بسم الله الرحمن الرحيم
انّ الله سبحانه الّذي تولّىٰ تلاوة الآيات وتعليم الكتاب والحكمة وتبيين المعارف
الإلهيّة وتزكية النفوس، قد عهد بكلّ هذه الاُمور إلىٰ أنبيائه، وجعلها مسؤوليّة
خاصّة علىٰ عاتق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). فالله سبحانه يصف نفسه
بأنّه تالٍ للآيات بقوله تعالىٰ:
﴿نَتْلُوا عَلَيكَ مِن نَبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ
بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يؤْمِنُون﴾ وكذلك اعتبر نفسه مبيِّناً للآيات وهادياً للسنن
ومزكّياً للنفوس.
ثمّ ينسب هذه الصفات الثلاث إلىٰ رسوله، كما يعتبر مهمّة التبيين بنحو عامّ من
خصائص النبوّة العامّة:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ
لِيُبَيّنَ لَهُم﴾. وهذا المعنىٰ بعينه وعلىٰ نحو الخصوص قد كُلّف به الرسول
الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالتالي فإنّه يبيّن التكليف العلميّ للاُمّة
أيضاً:
﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيهِم﴾،
﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ
الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيه﴾، كما أنّه قد جعل ضرورة تبيين الآيات والأحكام الإلٰهيّة
علىٰ عاتق علماء الدين:
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
لَتُبَينُنَّهُ لِلنَّاس﴾.
إنّ من أفضل وأهمّ الطرق لمعرفة القرآن، هو تفسيره بسنّة المعصومين (عليهم السلام).
وسنّة المعصومين، وكما مرّ، أحد مصادر علم التفسير واُصول البحث والتحقيق للحصول
علىٰ المعارف القرآنيّة. والعترة الطاهرة (عليها السلام) وطبقاً لحديث الثقلين
المتواتر هم عِدل القرآن، والتمسّك بأحدهما دون الآخر هو بمنزلة ترك كلا الثقلين،
ولأجل بلوغ الإنسان إلىٰ درجة الدين الكامل فإنّه يجب عليه الإعتصام بأيّ واحد
منهما مقترناً بالإعتصام والتمسّك بالآخر.
وتفسير القرآن بالسنّة وإن كان لازماً وضروريّاً لكنّ مثل هذا التفسير في مقابل
تفسير القرآن بالقرآن هو كالثَقل الأصغر أمام الثَقل الأكبر، أي انّه في طوله، وليس
في عرضه، وإنّ معيّة واقتران هاذين الاثنين هي علىٰ نحو اللازم والملزوم، وليس بنحو
الملازم، وبصورة النهج الطوليّ وليس العرضيّ حتّىٰ تكون السنّة في عرض القرآن
ابتداءً بحيث تستطيع أن تتعرّض له وتعارضه وتغدو معارضة له، كما أنّ الحديثين يكون
أحدهما عِدلاً للآخر وله حقّ التعرّض لهُ والإعتراض عليه ومعارضته، وبالتالي تكون
نتيجة مثل هذا التعارض هو إمّا التوقّف أو التخيير أو ترجيح أحدهما علىٰ الآخر؛
وإنّما لابدّ من القول انّ الحجّة أوّلاً هو كلام الله وإنّ الّذي جعل الله له
الحجّية ثانياً في القرآن وهو سنّة المعصومين(عليهم السلام) مدين لحجّية القرآن،
أجل بعد إستقرار الحجّية حدوثاً وبقاءاً هنالك ستكون السنّة متلازمة مع القرآن. نعم
يمكن أن تثبت رسالة النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) بواسطة معجزة اُخرىٰ
غير القرآن وفي هذه الحالة فإنّ حجّية السنّة سوف لن تكون متفرّعة علىٰ حجّية
القرآن ولا هي في مقابل إرشاده، لكنّ لزوم العرض علىٰ القرآن وتجنّب التعارض
والتباين مع القرآن في خصوص السنّة غير القطعيّة هو أمر ضروريّ ولازم علىٰ كلّ حال.
* آية الله الشيخ جوادي آملي