بسم الله الرحمن الرحيم
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (ويح ابن آدم، أسير الجوع، صريع الشبع، غرض الآفات،
خليفة الأموات).
(ويح ابن آدم):
عن سيبويه: "ويح" زجر لمن أشرف على الهلكة و"ويل" لمن وقع فيها... وفي المجمع "ويح"
كلمة ترحم وتوجع لمن وقع في هلكة، وقد يقال للمدح والتعجب، ومنه ويح ابن عباس كأنه
أعجب بقوله1.
وفي هذه الرواية الشريفة تعجب من حال الإنسان الذي تعتريه كل هذه الأحوال التي تكشف
عن ضعفه وعجزه وقلة حيلته، ومن ثم طريقة تفاعل الإنسان مع هذه الأحوال التي يعلمها
علما يقينيا.
والرواية في الوقت نفسه تحمل له تنبيها وإنذاراً وتذكيراً حتى يستيقظ ويتدبر في كل
هذه المذكورات، حيث إن كل واحدة منها كافية لتجعله يراجع حساباته ويتبصر، ومن ثم
يتواضع ويخضع لإرادة الحق تعالى.
(أسير الجوع):
فهذا الإنسان ضعيف ومحتاج، ويكشف عن ذلك ما يؤول إليه حاله عندما يجوع، فالإنسان
الجائع إنسان خائر القوى وفاقد للتركيز ولا يحسن القيام بأي عمل مثمر، والكلام هنا
عن الجوع المضني والمهلك. ولهذا يكون الإنسان أسيراً له، خاضعاً أمامه، لا حول له
ولا قوة. ومن هذا حاله كيف له أن يتجبر ويتكبر على الغني المطلق الذي لا يفتقر إلى
طعام أو شراب.
(صريع الشبع):
والصريع في اللغة هو المغلوب أو المطروح أرضاً، والمراد هنا إما ان الشبع مثله مثل
الجوع الشديد يجعل الإنسان خاملاً مغلوباً لا ينشط لعمل أو جهد ذهني كالمطروح أرضاً
الذي لا يرجى منه حراكاً..
وإما من باب أن الشبع الدائم مآله بنهاية المطاف إلى إصابة جسم الإنسان بالأمراض،
وهذا ما يستدعي اخترام الإنسان فيقع صريعاً، أي يموت.
وهذه العبارة أيضاً فيها تنبيه على أن الإنسان من شدة ضعفه وعجزه فكما يهلكه ويأسره
الجوع، كذلك يصرعه ويغلبه الشبع.
(غرض الآفات):
كون الإنسان غرضاً للآفات أي أنه هدف لها، وهي تتجه إليه اتجاه السهم إلى هدفه،
وتنجذب إليه انجذاب الحديد إلى ما يجذبه. فطبيعة جسمه المادية ذو خاصية تجعلها في
حال تصرم وفناء متتابع ودائم.. فالإنسان في عالم الدنيا سريع العطب، فهو لم يخلق
ليخلد فيها ويبقى.
وفي هذه العبارة تنبيه على جهة مهمة من جهات ضعف الإنسان وعجزه، وهو كونه قرين
الفناء ولا قدرة ذاتية له على الخلود، وهذا مما يدعو إلى التدبر، فعليه اغتنام مدة
حياته القصيرة فيما يوصله إلى الحياة الحقيقية التي وعده الله عزوجل بها.
(خليفة الأموات):
إن كل من سبق الإنسان من آباء وأجداد وصولاً إلى آدم (ع) أبي البشرية، كلهم ماتوا
ولم يبق منهم احد في هذه الدنيا، فالإنسان على هذا خليفة الأموات، وخليفة الاموات
في معرض اللحوق بهم، لان من كان متولداً ممن آل أمره إلى الموت، فإنه سيكون مثله،
لانه من نفس جنسه.
فعلى الإنسان أن يأخذ العبرة ممن قضوا وماتوا، وأن يبادر إل الاستفادة مما منح له
من حياة قصيرة.
1- مجمع البحرين، الطريحي، ج 2، ص 425 – بتصرف.