الخطاب الثقافي التبليغي رقم (19): إن مع التضحية نصراً
يقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾
تعتبر التضحية من القيم الحسنة والراقية التي حثت عليها الأديان والتي لا يمكن للإنسان أن يتقدم ويتكامل من دونها. والتضحية تعني أن يبذل الإنسان (أو المجتمع) أمراً مهماَ في سبيل هدف أعلى وأهم يستحق التضحية التي تُقدم لأجله. وببذل هذه التضحية يتحقق الهدف، ويظفر الإنسان بما كان يصبو إليه.
وبملاحظة مجمل حياة الإنسان من أول ولادته إلى أن ينتقل إلى بارئه سنجد أنه لا يمكن له تحقيق أي هدف أو الوصول إلى أي ثمرة أو انتصار إلا من خلال تضحيات عديدة ومختلفة يقدمها كل يوم. وهذه التضحيات قد تكون في وقته أو جسده أو ماله أو شيء مما يملكه. وتبقى التضحية بالنفس، التي هي أغلى ما يملك الإنسان، أشرف وأفضل أنواع التضحيات.
والتضحية بالنفس لا عوض فيها للمضحي في الدنيا، والله عز وجل قد أعد له عوضاً في الحياة الأخرى بما لا عين رأت ولا أذن سمعت. والنصوص التي تتناول ما يحظى به الشهيد المضحي في الآخرة من سعادة ومن منح إلهية عديدة. يكفي قوله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
حينما تتعرض أرضنا إلى العدوان، وحينما يسعى الأعداء لإخضاعنا، فإن التضحيات التي تقدم من كامل أفراد المجتمع والتي تتجلى من خلال التعاون وبذل الجهد في التخطيط والجهاد، ومن خلال الصبر والتحمل والاحتساب والالتجاء إلى الله والأخذ بأسباب القوة والاقتدار، كل هذه العناصر تؤدي في النهاية إلى النصر. وهذا هو شرح عبارة: إن مع التضحية نصراً، التي تتضمن التأكيد في مضمونها.
وكل هذه التضحيات هي بعين الله ما دامت في سبيله. والله عز وجل قد وعدنا بالعوض الكبير عن كل ذلك في الآخرة، حيث إنه تعالى اشترى منا أموالنا وأنفسنا مقابل جنات النعيم، والله عز وجل لا يخلف وعده. كما أن نتيجة هذه التضحيات الكبيرة في الدنيا هي حصول المجتمع على الكرامة والعدالة وعلى العزة والمنعة والقوة والحصانة في وجه أعداء الأمة، وهذا هو النصر الذي وعدت به آيات عديدة أخرى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.