بسم الله الرحمن الرحيم
لوازم عرض السنة على
القرآن:
إنّ ضرورة عرض سُنّة المعصومين على القرآن الكريم لها لوازم يُشار إلى بعضها:
أ- صيانة القرآن الأبديّة من آفة التحريف: لأنّ الكتاب المحرَّف الّذي هو
في نفسه ساقط عن الحجيّة لايمكن أن يكون ميزاناً لاعتبار أيّ شيء آخر، وحيث انّ
الدين الإسلاميّ الحنيف خالد وأبديّ وضرورة عرض السنّة على القرآن دائميّة
ومستمرّة إذن يُعلم من ذلك أنّ نزاهة القرآن من آفة التحريف أبديّة وخالدة أيضاً،
وأمّا الشبهات الواهية الّتي يطرحها المتوهّمون للتحريف فإنّها قد اُجيب عليها بنحو
مستقلّ وذُكر بعضها في كتاب (القرآن في القرآن). وكلّ ما جاء خلافاً للمتوقّع في
تفسير «بيان السعادة في مقامات العبادة» من كلام حول التحريف فهو خاطئ للغاية.1
ب- إمكانيّة تحريف السُنّة من جهة السند أو الدلالة، لأنّ سُنّة
المعصومين(ع) لو كانت غير قابلة للدسّ والتحريف والجعل والوضع ولم تقع مورداً
للتحريف فإنّه لم تكن هناك حاجة للعرض على القرآن المجيد.
ج- حجيّة ظاهر القرآن، لأنّ القرآن غير المحرَّف إذا لم يكن قابلاً للفهم
العامّ وصالحاً لمقارنة السنّة إليه فإنّه لايصلح إطلاقاً ليكون معياراً وميزاناً
لإعتبار وحجيّة السُنّة.
أسباب عرض السنة على القرآن:
- إنّ السُنّة المعروضة على القرآن الكريم وكما مرّ2، تكون على قسمين؛
فتارةً تحتاج إلى العرض بسبب الإبتلاء بالمعارض، كما هو مفاد النصوص العلاجيّة،
وتارةً لأجل تشخيص الإعتبار، وذلك في جميع أنحاء السُنّة سواء كان لها معارض أو
كانت بلا معارض، كما هو مقتضى النصوص الاُخرى الّتي تُفيد مثل هذا الأمر، وقد
وردت أيضاً في الجوامع الروائيّة للإماميّة.
- حيث إنّ ضرورة عرض السُنّة على القرآن في مقام إثبات حجيّة السُنّة، لذلك فإنّ
جميع صفات القرآن المذكورة كالصيانة من التحريف، وحجيّة الظاهر و... تكون ناظرة إلى
مقام إثبات القرآن الكريم ولا اختصاص لها بمقام ثبوته.
- إنّ الهدف من عرض السنّة على القرآن لأجل تقييم إعتبار السنّة ليس هو إثبات
موافقة السنّة للقرآن، لأنّ الموافقة للقرآن ليست «شرطاً» في الحجيّة، بل إنّ
المخالفة مع القرآن هي «مانع» للإعتبار والحجيّة. إذاً فالمقصود من العرض الّذي
بيّنت السُنّة القطعيّة ضرورته هو إحراز (عدم المخالفة) للسُنّة المعروضة مع القرآن
الكريم، لا «إثبات الموافقة» معه، لأنّ الكثير من الأحكام والفروع الجزئيّة لم ترد
في القرآن وقد تمّ تحديدها وبيانها طبقاً للأمر الإلهيّ بالرجوع إلى السنّة.
وصحيح أنّ الهدف من عرض السُنّة على القرآن هو إحراز عدم مخالفتها معه، لا إثبات
موافقتها له، ولكن من أجل إحراز عدم المخالفة مع القرآن يجب الإعتراف بأنّ جميع
معارف وأحكام القرآن الكريم هي واضحة وبشكل شفّاف وإن كان ذلك يتمّ بمساعدة الآيات
المتناسبة لكي يمكن القول بصراحة بأنّ الأمر الفلانيّ الّذي ورد في السنّة وبعد
العرض على القرآن قد اتّضح بأنّه غير مخالف للقرآن. ولو كانت بعض الآيات مبهمة ولا
تتّضح أبداً بغير السنّة، فإنَّ ذلك العرض وذلك الإستنتاج لن يتم إطلاقاً... طبعاً
انّ السنّة بعنوان كونها المرجع العلميّ والتبيينيّ هي غير السُنّة بعنوان انّها
المرجع التعبّدي.
والقصد هو أنّه وإن كانت الموافقة مع القرآن ليست شرطاً في إعتبار السُنّة، ولكن
المخالفة مع القرآن مانع من إعتبارها، والحكم بعدم مخالفة السُنّة مع القرآن متوقّف
على إحراز معنى ومقصود كلّ القرآن (على نحو الموجبة الكليّة)، ولو كانت بعض
الآيات (على نحو الموجبة الجزئيّة) لا تفهم بغير السُنّة أصلاً ولا يُعرف مفادها
والمقصود منها، فهذا يعني أنّ فهم جزء من القرآن متوقّف على إعتبار السنّة بينما
إعتبار السنّة يتمّ بأن لا يكون بينها وبين جميع آيات القرآن (على نحو السلب
الكلّي) أيّةَ مخالفة ولا معارضة ولا تباين.
فإذاً يجب أوّلاً: أن تكون جميع آيات القرآن واضحة.
وثانياً: أن لا يكون فهم أيّةَ آية متوقّفاً على السُنّة.
وثالثاً: إذا كان فهم بعض الآيات متوقّفاً على السُنّة فإنّه يلزم الدور
في هذا القسم، ونتيجة مثل هذا الدور تنتهي إلى التناقض المستحيل، وفي هذا الموضوع
لافرق بين إثبات حجيّة السنّة عن طريق القرآن وإثبات حجيّتها عن طريق معجزة اُخرى.
وبناءً على هذا، فإنّ جميع القرآن بما هو ميزان للتقييم يجب أن يكون واضحاً من دون
الرجوع إلى السنّة، وأن تكون له حجيّة مستقلّة لا منحصرة، كي يكون قابلاً لعرض
السنّة عليه، وبعد إحراز عدم مخالفة السُنّة للقرآن ستكون هناك حجّة مستقلّة اُخرى
إلى جانب القرآن الّذي هو حجّة مستقلّة قبل ذلك، فتُضمّ هاتان الحجّتان
المستقلّتان إلى حجّة مستقلّة اُخرى هي «البرهان العقليّ»، فتصبح هذه الحجج
الثلاث إلى جانب بعضها البعض من دون أن يكون لإحداها دعوى الإنحصار (لأنّ
الإستقلال وكما سبق بيانه هو غير الإنحصار)، وعندئذ وبعد ملاحظة مجموع هذه المصادر
الثلاثة المستقلّة وغير المنحصرة والجمع النهائيّ بينها يمكن التوصّل إلى معرفة
الرسالة الإلهيّة والحكم الإلهيّ القطعيّ... .
ومن الضروريّ والمؤكّد أن يتمّ الإلتفات بعمق إلى أمرين:
أحدهما انّ السنّة بما هي أعمّ من القطعيّة وغير القطعيّة ستكون دائماً وبالنسبة
إلى جميع الآيات مرجعاً للتعليم والتبيين والتفصيل؛ لكنّ المرجعيّة التعبّديّة
المختصّة بالسنّة غير القطعيّة تحصل بعد إتّضاح مفاد ومضامين كلّ القرآن. والآخر هو
انّ القرآن بدون السُنّة الأعمّ من القطعيّة وغيرها ليس بحجّة أبداً، والقول بحجيّة
القرآن بدون السنّة القطعيّة وغير القطعيّة فصل وتفريق واضح بين العِدلين الغير
القابلين للإفتراق. والقصد هو أنّ سبب ضرورة عرض السنّة على القرآن هو إحتمال
الجعل والكذب والتحريف فيها، وهذه الاُمور لاوجود لها في السُنّة القطعيّة، فيجب
التمييز في جميع هذا الكتاب بين السُنّة القطعيّة وغير القطعيّة. كما انّ روايات
عرض السُنّة على القرآن سواء كانت الروايات المتعارضة فيما بينها أو الروايات غير
المتعارضة إنّما يُقصد بها السُنّة غير القطعيّة؛ لأنّ السُنّة القطعيّة الّتي هي
بمنزلة القرآن تكون معروضاً عليها وليست معروضة.
فاتّضح من البحوث السابقة أين يكون محور إعتبار وحجيّة السُنّة ومدار عرضها على
القرآن وكيف تكون حجيّة السنّة في مقابل القرآن الكريم، كذلك اتّضحت مساحة نفوذ
تفسير القرآن بالسنة، ومنزلة إمامة القرآن بالنسبة للحديث، وكون الحديث اُمّة
للقرآن، ومقام كون القرآن والحديث عِدلين أحدهما للآخر، واتّضحت مساواة أحدهما
للآخر، كما تبيّنت ضرورة إعادة النظر في بعض ما يُكتب.3
وفي بحث مساواة القرآن والعترة (لا القرآن والحديث) يوجد هناك أمران: أحدهما أنّ
القرآن هو الثَقل الأكبر بالنسبة إلى العترة والآخر هو كون كلّ منهما عِدلاً للآخر؛
كما أنّ الروايات الواردة في هذا الشأن هي على طائفتين: فلسان إحداهما هو «أحدهما
أكبر»، ولسان الطائفة الاُخرى هو أنّ الرسول الأكرم(ص) جعل السبّابتين من كلتي
يديه إلى جانب بعضهما وقال: «انّي قد تركت فيكم أمرين... كهاتين»، وجعل السبّابة
والوسطى إلى جانب بعضهما وقال: «لا أقول كهاتين».4
* آية الله الشيخ جوادي آملي - بتصرف
1- ج1، ص19.
2- ص91 من (الترجمةالعربيّة) كتاب تسنيم، ج1.
3- مناهج البيان، ج1، ص15 19.
4- اُصول الكافي، ج2، ص415.