاني اصبحت وجوههم محمرة، فمشى بعضهم الى بعض فقالوا: يا قوم قد جاءكم ما قال لكم
صالح فقال العتاة منهم: لـو اهـلـكـنا جميعا ما سمعنا قول صالح ولا تركنا آلهتنا
التي كان آباؤنا يعبدونها، ولم يتوبوا ولم يرجعوا، فلما كان اليوم الثالث
اصبحواووجوههم مسودة فمشى بعضهم الى بعض فقالوا يا قوم اتاكم ما قال لكم صالح. فقال
العتاة منهم: قد أتانا ما قال لنا صالح فلما كان نصف الليل اتاهم جبرئيل فصرخ بهم
صرخة خرقت اسـماعهم وفلقت قلوبهم وصدعت اكبادهم، فماتوا جميعا في طرفة عين صغيرهم
وكبيرهم، ولم يـبق لهم ناعقة ولا راغية ولا شيء إلا اهلكه اللّه، وأصبحوا في ديارهم
ومضاجعهم موتى، وارسل اللّه اليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقهم اجمعين27.
د- الـقـحـطانيون:
هم ابناء يعرب بن قحطان الذين كانوا يسكنون اليمن وجنوب جزيرة العرب،
ويسـمون بالعرب العاربة ايضا واليمنيون اليوم بصورة عامة والأوس والخزرج هم من نسل
قحطان وقـد سبق ان قوم سبأ ايضا كانوا من نسل قحطان، وكانت لهم حكومات ومساع
عمرانية وحضارية اثرية ولهم خط يسمى بالخط المسند وكل ما يقال عن حضارة العرب قبل
الاسلام فانما هو من هؤلاء في اليمن.
هــ- الـعدنانيون:
وهم ابناء اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليه السلام الذي قد تبين لنا انه
امر بان يذهب بابنه اسـمـاعـيـل وامـه هاجر الى ارض مكة، فسار بهم ابراهيم عليه
السلام من ارض فلسطين الى بطن واد منخفض بلا ماء ولا كلأ باسم مكة، فاجرى اللّه لهم
ماء زمزم وكبر اسماعيل فتزوج من قبيلة جرهم الـذين استأذنوا ابراهيم ان يسكنوا مكة
فاذن لهم، فكان لاسماعيل نسـل كثير، ومن احفاده عدنان، وقد تفرعت منه فروع عديدة
اشهرها قبيلة قريش ومنهم بنو هاشم.
* الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي
1- سبا: 16 20.
2- الاحقاف: 21.
3- الاعراف: 69، والسجدة: 15، والشعرا: 130.
4- الشعرا: 130.
5- الذاريات: 43.
6- القمر: 20.
7- الحاقة: 7.
8- الاحقاف: 25.
9- هود: 58.
10- النجم: 5.
11- هود: 61.
12- الاعراف: 74.
13- الشعرا: 148.
14- النمل: 48.
15- هود: 62، والنمل: 49.
16- هود والشمس.
17- الاعراف: 75.
18- الاعراف: 66، والشعرا: 153، والنمل: 47.
19- الاعراف: 72، والشعرا: 156، وهود: 64.
20- هود: 65.
21- النمل: 49.
22- الذاريات: 44.
23- الاعراف: 78.
24- النمل: 53.
25- القمر: 23، 24.
26- الاعراف: 77.
27- الميزان 10: 314، 316.