الخطاب الثقافي التبليغي رقم (13): توحيد الله واليقين بالنصر
للإنسان الإلهي نظرة خاصة للعالم والكون وفقاً للإيمان الذي يحمله والمعتقد الذي يعتنقه.فالعالم من حولنا بحسب الإنسان الإلهي هو تحت تدبير الله وبعين الله، ولا يمكن أن يكون هناك أي تأثير حقيقي إلا من خلاله تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأْبْصَ-رَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ).
فالرزق والتدبير والإحياء والإماتة والخلق وكل مظاهر الحياة هي من تجليات الوجود الألهي وربوبيته على كل العالم.والذي يملك هذا الإيمان لديه يقين بأن تحقق النصر أيضاً والغلبة على الأعداء هي بيد الله عز وجل.وحتى لو امتلك الأعداء ما امتلكوا من إمكانيات مادية وقوى عسكرية، فإن الإرادة الإلهية هي الحاكمة وهي التي تسيّر الأمر وفقاً للحكمة الإلهية.ولأن هذه الرؤية تقع في صلب عقيدة التوحيد، سنلاحظ هذا اليقين بالمؤثرية الإلهية في سلوك وكلام الأنبياء والرسل (عليهم السلام): (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).
ولكن الإيمان بالإرادة الإلهية الغالبة وبمؤثرية الله عز وجل المطلقة في العالم لا يعني أن لا نأخذ بأسباب القوة وبالوسائل التي أتاحها الله لنا في الدنيا.بل إن الأخذ بها من الشروط الأساسية لتحقيق النتائج المرجوة.والله عز وجل أمرنا بذلك في نصوص عديدة، منها: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم..).
بهذه الأسباب لا يتنافى مع مقتضيات التوحيد الأفعالي ومؤثرية الله عز وجل في كل شيء.لأن تأثير هذه الأسباب إنما هي بمشيئة الله، وهو الذي سخرها لنا وامتحننا من خلالها، وأمرنا بالأخذ بها.
في خضم الحروب والمعارك، يتشاءم الكثير من الناس بسبب الأهوال التي يشاهدونها، والآلام التي يمرون بها.ولكن في قلب هذا المشهد، القاتم في ظاهره، هناك نور إلهي لا يمكن لأحد أن يطفئه، سينفذ وسيظهر تدريجياً حينما يرى الله عز وجل صدق المؤمنين والموحدين، وحينما يثبت المجاهدون في ميادين القتال غير آبهين بكل الجلجلة التي يقوم بها الأعداء: (...وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
النصر قادم إن شاء الله، والصبر هو جسر العبور إليه.هذا وعد الله عز وجل، وهو تعالى لن يخلف وعده: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).