بسم الله الرحمن الرحيم
النواهي الصادرة عن الإمام الرضا عليه السلام في آداب العشرة مع الإخوان كثيرة، فقد
ورد عنه النهي عن غيبة المؤمن أو التشاجر معه أو البهتان عليه، أو المكر به أو غشه
وهجرانه، أو إخافته وإهانته أو الإستهزاء به إلى غير ذلك كما سيوافيك:
1 ـ النهي عن غيبة المؤمن:
ورد النهي في القرآن الكريم عن غيبة المؤمن لقوله تعالى:
(وَلا يَغْتَب
بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا
فَكَرِهْتُمُوهُ)1
وورد أيضاً في الأحاديث الإسلامية ما يؤكد هذا النهي منه ما ورد عن الرضا عليه
السلام كما في الأمالي والعيون عن تميم القريشي عن أحمد الأنصاري، عن الهروي، عن
الرضا عليه السلام قال: أوحى الله إلى نبي من أنبيائه إذا أصبحت، فأول شىء يستقبلك
فكله، والثاني فاكتمه والثالث فاقبله والرابع فلا تؤيسه والخامس فاهرب منه. قال
فلمّا أصبح مضى فاستقبله جبل أسود عظيم فوقف وقال: أمرني ربي عز وجل أن آكل هذا
وبقى متحيراً ثم رجع إلى نفسه فقال: إن ربي جل جلاله لا يأمرني إلا بما اطيق فمشى
إليه لياكله، فلمّا دنا منه صَفّر حتى أنتهى إليه فوجده لقمه فأكلها، فوجدها أطيب
شىء أكله، ثم مضى فوجد طستاً من ذهب قال: أمرني أن أكتم هذا فحفر له وجعله فيه
وألقى عليه التراب، ثم مضى فالتفت فاذا الطست قد ظهر. قال: قد فعلت ما أمرنى ربي عز
وجل، فمضى فإذا هو بطير وخلفه بازي فطاف الطير، فقال: أمرني ربي عز وجل أن أقبل هذا
ففتح كمّه، فدخل الطير فيه. فقال البازي أخذت صيدي وأنا خلفه منذ أيام. فقال: إن
ربي عز وجل أمرنى أن لا أويس هذا. فقطع من فخذه قطعة فألقاها إليه ثم مضى، فلمّا
مضى إذا هو بلحم ميتة منتن مدود، فقال: أمرني ربي أن أهرب من هذا فهرب منه ورجع.
ورأى في المنام كأنه قد قيل له: إنك قد فعلت ما أمرت به فهل تدري ماذا كان؟ قال: لا،
قيل له: أمّا الجبل فهو الغضب، إن العبد إذا غضب لم ير نفسه وجهل قدره من عظم الغضب،
فإذا حفظ نفسه وعرف قدره ومسكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التى أكلتها، وأمّا
الطست فهو العمل الصالح إذا كتمه العبد وأخفاه أبى الله عز وجل إلاّ أن يظهره
ليزيّنه به مع ما يدّخر له من ثواب الآخرة وأمّا الطير فهو الرجل الذى ياتيك بنصيحة
فاقبله واقبل نصيحته، وأمّا البازي، فهو الرجل الذي ياتيك في حاجة فلا تؤيسه وأمّا
اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها2.
وفي معاني الأخبار عن ابن خالد عن الرضا عن أبيه عن الصادق صلوات الله عليهم قال:
إن الله تبارك وتعالى ليبغض البيت اللحم واللحم السمين.فقال له بعض أصحابه يابن
رسول الله إنا لنحب اللحم ولا تخلو بيوتنا منه فكيف ذلك؟ فقال صلى الله عليه وآله
وسلم: ليس حيث تذهب، إنّما البيت اللحم البيت الذي يؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة،
وأمّا اللحم السمين فهو المتجبر المتكبر المختال في مشيته3.
وفي الخصال بسنده عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم، فهو
مّمن كملت مروّته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرّمت غيبته4.
وفي صحيفة الرضا عنه عن آبائه عن علي بن الحسين عليهم السلام قال: من كفّ عن اعراض
المسلمين أقال الله تعالى عترته يوم القيامة5.
وفيه أيضاً عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي بن الحسين عليه السلام:
إياكم والغيبة فإنها إدام الكلاب6.
وفي الإختصاص: قال الرضا عليه السلام: من ألقى جلباء الحياء فلا غيبة له7.
2 ـ التحرز من بهتان المؤمن:
وفي العيون عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: من بهت مؤمناً أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه أقامه
الله تعالى يوم القيامة على تلّ من نار حتى يخرج ممّا قال فيه8.
3 ـ النهي عن التشاجر مع الآخرين:
وفي آمالي عن جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن حمد بن نعقل، عن حمد بن
الحسن الوشاء، عن أبيه عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: إياكم ومشاجرة الناس، فإنها تظهر الغرَّة وتدفن العزَّة9.
4 ـ عدم جواز حجب الأخ المؤمن:
وفي عدّة الداعي عن عبد المؤمن الأنصاري، عن أبي الحسن موسى الرضا عليه
السلام قال: المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه، ملعون ملعون من اتهم أخاه، ملعون ملعون
من غش أخاه، ملعون ملعون من لم ينصح أخاه، ملعون ملعون من احتجب عن أخيه، ملعون
ملعون من اغتاب أخاه10.
وروى الكليني في الكافي عن علي بن محمد، عن ابن أبي جمهور، عن أحمد بن الحسين، عن
أبيه، عن إسماعيل بن محمد، عن محمد بن سنان، قال: كنت عند الرضا عليه السلام فقال
لي: يا محمد إنه كان في زمن بني اسرائيل أربعة نفر من المؤمنين فأتى واحد منهم
الثلاثة وهم مجتمعون في منزل أحدهم في مناظرة بينهم فقرع الباب، فخرج إليه الغلام،
فقال أين مولاك؟ فقال: ليس هو في البيت، فرجع الرجل ودخل الغلام إلى مولاه فقال له:
من كان الذي قرع الباب؟ قال: كان فلان. فقلت له: لست في المنزل. فسكت ولم يكترث ولم
يلم غلامه ولا اغتم أحد منهم لرجوعه عن الباب وأقبلوا في حديثهم. فلمّا كان من الغد
بكرّ إليهم الرجل فأصابهم وقد خرجوا يريدون ضيعة لبعضهم فسلّم عليهم وقال أنا معكم،
فقالوا: نعم ولم يعتذروا إليه وكان الرجل محتاجاً ضعيف الحال، فلمّا كانوا في بعض
الطريق إذا غمامة قد أظلّتهم فظنوا أنه مطر، فبادروا، فلمّا استوت الغمامة على
رؤوسهم إذا مناد ينادي من جوف الغمامة: أيتها النار خذيهم وأنا جبرئيل رسول الله
فإذا نار من جوف الغمامة قد اختطفت الثلاثة نفر وبقى الرجل مرعوباً يعجب بما نزل
بالقوم ولا يدري ما السبب، فرجع إلى المدينة فلقى يوشع بن نون فأخبره الخبر وما أرى
وماسمع فقال يوشع بن نون: أما علمت أن الله سخط عليهم بعد أن كان عنهم راضيا وذلك
بفعلهم قال: وما فعلهم بي؟ فحدّثه يوشع. فقال الرجل: فأنا أجلهم في حل وأعفو عنهم.
قال: لو كان هذا قبل لنفعهم، وأمّا الساعة فلا. وعسى أن ينفعهم من بعد11. أقول:
يحتمل أن يكون المراد به من بعد: هو البرزخ أو القيامة.
5 ـ عدم جواز إخافة المؤمن
وفي العيون عن أحمد بن الحسين بن يوسف، عن علي بن محمد بن عنبسه، عن بكر
بن أحمد بن محمد بن إبراهيم عن فاطمة بنت الرضا، عن أبيها، عن آبائه عن الصادق
عليهم السلام قال: لا يحلّ لمسلم أن يروع مسلماً12. وفي صحيفة الرضا عنه عليه
السلام عن آبائه قال: قال علي عليه السلام: ورثت عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم كتابين كتاب الله عزّ وجل وكتاباً في قراب سيفي، قيل يا أمير المؤمنين وما
الكتاب الذي في قراب سيفك؟ قال: من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه فعليه لعنة
الله13.
6 ـ عدم جواز هجران المؤمن
وفي العيون أيضاً بالإسناد إلى دارم عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال:
في أوّل ليلة من شهر رمضان يغلّ المردة من الشياطين ويغفر في كل ليلة سبعين ألفاً،
فإذا كان ليلة القدر غفر الله بمثل ما غفر رجب وشعبان وشهر رمضان إلى ذلك اليوم
رجل بينه وبين أخيه شحناء فيقول الله عز وجل: أنظروا هؤلاء حتى يصطلحوا14.
7 ـ عدم جواز أهانة المؤمن أو الإستهزاء به
وعن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: من استذل مؤمناً أو حقّره لفقره وقلة ذات يده شهره الله يوم القيامة ثم
يفضحه15. وعنه أيضاً عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: من آذى مؤمناً أو حقّره لفقره وقلة ذات يده شهره الله على جسر جهنم يوم
القيامة16. وفي العيون عن البيهقي عن الصولي عن محمد بن يحيى بن أحمد بن أبي عباد
عن عمّه قال: سمعت الرضا عليه السلام يوماً ينشد شعراً. فقلت لمن هذا أعزّ الله
الأمير.فقال: لعراقى لكم. قلت: أنشد فيه أبوالعتاهية لنفسه.
فقال: هات اسمه ودع عنك هذا. إن الله سبحانه يقول: ولاتنابزوا بالألقاب، ولعلّ
الرجل يكره هذا17. قلت والعتاهية هو الأحمق كما قال الجوهري عن الأخفش: رجل عتاهية
وهو الأحمق18. ولمّا كان هذا اللقب من الألقاب الذميمة نهى الإمام عن التفوه به
حفظاً على كرامة الرجل. وأمّا اسم أبي العتاهية: اسماعيل بن القاسم بن سويد بن
كيسان19.
وأمّا الأبيات التي أنشدها الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
كما يلي:
كلّنا نأمل مداً في الأجل***والمنايا هنّ آفات الأمل
لا تغرنك أباطيل المنى***والزم القصد ودع عنك العلل
إنما الدنيا كظلّ زائل***حل فيه راكب ثم رحل
8 ـ حرمة المكر والخديعة مع المؤمنين
روى الصدوق في العيون والأمالي عن ماجيلويه عن على عن أبيه عن ابن معيد،
عن ابن خالد عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: من كان مسلماً فلا يمكر ولا يخدع، فإنّى سمعت جبرئيل عليه السلام يقول إن
الكر والخديعة في النار ثم قال عليه السلام: ليس منّا من غش مسلماً وليس منا من خان
مسلماً. ثم قال عليه السلام: إن جبرئيل الروح الأمين عزل عليّ من عند رب العالمين،
فقال يا محمّد عليك بحسن الخلق فإن سوء الخلق يذهب بخير الدنيا والآخرة وإن أشبهكم
بي أحسنكم خلقاً20. وفيه أيضاً: عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم: ليس منّا من غش مسلماً أو ضره أو ماكره21.
9 ـ النهي عن الغمز واللمز
وفي صحيفة الرضا عليه السلام عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: إنّ موسى بن عمران عليه السلام سأل ربّه ورفع يديه، فقال: يا رب أين
ذهبت أوذيت فأوحى الله إليه: يا موسى إن في عسكرك غمازاً، فقال: يا رب دلّني عليه،
فأوحى الله تعالى إليه إنّي أبغض الغمّاز فكيف أغمز22.
10 ـ النهي عن ظلم الآخرين
وفي صحيفة الرضا أيضاً: عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: إيّاكم والظلم فإنه يخرب قلوبكم23.
11 ـ التحرز عن مواضع التهمة
وفيها أيضاً: عن الرضا عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام
من عرض نفسه للتهمة فلا يلومنّ من أساء الظن به24.
12 ـ النهي عن رد الكرامة:
إن من أخلاق المؤمن يقبل هدية الأخ المؤمن ولا يردّ ذلك وقد عبّر في بعض
الأحاديث بأنه لا يرد الكرامة إلّا حمار، وفسّر ذلك بالطيب أو توسعة المجلس والدعوة
على الجلوس على الوسادة فمن رد ذلك فقد ردّ الكرامة وعليه أن يراعي هذه الصفة
الحسنة إلّا أن يمنعنا مانع كالمرض أو لمحاذير أخرى وإليك بعض الأحاديث المروية في
هذا المجال: روى الصدوق في معاني الأخبار، عن سعد عن ابن عيسى عن البجلي، عن ابن
اسباط عن الحسن بن الجهم قال: قال الرضا عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه
السلام يقول: لا يأبى الكرامة إلاّ حمار. قلت مامعنى ذلك؟ قال: التوسعة في المجلس
والطيب يعرض عليه25.
عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن ابن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن الجهم قال: سمعت
الرضا عليه السلام يقول: لا يأبى الكرامة إلاّ حمار. قلت: أي شيء الكرامة؟ قال: مثل
الطيب وما يكرم به الرجل الرجل26.
وفيه أيضاً عن سعد عن البرقي عن علي بن ميّسر، عن أبي زيد المكي قال سمعت الرضا
عليه السلام: يقول: لا يأبى الكرامة إلا حماراً يعني بذلك في الطيب والتوسعة في
المجلس والوسادة27.
* محمد جواد الطبسي
1- سورة الحجرات الآية 12
2- الخصال 2 ص 128، عيون أخبار الرضا ج 1 ص 275، بحار الأنوار ج 75 ص 250
3- معاني الأخبار ص 388، عيون أخبار الرضا ج 1 ص 314، بحار الأنوار ج 75 ص 251
4- الخصال ج 1 ص 97، عيون أخبار الرضا ج 2
5- صحيفة الرضا ص 42، بحار الأنوار ج 75 ص 256
6- نفس المصدر
7- بحار الأنوار ج 75 ص 260
8- عيون أخبار الرضا ج 2 ص 33، بحار الأنوار ج 75 ص 194
9- أمالي الطوسي ج 2 ص 96، بحار الأنوار ج 75 ص 210
10- عدة الداعي ص 131، وسائل الشيعة ج 8 ص 563
11- الكافي ج 2 ص 364، بحار الأنوار ج 75 ص 192
12- عيون أخبار الرضا ج 2 ص 70، بحار الأنوار ج 75 ص 147
13- صحيفة الامام الرضا ص 14، بحار الأنوار ج 75 ص 149
14- عيون أخبار الرضا ج 2 ص 71، بحار الأنوار ج 75 ص 188
15- عيون اخبار الرضا ج 2 ص 33، بحار الأنوار ج 75 ص 143
16- نفس المصدر ج 2 ص 70، بحار الأنوار ج 75 ص 143
17- عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 177، وسائل ج 21 ص 400
18- الصحاح ج 6 ص 2239
19- مجمع البحرين ص 524
20- عيون أخبار الرضا ج 2 ص 50، بحار الأنوار ج 75 ص 284
21- بحار الأنوار ج 75 ص 285
22- صحيفة الرضا ص 11، بحار الأنوار ج 75 ص 315
23- نفس المصدر ص 7
24- بحار الأنوار ج 75 ص 91
25- معانى الاخبار ص 268، بحار الانوار ج 75 ص 141
26- عيون أخبار الرضا ج 1 ص 311
27- بحار الأنوار ج 75 ص 141