مقدمة:
انّ الشفاعة من الأمور التي ذكرها الله في القرآن الكريم في أكثر من موضع وغالباً ما قرنها بشرطها الرئيسي وهو إذنه تعالى:
﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ1﴾.
وقد أثبتها الله لرسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله تعالى:
﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾2.
فعن الإمام الباقر عليه السلام في هذه الآية انه قال:"الشفاعة والله الشفاعة والله الشفاعة" بل وذكرت الروايات أنها هي المقام المحمود المقصود في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾3.
موانع الشفاعة:
ولكن الآيات والروايات ذكرت جملة من الأمور تشكل مانعا من الشفاعة فيحرم الذي يتصف ببعض الصفات من أصل الشفاعة أو من انتفاعه بالشفاعة فالشفاعة لها أطراف الشفيع.
احدها: وهم الأنبياء ولا سيما سيدهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة والشهداء والعلماء المؤمنون .
ثانيها: المشفوع فيه وهو الخلل أو الذنب والذي يشفع فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيشفع (تقبل شفاعته) ولو كان من الكبائر فعنه صلى الله عليه وآله وسلم:"إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي فيشفعني الله فيهم " .
ثالثها: المشفوع لهم ولهم شرائط ومواصفات لو فقدت لا تنفع معها شفاعة بل لا شفاعة أصلا ومن هذه الموانع:
1- الخلل العقائدي وله صور:
- الشرك فقد قال تعالى ﴿تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ4﴾.
- التكذيب بيوم القيامة:قال تعالى: ﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ *حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾5.
- عدم الإيمان بالشفاعة أصلا وقد ذكرته بعض الروايات وذكره بعض العلماء.
- الغلو في الدين: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "رجلان لا تنالهما شفاعتي ....وغال في الدين مارق" و الخلاصة في هذا الأمر هو أن شرط الشفاعة وشرط نفعها للمشفوع له هو سلامة الدين من جهة وصحة المعتقد ولو كان ضعيفاً فما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لأشفعنّ يوم القيامة لمن كان في قلبه جناح بعوضة إيمان ".
2- ظلم الناس:
في الرواية السابقة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "رجلان لا تنالهما شفاعتي سلطان عسوف غشوم وغال في الدين مارق".
3- الاستخفاف بالصلاة:
إن الصلاة هي وجه الدين وهي عموده وعليها يقوم بنيانه فإذا فقدت كان البنيان بلا عمد وبالتالي فان أساس تعلق الشفاعة حينها سيكون مفقوداً ولذا فقد ورد أن الإمام الصادق عليه السلام لما حضرته الوفاة طلب اجتماع أهل قرابته حوله ثم كان من وصيته لهم أن قال عليه السلام: " إن شفاعتنا لن تنال مستخفا بالصلاة " .
ملاحظة:
في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا شفيع انجح من التوبة " .
وهذا الحديث مقرونا إلى ما سلف يدل على انه على الإنسان أن لا يغتر بفتح الله لباب نجاة من العقوبة في الآخرة وهو الشفاعة فيسرف في ارتكاب المعاصي ، بل وعليه أن يبدأ بخطوات خلاصه من الدنيا بولوج باب المغفرة والرحمة الذي هو التوبة .
وكلما أذنب العبد عليه أن يبادر إلى التوبة من ذنبه قبل أن يوافيه اجله ولا يصغي إلى ما تسوله له نفسه الأمارة من تسويف للتوبة التي قد يكون دونها الموت ولات ساعة مندم.
1- يونس:3
2- الضحى:4
3- الإسراء:79
4- الشعراء:97- - 100
5- المدثر:46- - 48