لا ينبغي الإستهانة بصغائر الأمور
في علم النفس بحث عنوانه "الصغار الكبار"، القصد منه أن الإنسان ينظر أحياناً إلى مسألة يعدها صغيرة وحقيرة وهي كبيرة جداً من منظار معنوي وواقعي.
فقد يرى أحدهم أنه لا مانع من مواجهة الناس بلباس النوم أو لباس غير نظيف ولا مرتب.
هذا رأي شنيع لما يترتب عليه من سخرية من المؤمنين وتقليل شأنهم وابتعاد الناس عنهم وعدم السماع لهم.
وهكذا تنشأ كبار الأمور من صغارها.
ومن هذه الأمور التي يعتبرها الزوج تافهة لكنها على درجة عالية من الأهمية:
1- تخصيص وقت معين للزوجة
قد ينظر الإنسان إلى قول أو فعل في أسرته على أنه تافه ولا يؤثر فيمن يسمعه أو يراه، فيرتكبه في كل وقت ومكان غير دار إنه يعمل في نفوس متعلقيه كما يفعل السوس في الطعام.
فتخصيص ساعة من وقته بملاطفة زوجته وإكرامها بالتسرية عنها ومحادثتها في مختلف الشؤون يزيدها نشاطاً ومحبة وسروراً يضيء البيت ويؤلف القلوب، ويكشف عنها أعباء الحياة وأكدارها.
2- تلبية مطالب الزوجة
على الرجل في البيت أن يستمع إلى زوجته بصدر رحب وذهن منفتح ملتفتاً إلى مطالبها المادية والمعنوية.
وإذا لم تعجبه طريقة حديثها أو تحدثت الزوجة بكلام غير معقول، فمن وظائفه أن يستمع لحديثها ابتداءً، ويصغي لما تقول إرضاءً لله تعالى واحتراماً لشخصها كزوجة، فإن له عند الله بذلك ثواباً عظيماً، لأنه تخلق بأخلاق الله استحق الأجر والثواب.
3- مشورة الزوجة والأبناء
يجب على الرجل أن يخصص مقداراً من وقته لزوجته وأولاده، يجلس معهم ويتحدث إليهم، ويتحاور معهم في حل المعضلات والمشاكل، ويشاورهم في ذلك.
﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ﴾1 .
وإنما أمر بالمشاورة لأنها تكسب الآخرين ثقة بأنفسهم. والاستبداد بالرأي، وعدم الحساب لذهنية الزوجة يدخل في نطاق الاشتباه، الذي يؤدي إلى مخاطر تأتي على مصير الأسرة، وكما قلنا حتى إذا كان حديث الزوجة طفولياً وغير معقول يجب الإنصات له.
يعتقد بعض علماء النفس أن الأبناء كذلك ينبغي مشاورتهم، والقصد من ذلك هو احترام أفكارهم وعقائدهم وإدخالهم ضمن الحسابات.
وبقول آخر، المنزل بلد صغير يجب أن تصوب أعماله بالاستشارة، وطرح مشكلات هذا البلد الصغير على أهله وإعلامهم اطلاعاً على هذه المشكلات.
4- تجنب الإنتقاد المستمر
إذا تمكن الأبناء والزوجة فتح صدورهم بعضهم لبعض يتحدثون ويتحاورون فيما ألم ويلم بهم، لن يصابوا بالعقد النفسية والأمراض العصبية، ووظيفة رب الأسرة في هذا الأمر أن يجيب عن أسئلتهم ومشاكلهم بأخلاق حسنة ولسان ذلق. لأن الاستبداد بالرأي وتحميل أفكاره بالقوة وفرضها على الزوجة والأولاد خطأ فاحش تتبعه آثار سيئة.
ومن المصاديق الأخرى لحسن التعامل في محيط الأسرة حينما يرى الرجل من زوجته قصوراً أو إهمالاً أو تثاقلاً فلا يصرخ بوجهها ولا يكيل لها الشتائم والسباب ولا ينتقدها بل يعظها ويسدي لها النصح بلسان طيب حسن فستكون سماعة دوماً لنصحه.
الوقت المناسب للنصحية
يجب انتخاب الوقت المناسب لإسداء النصح، فمثلاً لا ينبغي نصيحة الزوجة وانتقادها بعد عمل من الصباح حتى المساء أتعبها، لأن الموعظة لا تؤثر أبداً بها وهي على هذه الحالة، بل قد تثمر نتائج معكوسة، فالموعظة لا تتطلب الراحة فقط، بل تتطلب كذلك حسن المعاملة والانسجام والتودد في الحديث وتتطلب أيضاً مكاناً مخصوصاً لها.
شيئان هما أساس العقل، السكوت والإنصات حين يتحدثون إليك، والحديث حين يسكتون.
الشكاية، الإنتقاد، النصحية، الهموم، و... كلها تحتاج إلى وقت مناسب، فمثلاً عندما تواجه الزوجة مشكلة تكون معها فاقدة السيطرة على أحاسيسها، لا يمكن إسداء النصح لها.
ولكن مع الأسف لا تراعي هذه المسائل المهمة وهذا بسبب التكبر الذي غالباً ما نكون مبتلين به، نريد أن نفرض أعمالنا وأحاديثنا على الآخرين، وهذا العمل غير محمود ونتائجه كذلك غير محمودة ولا نحصل منه إلا على إخراج المحبة والمودة من قلب الزوجة.
آثار الصغار الكبار
إذا شوهد في بداية الحياة المشتركة حرارة خاصة بين الزوجين فذلك مرجعه إلى علاقة كل منهما بالطرف الآخر، ولكن بمرور الزمان تخفت شدة هذه الحرارة لعدم رعاية القضايا الصغيرة.
ومن الأمور التي تساعد على العلاج
حسن السلوك- الرأفة
على سبيل المثال، وحين رجوعك إلى المنزل، وابنك مشغول في الخارج باللعب، لا ينبغي لك أن تصرخ في وجهه وتحقر زوجتك لعدم حضانتها وممارسة عملها كحاضنة للأبناء، حينها لا يجلب عليك هذا السلوك إلا الأثر المعاكس. وإذا أردت أن تسدي النصح لزوجتك، فعليك أن تكون في كامل الهدوء لتتحدث معها بشكل طبيعي مباشر أو غير مباشر وتجلب سمعها إليك بالمودة والمحبة وحسن الأخلاق لتلفتها إلى خطئها. ولا يوجد سلاح أحسن وأفضل من المعاملة الحسنة وحسن الخلق يوصلك إلى الأهداف المعنوية والمادية.
مصداق آخر: مساعدة الزوجة في الأمور المنزلية
من المصاديق الأخرى لحسن المعاملة والخلق قولاً وعملاً هو إفهام الزوجة بذلك من خلال مساعدتها في الأعمال المنزلية. ولا يجدر بالرجل أن يكون كالضيف في البيت، والمرأة تبسط له مائدة الطعام وتأتي له بالماء، وتدير له الشاي، وتجمع المائدة و... ينبغي للرجل أن يساهم في أعمال المنزل لأنه شريكها ورفيقه، فقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقسم العمل في البيت وفي السفر، وفي الحروب ويساهم هو أيضاً في إبداء المساعدة.
فمثلاً، وفي إحدى الحروب وفي أثناء تهيئة الطعام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أمر بتقسيم العمل وكانت حصته جمع الحطب لإشعال النار.
فأصر أصحابه على أن يجلس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأن يقوموا هم بإنجاز الأعمال، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أنا شريككم في الطعام، ويجب أن أكون شريكاً لكم في العمل، فعلينا نحن أن نكون شركاء لأهلنا في الأمور المنزلية.
كان أمير المؤمنين علي عليه السلام في كل وقت فراغ، يساعد الزهراء عليها السلام في أمور المنزل، مصداقاً لقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
"خدمة العيال كفارة الكبائر، وإطفاءً لغضب الرب".
في أمور الحضانة، عليكم أيضاً أن تعينوا زوجاتكم بشكل لا يديم عليها النهوض ليلاً من نومها لترضع طفلها أو تسكته، عليكم أن تساهموا في هذا الأمر.
بعض العظام، قسموا فيما بينهم وبين زوجاتهم حضانة الأطفال بشكل تتعهد الزوجة فيه الحضانة في النهار، ويتعهدون هم ذلك في الليل.
مصداق آخر: لا تذكر الكلام اللاذع
من المصاديق الأخرى لحسن السلوك هو اجتناب الحديث الحاد واللاذع. إذ يمكن أن تغيب المحبة لسنين عديدة بكلام واحد حاد ولاذع، بعض اللف والدوران والمزاح والكلام اللاذع يترتب عليه ذنب عظيم جداً لما لهذا العمل القبيح وغير المحمود من آثار سلبية على نفسية الطرف المقابل، هذا المزاح الثقيل أو الكلام اللاذع يتبدل في البرزخ إلى أفعى وعقرب يكيل الأذى، لصاحبه، علاوة على التشهير والاستهزاء بصاحبه يوم القيامة.
فقد روى الإمام السجاد عليه السلام عن الإمام الحسين عليه السلام حينما ودعه في صحراء كربلاء:
"يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله".
الحرس الثوري العزيز معرضون أكثر من غيرهم لهذه المخاطر، فعليكم أن تحذروا ولو قليل الظلم بسجين وأسير، ومن هم تحت أيديكم، لا ينبغي لكم أن يكون كلامكم لاذعاً، ولا سلوككم مع عامة الناس ولا سيما أهليكم ـ مما يبعث على عدم الاحترام أو الالتفات إليهم.
نماذج من سلوك النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أزواجه
لقد طلبت بعض زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد حرب بني قريظة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يزيد في مخارج المنزل زيادة كمالية بعد أن علمن بالغنائم الكثيرة لجيش المسلمين، ولكن النبي صلى الله عليه وآهل وسلم رفض ذلك، وقال: "أنا كبير الإسلام والمسلمين وينبغي لي أن تكون عيشتي يسيرة لكي لا يشعر الفقراء والمحرومون بالحقارة" ولكنهن تألمت من جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا، مما جر في النهاية إلى الأعراض والابتعاد عنهن.
قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لحفصة: هل تقبلين رجلاً يكون حكماً بيني وبينك؟
فأجابت: نعم...
فبعث الرسول إلى عمر، ولما جاء قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لحفصة: قولي ما عندك.
فقالت: تكلم أنت ولا تقل غير الحق. وعند سماع عمر كلامهما ضرب حفصة على أذنها.
فغضب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال: أنا لم أبعث عليك لتضرب ابنتك، بل طلبتك لإصلاح ذات البين، وترك الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم المجلس وهو غاضب، فنزلت آيات على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تقول:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾2.
﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء﴾3 .
نتيجة
يستفاد مما عرضنا ومن الآيات، إن كل مشكلة في الأسرة تستدعي أن تحل بحكمة، فالكلام اللاذع، والضرب والشتم، وسوء الخلق ليس حلاً، وإنما هو مثار للمشكلة وتعقيد.
فعلى جميع الأعزاء اجتناب ما يثير الخلاف، ويفرق النفوس اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام.
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾4.
مصداق آخر ـ التغاضي عن الخطأ
مصداق آخر لحسن السلوك "العفو عن الأعمال غير المحمودة، وأخطاء الزوجة" فمثلاً لو طرق سمعك حديث كاذب قالته زوجتك، فلا تباشرها بالحقيقة، بل انهها عن المنكر تلميحاً لا تصريحاً فكم من إشارة أبلغ من عبارة!
فالمواجهة اشتباه فادح وخطأ كبير يجر إلى ما يكدر الصفو ويبدد المودة، وقديماً قيل: "سارق الدجاجة، يصبح سارقاً للجمل" مثل جميل.
إذن، من الممكن أن يمد ابنك يده إلى جيبك ويأخذ مقداراً من النقود، فعليك أن لا تواجهه بالحقيقة، لأن المسألة سوف تكبرن ولكن حدثه أن السرقة بكل أشكالها حرام وعمل قبيح تقطع يد مرتكبه في الدنيا، وإلا فقطعها حتمي في الآخرة.
وبمثل هذا يمكن تلافي الأخطاء والاشتباهات بذكر الروايات المناسبة للمقام، فإنها تلقى أذناً صاغية ممن مارس فعلاً أو عملاً قبيح، ويمكن لك أن تقف حائلاً دون هكذا ممارسات باستعراض مسائل الليلة الأولى في القبر وما يتبعها من الأهوال، ويوم القيامة ونار جهنم، والتخويف من عذاب الله سبحانه وتعالى.
فالمشاهدات الوضعية التي تراها في بعض الأحيان صادرة عن أبنائك أو زوجتك، لا تعالجها بالصراخ والعويل والسب والشتم، لأنك لو فعلت هذا لم تحصل على أية نتيجة تطلبها، بل قد تتضاعف هذه الأعمال وتسهل على ممارسها حتى يصل الأمر إلى أن يعتادها، فلا تبقى في نظره خطأً فاحشاً.
علاج الحد من الأخطاء
يعالج الخطأ علاجاً غير مستقيم فتقول مثلاً لزوجتك: قرأت في الكتاب الفلاني أن امرأة ذهبت يوماً إلى رسول الله صلى الله عليه وقالت له: رأيت أن أتزوج، فهل لك أن تعظني بعنوان امرأة مسلمة؟
وما هي وظائف الزوجة تجاه زوجها؟ فأجابها بأن على الزوجة:
أولاً: الطاعة لزوجها في مسألة المضاجعة.
ثانياً: عليها أن لا تعمل عملاً لا يرضاه زوجها.
ثالثاً: في حالة بروز الخلافات والنزعات عليها أن لا تنام حتى يرضى عنها زوجها.
فقالت له: وإذا كان الرجل هو المقصر في الأمر، فهل تذهب المرأة إليه طلباً للصلح؟
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، حتى إذا كان هو المخطئ.
حسن المعاملة مع الزوجة من علامات الإيمان
عندما تعرف أن المرأة في المنزل راضية عنك، فاعلم أنك في مقام الأفضلية من المسلمين.
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مراراً:
"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله".
"من كان طيب المعاملة مع أهله وولده محباً لهم كثيراً، كبر إسلامه وإيمانه".
"من كان محباً لزوجه، كان محباً لنا نحن أهل البيت".
وفي حديث آخر نقرأ:
"كلما زاد الفرد في محبته لزوجه، ازداد إيمانه بالله تعالى".
2- الأحزاب: 28 ـ 29.
3- الأحزاب: 32
4- الأحزاب: 21.