الخطاب الثقافي التبليغي رقم (16): وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا
تتحدث الآية المباركة عن حالة من حالات العبد مع ربه، وهي من الحالات الممدوحة التي تُعلي من شأن هذا المخلوق وتجعله في مصافّ القرب من الله عز وجل، والتبتل يعني في الأصل الانقطاع، وقد بلغت سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء ذلك المقام حتى سميت الزهراء بالبتول لأنها كانت بالغة درجة الانقطاع إلى الله تعالى. فالتبتل هو التوجه القلبي التام إلى الله تعالى، والانقطاع عن غيره إليه تعالى، والإتيان بالأعمال الخالصة لله، وكذا الخلوص له تعالى.
ومظهر هذا الانقطاع في الفعل الجسدي كما روي عن أهل البيت (ع) " التبتل رفع اليد إلى الله حال الصلاة " والواضح أن هذا هو مظهر من مظاهر الإخلاص والانقطاع إلى الله. في رواية أبي بصير قال: هو رفع يدك إلى الله و تضرعك إليه.
على أي حال فإن ذلك الذكر لله تعالى وهذا الإخلاص هما الثروة العظيمة لأهل الله في مهامهم الثقيلة لهداية الخلق.
واعلم أن للمفسرين عبارات هي التالية: تبتل: ترك كل شيء و أقبل على العبادة، أي انقطع عن كل شيء إلى أمر اللّه و طاعته.
تبتل: رفض الدنيا مع كل ما فيها و التمس ما عند اللّه.
ولذا من وصل الى حالة الانقطاع هذه الى الله عز وجل كان توكله عليه فيتخذه وكيلا وهنا تأتي مسألة إيداع الأمور إلى الله، وذلك بعد مرحلة ذكر الله والإخلاص، إيداع الأمور للرب الذي بيده الحاكمية والربوبية على المشرق والمغرب والمعبود الوحيد المستحق للعبادة، فكيف لا يتوكل الإنسان عليه، ولا يودعه أعماله، وليس في العالم الواسع من حاكم وآمر ومنعم ومولى ومعبود غيره؟
يقول الإمام الخميني (قدس سره): (إنَّ كمال الانقطاع لا يتحقق بهذه البساطة. إنه بحاجة إلى ترويض غير اعتيادي للنفس، ويحتاج إلى جهد ورياضة واستقامة وممارسة، لكي يمكن الانقطاع بكلِّ القوى عن كلِّ ما سوى الله سبحانه وتعالى، وأن لا يكون هناك توجه لغير الله تعالى. فجميع الصفات الإيمانية الجليلة وكل مستويات التقوى كامنة في الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى؛ ومن يتمكَّن من الوصول إلى هذه المرحلة فقد بلغ غاية السعادة. ولكن من المستحيل أن يستطيع الإنسان بلوغ الذرى ما دام في قلبه مثقال ذرة من حبِّ الدنيا).