باسمه تعالى
من الشبهات التي تحوم حول قلوب أعداء الرسالة، ما يرونه من تقدم ظاهر في معيشتهم في الدنيا، و اللّه يذكرنا في كتابه الكريم بأن لكل عمل جزاءه، فمن عمل للآخرة فان جزاءه يوفّى إليه هناك، و في الدنيا يعطى له نصيب منه، و من عمل للدنيا فإن كل جزائه يعطى له في الدنيا دون أن يبخس منه شيء، و لكن ذلك يعني في المقابل أن جزاءهم في الآخرة هو النار، لأن ما عملوه في الدنيا من خير قد أُحبط وبطل، فلم يبق الا أعمالهم السيئة ومسئولياتهم التي لم يقوموا بها.
وكثيرا ما يخدع البسطاء من الناس بما يرونه من ازدهار و تقدم للكفار والمنافقين سواء لمجتمعاتهم أو لأفرادهم، ويزعمون أنه لو كانت الرسالة صحيحة وأنها على حق، وأعداؤها على باطل، إذاً لِمَ يتقدم أعداء الرسالة في الدنيا؟! وقد خفيت على هذا الفريق من الناس حقيقتان:
الحقيقة الأولى: أن دار الدنيا دار ابتلاء و اختبار، و أن اللّه لم يقدر الجزاء العاجل فيها لحكمة ابتلاء الناس بما يفعلون، واختبار وعيهم وعقلهم وإرادتهم وحسن أو سوء اختيارهم، و لو عجل ربنا في عقاب الكافرين أو ثواب المؤمنين، لانعدمت فرصة ابتلائهم، و كما جاء في الحديث عن الامام علي عليه السلام في موضوع الأنبياء أنه: (لو كانت الأنبياء أهل قوّة لا ترام، و عزّة لا تضام، و ملك تمد نحوه أعناق الرّجال، وتشد إليه عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار وأبعد لهم في الاستكبار، و لآمنوا عن رهبة قاهرة لهم، أو رغبة مائلة بهم، فكانت النيّات مشتركة، والحسنات مقتسمة)1
الحقيقة الثانية: أن طبيعة عمل الكفار صلاح ظاهره وفساد باطنه، فهو كشجرة مسوّسة أو بناء أنيق يكاد يتهدم بسبب تزلزل قواعده. وكل جزاء يرتبط بظاهر العمل، وصورته الخارجية، فانه يعجل لهم دون نقيصة، بينما يبقى الجزاء الحقيقي الباقي لأولئك الذين يصلحون واقع عملهم.
فالشجرة المسوّسة تعطيك البهجة والظل، ولكنها لا تعطيك الثمر، و هكذا العمل الذي يفقد عنصر الإيمان والصدق مثل الذي يرائي الناس في أعماله، يكسب بعض الشهرة عندهم، و لكن الصلاة التي يقيمها رياء لا تعرج بنفسه في سماء الفضيلة والتقوى، وكذلك المجتمع الكافر الذي يعمل من أجل الرفاه فقط فإن حياته المادية العاجلة سوف تتحسن ظاهراً، ولفترة محدودة إذ إن الذنوب والمعاصي، وظلم بعضهم لبعض، و ظلمهم لسائر المجتمعات كل ذلك يصبح كالسوسة التي تنخر في أعماقهم حتى ينهار بناؤهم الأنيق، ويكون مصيرهم مصير عاد وثمود وأصحاب الرّس وأصحاب الأيكة، الذين انهارت حضاراتهم التي اغتروا بها، و زعموا أنها خالدة.
* من هدى القرآن - بتصرف
1- نهج البلاغة خ 192 ص 292.