كثيرة هي المسؤوليات الأسرية، وإنجازها يوقعنا كثيراً من الأحيان في بعض المشاكل، فإدارة المنزل والتوازن الأخلاقي مسألة ضرورية، والحدة في التعامل والتعصب في تقبل الواقع المعاش يتسبب في إيجاد العقد النفسية التي منها الكآبة وعدم الرغبة في المشاركة بإدارة الأمور المنزلية وممارسة الأعمال التي تبعث على تخريب مركزية الأسرة.
إن إدارة أمور المنزل يجب أن تمارس ممارسة ترعى الاعتدال والتفكير الاجتماعي العام، وتقسيم العاطفة بين الأفراد على السواء. ويتأتى ذلك من اكتساب المعلومات التي يمكن أن نسميها سياسة الأسرة.
الرجل أو رب الأسرة يجب أن ينتهج الطرق والأساليب الصحيحة ويدبر شؤون المنزل بموازنة أخلاقية تتيح له إقامة ما يسمى الحكومة المنزلية بعيداً عن الظلم والاستبداد. وبهذا السلوك فقط سوف يحفظ على الأسرة أمنها واطمئنانها.
إن هذه الممارسة الحكيمة الحسنة مهمة جداً في إيجاد الترابط المعنوي بين أفراد الأسرة ليتعاطفوا ويتراشدوا.
ولقد طرق القرآن المجيد سمع الإنسان بدقة عارضاً بيان هذه المسؤولية ليسلك بالإنسان طريقاً على جادة إنجاز هذه الوظيفة فقال سبحانه وتعالى في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾1.
إن المسؤولية الأسرية هي إحدى الوظائف الاجتماعية، وحين يربي الإنسان نفسه ويرتقي بها عما يحطها من مراتب الكمال، فإنه يشارك في تربية أسرته والارتقاء بها في مدارج الاستقامة والطمأنينة.
الرجل قيم على المرأة
لقد أشار المولى كثيراً إلى القوانين التي تحدد سياسة المنزل ومن إشارته المباركة الآية الشريفة: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾2.
وعلى هذا الأساس يمكن القول: على الرجل قيادة أسرته وله حق القيمومة عليها.
هذه المسؤولية الكبرى لا يمكن أن تنجز إنجازاً حسناً نافعاً بتحكيم الرجل بالقلوب فقط، ولا بتسلطه الجسماني لوحده وإخضاعه أفراد أسرته بالقوة وضده فما يجدي أحد دون الآخر.
إن شرط نجاح قيادة المنزل، هو التحكم بعواطف الأشخاص الذين يخضعون لقانون الأسرة لأسرته من غير منٍّ ولا أذى الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإحسان الرجل وطاعتها له في الحقِّ. ولا يخفى على أحد أنّ من امتلك قلوب الناس في مكان ما وزمان ما سهلت عليه قيادتهم. وفي هذه الحالة فإنه لا يلزم اللجوء إلى استعمال القوة وإبراز الخشونة للأفراد الذين هم في عهدته أو تحت إمرته.
عقل وعاطفة الرجل والنساء
لقد تبين لنا من الآية الشريفة الآنفة الذكر أن إدارة الأسرة تقع بالكامل على كاهل الرجال لأسباب من جملتها: الوجود العقلي للرجل والعاطفي للنساء، فالأعمال التي تتطلب أعمالاً يحتويها العقل بالكامل تقع على عاتق الرجال، بينما تقع الأمور العاطفية على كاهل النساء.
فالتكاليف التي تحتاج إلى عاطفة قوية من مثل التدبير المنزلي وتربية الأولاد والتي يمكن اعتبارها التكاليف الأساسية والمهمة في حياة الأسرة تقوم بها المرأة على الأساس الفطري وطبيعة خلقتها التي تتناسب وإمكاناتها، على عكس الرجل وحسب التصنيف الفطري فإنه لا يمكن أن يمارس هكذا تكاليف بالشكل المطلوب.
وطبيعي هو عدم إمكانية قيام الرجال بالوظائف والتكاليف التي عهد بها فطرياً إلى النساء، فهو لم يخلق لممارسة التدبير المنزلي أو حضانة الأطفال أو ما إلى ذلك من ممارسات منزلية لأن أصل وجود الرجل وجود تعقلي يتناسب والأعمال الاجتماعية المعقدة.
معنى آية (الرجال قوامون على النساء)
مثل المرأة كمثل الوردة، ومثل الرجل كمثل الشجرة العظيمة الساق. ومثلما لا تطيق الوردة حرارة الشمس المحرقة ولا العواصف والرياح ولا برودة الشتاء القارص، لا تطيق المرأة جسام الأمور، ولا تستطيع النهوض إلا باليسير منها.
وبهذا يمكن التصريح بوضوح أن غياب الرجل عن المجتمع يجعله مجتمعاً ناقصاً، كما أنّ غياب المرأة يشعر بنقص ملموس فيه.
من هنا كانت إدارة المنزل أو الأسرة والأعمال الشاقة والمجهدة من نصيب الرجل باقتضاء الأمر؛ والتدبير المنزلي ضمن حصة المرأة وذلك بمقتضى الطبيعة البدنية للمرأة وهذه المسألة لا يمكن احتسابها سبباً في أفضلية الرجل على المرأة وما قاله المولى جل وعلا في كتابه: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض﴾ 3 أراد به تفضيل الرجل على المرأة من ناحية عقلية وليس تفضيله عليها من ناحية وجودية.
ولا يخفى في أن المرأة أيضاً تتفضل على الرجل من ناحية عاطفية. ولم يكن المقصود من الآية الشريفة تفضيل الرجل على المرأة مطلقاً فتعدّ هذه الآية المباركة طعناً في مقام المرأة.
1- التحريم،6
2- النساء، 34
3- النساء، 34.