الخطاب الثقافي التبليغي رقم (14): لله العزّة ولرسوله وللمؤمنين
قال تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾
إنّ العزّة من أوصاف الله تعالى وأسمائه، والعزيز هو الغالب القويّ الذي لا يغلبه شيء، وهو أيضاً المعزّ الذي يهَب العزّة لمن يشاء من عباده.والإيمان بهذا الاسم يعطي المسلم شجاعةً وثقةً به تعالى؛ لأنّ معناه أنّ ربّه لا يُرَدُّ أمره، وأنّه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
لقد أراد القرآن الكريم أن يهدي المؤمنين إلى الطريق الذي يصون لهم العزّة، ويحصّنهم ضدّ الرضا بالهوان أو السكوت على الضيم، فأمرهم بالإعداد والاستعداد لحفظ الكرامة، والذود عن العزّة، فقال لهم: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾؛ لأنّ القوّة تجعل صاحبها في موطن الهيبة والاقتدار، فلا يسهل الاعتداء عليه من غيره من الضعفاء.
وليست هذه دعوة إلى بغيٍ أو طغيانٍ، إنما يُعوِّدُ القرآن أتباعه أن يكونوا على حيطةٍ وحذر، فيقوّوا أنفسهم بوسائل التقوية والتحصين، حتّى يكونوا أصحاب رهبةٍ في نفوس أعدائهم، وإلّا تطاولوا عليهم، وعصفوا بهم، ومن هنا قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا﴾
وهذا ما جسّده الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه في كربلاء، إذ أعدّوا عدّتهم وقرّروا القتال، وما هابهم عديد جيش يزيد وعتاده؛ لأنّ تربيتهم على هدي القرآن الكريم، ولهذا خاضوا المعركة وقلوبهم تملؤها العزّة والبطولة، واستشهدوا شهادة شمخت بها رؤوس المسلمين جميعاً على مرّ التاريخ.وعليه، ففي كلّ وقت يلتقي المؤمنون في معركةٍ مع الكافرين، ينبغي على المؤمن أن يظلّ عزيزاً قويّاً، وأن يثبت على مبادئه وعقائده، لا يخيفه الألم ولا التعب ولا الخسائر، بل يبذل جهده وطاقته، مستخدماً ما أعدّه من سلاحٍ وعتادٍ، مرتبطاً بالله القويّ القادر، وإذا شاء الله تعالى له لوناً من ألوان الاختبار والابتلاء، تحمّله راضياً صابراً محتفظاً بعزّته وكرامته وشهامته، موقِناً بأنّ احتمال الألم خيرٌ التخاذل والاستسلام.