بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام الإمام علي عليه السلام: (إنما مثلي بينكم كمثل السراج في الظلمة،
يستضيئ به من ولجها)1.
تطالعنا بعض العبارات في كلمات النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين عليهم
السلام بحيث يتصور بعض الجهال أحياناً أنها كلمات مديح للذات. والحال هنالك فارق
واضح بين مدح الذات والتعريف بها. فإنك أحياناً تعرّف شخصاً، لكنه يندفع لمدح نفسه
على أساس الأنانية والغرور، فهذا العمل مذموم وقبيح. ولكن ربما لا تعرف ذلك الشخص
وهو يعرّف بنفسه ويبين مهاراته في تخصصه ليتسنى للآخرين الاستفادة منه، فهذا ليس
مدح الذات وهو ليس مذموماً. وما ورد بشأن المعصومين عليهم السلام من قبيل القسم
الثاني، لا الأول. وقد خاض علي عليه السلام في روايات أخرى بالتعريف نفسه. مثلاً
جاء في الرواية أنه قال لكميل وأشار إلى صدره: (إن ها هنا لعلماً جماً لو أصبت
له حملة)2. وقال عليه السلام: (أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق
السماء أعلم منّي بطرق الأرض)3.
وأخيراً صرّح في هذه الرواية إنني فيكم بمنزلة السراج الذي يضئ في الظلمة والذي يرد
فضاء هذا السراج يمكنه الاستفادة من نوره. فالرواية تشير إلى نقطة مهمة، وردت
الإشارة إليها في روايات أخرى وبعض الآيات القرآنية: وهي أن الرقي والسمو يستند إلى
دعامتين:
1- فاعلية الفاعل.
2- قابلية القابل.
فلو كانت هناك أحدث الوسائل المتطورة بينما لا يستغلها الإنسان حيث لا قابلية له
فلا فائدة فيها. فليس هنالك أعظم نوراً من الشمس، إلا أن الأعمى لا يسعه الاستفادة
منها، ذلك لأنه لا قابلية له. ولو سقينا أرضاً مالحة بأفضل المياه وطرحنا فيها أحسن
البذور وكان القائم عليها أمهر المزارعين لما حصلنا منها على شئ، لأنها أرض مالحة
ولا قابلية فيها للاستفادة. فقد كان هنالك العديد من الأفراد إلى جانب الأنبياء حتى
آخر عمرهم لكنهم ماتوا على الكفر، لأنهم لم يمتلكوا قابلية تلقي نور الهدى كما جاء
في أول سورة البقرة أن القرآن الكريم هدى للمتقين، لا لجميع الناس، أي هادٍ للأفراد
الذين لديهم قابلية الهدى.
والقابليات متفاوتة بالطبع وكل ينهل من الفيض الإلهي حسب قابليته. قال تعالى:
﴿أنزل
من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها﴾4.
وهنا ياتي سؤال: كيف نضاعف القابلية؟
الجواب: القابليات نوعان: بعضها ذاتي والآخر اكتسابي.
والنوع الأول لا يمكن مضاعفته. أما النوع الثاني فيمكن مضاعفته من خلال التوبة
والورع والتقوى والمداومة على ذكر الله وطرح الحجب وحضور حلقات العلم والمعرفة
والمطالعات المفيدة واختيار الصديق الصالح والوسط النظيف وما شاكل ذلك.
* الشيخ ناصر مكارم الشيرازي- بتصرف يسير
1- نهج البلاغة، الخطبة 187.
2- نهج البلاغة، قصار الكلمات، 147.
3- نهج البلاغة، الخطبة 189.
4- سورة الرعد، الآية 17.