باسمه تعالى
استفاضت الروايات الشريفة الواردة في الحث على تعلم القرآن وتعليمه وقراءته والتدبر فيه، وبالتأمل في هذه الرويات نستخلص مجموعة من النتائج التي يصل إليها كل مشتغل في القرآن، ففي رواية عن أبي عبد الله عليه السلام يقول فيها: (من قرأ القرآن فهو غني ولا فقر بعده، وإلا ما به غنىً)1، وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: (من أعطاه الله القرآن فرأى أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد صغّر عظيماً وعظم صغيراً)2، وعن أمير المؤمنين عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (خياركم من تعلم القرآن وعلمه)3.
ويعتبر صغر السن من أهم أسباب تحصيل ثمرات قراءة وتعلم القرآن، لما تتميز به النفس الإنسانية في هذه المرحلة من قابلية أكبر على تلقي الغرس القرآني الطيب الذي هو كالشجرة الطيبة التي تنمو وتثمر فيما لو توافرت لها العوامل المساعدة والمعدة لذلك، ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه الإمام الحسن عليه السلام: (وإنما قلب الحديث كالأرض الخالية ما القي فيها من شئ قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك)4. بل إن قراءة وتعلم القرآن منذ الصغر يمتزج بكيان الإنسان ووجوده لما للقرآن من تأثير خاص من جهة، ولما لفترة الحداثة والشباب من قابلية على التلقي والتغير من جهة أخرى كما ذكرنا آنفاً، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من قرء القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، جعله الله مع السفرة الكرام البررة...).5
أهم العوامل التي تساعد على غرس حب القرآن في نفوس أولادنا:
1- عامل القدوة: وهو من أهم العوامل على الإطلاق، وهذا العامل يعتبر عنصراً حاسماً حتى في مسائل أخرى كموضوع التربية الأخلاقية، أو التنمية العلمية، وغير ذلك.. ولا يوجد ما يؤثر في نفس الإنسان كرؤيته لشخص قدوة يتمتع بكمالات وفضائل فيقلده ليصل إليها أيضاً، ولذلك تعتبر قراءة الوالدين للقرآن واهتمامهما به عاملاً مؤثراً في نفوس الأولاد، وسيعمل الأولاد على تقليدهما فيما بعد خصوصاً إذا كان هناك مواظبة من الوالدين على الاهتمام بالقرآن وتعلمه. وسيجد الوالدان أن حتى تقديسهما لكتاب الله كتقبيله واحترامه ووضعه في مكان محترم سينتقل مباشرة إلى ميدان الأولاد التطبيقي.
2- عامل الصحبة: قديماً قالوا: "قل لي من تعاشر أقل لك من أنت"، فالصديق والصاحب إذا كان من أهل الاهتمام بالقرآن وقراءته، فسيكون هذا عاملاً لاهتمام الطرف الآخر به كذلك.. أما إذا كانت له اهتمامات بعيدة عن هذا الأمر، فسيكون لذلك أثره على ولدك في مستقبل الأيام أيضاً، ولذلك علينا الالتفات لمسالة الصحبة، وعلينا أن نعرف من يصاحب أبناءنا. فالمرء على دين خليله6، كما ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.
3- عامل وضع البرامج: مع كون عامل القدوة مهماً في تهيئة الغرس القرآني، إلا أن التخطيط ووضع البرامج وتنفيذها له حظه الوافر من الأهمية فيما يتعلق بالأولاد، فمن المفيد جداً، أن يوجه الأولاد نحو قراءة القرآن يومياً في أوقات محددة، كالأوقات التي تعقب الصلوات اليومية الخمس، أو قبل النوم، وغير ذلك. ولو كان من عادة الأب أو الأم تلاوة قصة للولد قبل النوم، فمن المهم جداً أن يكون للقصص القرآني الحظ الأفر منها، خصوصاً إذا ما عمل الوالدان على الاستشهاد ببعض الآيات القرآنية وتلاوتها بخشوع أثناء سرد القصة. يضاف إلى ذلك أهمية إشراك الأولاد في الدورات والحلقات القرآنية التي تقام في المساجد أو أماكن النشاطات الصيفية. وقد تكون بعض الأقراص الكومبيوترية، أو بعض الأجهزة الصوتية عوامل مساعدة لوضع برنامج يربط الأولاد بالقرآن قراءةً وحفظاً وفهماً.
* فرع إعداد المواد في موقع المنبر
1- بحار الأنوار، ج 89 –ص 187، باب 20، ح 8.
2- م.ن: ص 189 – باب 20، ح 13.
3- م.ن: ص 186 – باب 20، ح 2.
4- وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي - ج 15 - ص 197
5- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 89 - ص 187 - 188
6- راجع أصول الكافي – ج 2، ص 375، ح 3.