الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

وللمظلوم عوناًالكلّ يحتاج إلى الصبر مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة
من نحن

 
 

 

التصنيفات
يا ليتني قدمت لحياتي
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى: ﴿كلا إذا دكت الأرض دكا دكا * وجاء ربك والملك صفا صفا * وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى * يقول يا ليتني قدمت لحياتي * فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد [1]
 
هذه الآيات للتحذير بوجود القيامة والحساب والجزاء. فتقول أولا: "كلا" (فليس الأمر كما تعتقدون بأن لا حساب ولا جزاء، وأن الله قد أعطاكم المال تكريما وليس امتحانا)..

 إذا دكت الأرض دكا دكا. "الدك": الأرض اللينة السهلة، ثم استعملت في تسوية الأرض من الارتفاعات والتعرجات، و (الدكان): المحل السوي الخالي من الارتفاعات و (الدكة): المكان السوي المهئ للجلوس. وجاء تكرار "دكا" في الآية للتأكيد.

وعموما، فالآية تشير إلى الزلازل والحوادث المرعبة التي تعلن عن نهاية الدنيا وبداية يوم القيامة، حيث تتلاشي الجبال وتستوي الأرض، كما أشارت لذلك الآيات (106 - 108) من سورة طه: ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا. وبعد أن ينتهي مرحلة القيامة الأولى (مرحلة الدمار)، تأتي المرحلة الثانية، حيث يعود الناس ثانية للحياة ليحضروا في ساحة العدل الإلهي: وجاء ربك والملك صفا صفا. نعم، فسيقف الجميع في ذلك المحشر لإجراء الأمر الإلهي وتحقيق العدالة الربانية، وقد بينت لنا الآيات ما لعظمة ذلك اليوم، وكيف أن الإنسان لا سبيل له حينها إلا الرضوخ التام بين قبضة العدل الإلهي.

 وجاء ربك: كناية عن حضور الأمر الإلهي لمحاسبة الخلائق، أو أن المراد: ظهور آيات عظمة الله سبحانه وتعالى، أو ظهور معرفة الله عز وجل في ذلك اليوم، بشكل بحيث لا يمكن لأي كان إنكاره، وكأن الجميع ينظرون إليه بام أعينهم. وبلا شك، إن حضور الله بمعناه الحقيقي المستلزم للتجسيم والتحديد بالمكان، هذا المعنى ليس هو المراد، لأن سبحانه وتعالى مبرأ من الجسمية وخواص الجسمية[2]. وقد ورد هذا المعنى في كلام للإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)[3]. كما وتؤيد الآية (33) من سورة النحل هذا التفسير بقولها: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك.

 صفا صفا: إشارة إلى ورود الملائكة عرصة يوم القيامة على هيئة صفوف، ويحتمل تعلق الصفوف بكل السماوات.

 وتقول الآية التالية: وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى. وما نستنبطه من الآية، إن جهنم قابلة للحركة، فتقرب للمجرمين، كما هو حال حركة الجنة للمتقين: وأزلفت الجنة للمتقين[4]. وثمة من يعطي للآية معنى مجازيا، ويعتبرها كناية عن ظهور الجنة والنار أمام أعين المحسنين والمسيئين. ولكن، لا دليل على الأخذ بخلاف الظاهر، ومن الأفضل التعامل مع ظاهر الآية، لأن حقائق عالم القيامة لا يمكن فهمها وتصورها بشكل دقيق لمحدودية عالمنا أمام ذلك العالم من جهة؟ ولاختلاف القوانين والسنن التي تحكم ذلك العالم من جهة أخرى.. ثم، ما المانع في تحرك كل من الجنة والنار في ذلك اليوم؟ وروي: لما نزلت هذه الآية، تغير وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعرف في وجهه حتى اشتد على أصحابه ما رأوا من حاله، وانطلق بعضهم إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقالوا: يا علي لقد حدث أمر قد رأيناه في نبي الله، فجاء علي (عليه السلام) فاحتضنه ثم قال: "يا نبي الله بأبي أنت وأمي، ما الذي حدث اليوم؟ ". قال: " جاء جبرائيل (عليه السلام) فأقرأني وجئ يومئذ بجهنم. قال: فقلت: كيف يجاء بهم؟ قال: يجئ بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع، ثم أتعرض لجهنم، فتقول: ما لي ولك يا محمد، فقد حرم الله لحمك علي، فلا يبقى أحد إلا قال: نفسي نفسي، وإن محمدا يقول: رب أمتي أمتي ".[5]  نعم، فحينما يرى المذنب كل تلك الحوادث تهتز فرائصه ويتزلزل رعبا، فيستيقظ من غفلته ويعيش حالة الهم والغم، ويتحسر على كل لحظة مرت من حياته بعدما يرى ما قدمت يداه، ولكن. هل للحسرة حينها من فائدة؟! وكم سيتمنى المذنب لو تسنح له الفرصة ثانية للرجوع إلى الدنيا وإصلاح ما أفسد، ولكنه سيرى أبواب العودة مغلقة، ولا من مخرج!... ويود التوبة.. وهل للتوبة من معنى بعد غلق أبوابها؟ ! ويريد أن يعمل صالحا.. ولكن أين؟ فقد طويت صحائف الأعمال، ويومها يوم حساب بلا عمل!... وعندها..

 بملأ يصرخ كيانه: يقول يا ليتني قدمت لحياتي. وفي قولته نكتة لطيفة، فهو لا يقول قدمت لآخرتي بل "لحياتي"، وكأن المعنى الحقيقي للحياة لا يتجسد إلا في الآخرة. كما أشارت لهذه الآية (64) من سورة العنكبوت: وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون. نعم، ففي دنياهم: يسرقون أموال اليتامى، لم يطعموا المساكين، يأخذون من الإرث أكثر مما يستحقون ويحبون المال حبا جما. وفي أخراهم، يقول كل منهم: يا ليتني قدمت لحياتي الحقيقية الباقية.. ولكن التمني ليس أكثر من رأس مال المفلسين.

 وتشير الآية التالية إلى شدة العذاب الإلهي: فيومئذ لا يعذب عذابه أحد. نعم، فمن استخدم في دنياه كل قدرته في ارتكاب أسوء الجرائم والذنوب، فلا يجني في آخرته إلا أشد العذاب... فيما سينعم المحسنون والصالحون في أحسن الثواب، ويخلدون بحال ما لا عين رأت ولا اذن سمعت، فالله "أرحم الراحمين" لمن أخلص النية وعمل، و "أشد المعاقبين" لمن تجاوز حدود هدف خلقه.

 وتكمل الآية التالية تصوير شدة العذاب: ولا يوثق وثاقه أحد. فوثاقه ليس كوثاق الآخرين، وعذابه كذلك، كل ذلك بما كسبت يداه حينما أوثق المظلومين في الدنيا بأشد الوثاق، ومارس معهم التعذيب بكل وحشية، متجرد عن كل ما وهبه الله من إنسانية.

* آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - بتصرف


[1]- سورة الفجر.
[2] - يقول الفخر الرازي في تفسيره: إن في الآية محذوف، تقديره (أمر) أو (قهر) أو (جلائل آيات) أو (ظهور ومعرفة).. وظهرت هذه التقديرات في كتب غيره من المفسرين أيضا، وخصوصا التقدير الأول.
[3] - راجع تفسير الميزان، ج 20، ص 416.
[4] - سورة الشعراء، الآية 90.
[5] - مجمع البيان، ج 10، ص 483، وعنه الميزان، ج 20، ص 415، ومثله في تفسير الدر المنثور.

13-02-2015 | 16-25 د | 1778 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net