الخطاب الثقافي التبليغي رقم (24): العمل بالتكليف أعظم القربات
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «اعلموا أنّ ما كُلِّفتم به يسير، وأنّ ثوابه كثير، ولو لم يكن في ما نهى الله عنه من البغي والعدوان عقابٌ يُخاف، لكان في ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه».
يتعرّض الإنسان في هذه الدنيا إلى امتحانات كثيرة ومتعدّدة، تارةً تكون على شكل مصيبة، وتارةً على شكل موقف وقرار، وأخرى على شكل فتنة، ربّما تكون في المال أو الأولاد أو السلطة وغير ذلك.
ومن أبرز ما يُمتحن به الإنسان، هو ما يستلزم اتّخاذ موقف ما، سواءٌ أكان متعلّقاً بمسارٍ سياسيّ، أم بمسارٍ آخر في حياته.
وهذا في الواقع امتحان كبير، قد يزلّ فيه من ليس لديه مبادئ ثابتة وإيمان عميق بمنهج الإسلام ومصلحة الأمّة.
فأولئك الذين لا يقيمون لحرمة الإسلام والأمّة الإسلاميّة اعتباراً في قلوبهم وعقولهم، قد يصل بهم الحال إلى التطبيع مع الكيان الصهيونيّ الغاصب، بل ربّما يصل بهم الحال إلى التباهي بهذا التطبيع!
وأولئك الذين يقفون ضدّ المجاهدين الذين يقاتلون الكيان الصهيونيّ ومَن يدور في فلكه ممّن يريدون العبث بالأمّة والإفساد في البلاد، فهؤلاء أيضاً، إنّما سقطوا في الامتحان؛ ذلك أنّهم خالفوا ما يجب عليهم من تكليفٍ في مناصرة الأمّة والرسالة ومجابهة أعدائها.
فالتكليف في الواقع، أعمّ ممّا نتصوّر، بأنّه مجرّد حكم شرعيّ متعلّق بالصلاة أو الصوم أو الحجّ، وغير ذلك من الفرائض؛ فهو يشمل كلّ ما يطرأ على الإنسان ويستوجب عليه اتّخاذ موقفٍ منه، هل يفعل كذا أو لا يفعل؟
من هنا، تنشأ أهمّيّة الوعي والبصيرة عند الإنسان، كي يدرك جيّداً ما الذي يتوجّب عليه فعله، مضافاً إلى صقل النفس بالأخلاقيّات الحسنة التي تُسهِم في الثبات وعدم الانزلاق عند المغريات والمخاطر.
ومن النماذج الرائدة في تاريخنا المعاصر في ما يتعلّق بالتكليف، الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه)، فهو مثال يُحتذى به في ذلك، إذ قام بما قام به بناءً على نظرته الإسلاميّة الشاملة لأشكال التكليف كلّها، ومنها الموقف السياسيّ الذي يتناغم مع الثقافة الإسلاميّة ومصلحة المسلمين، من أنظمة الحكم المستبدّة والعميلة للاستكبار العالميّ، فكان يرى أنّ نظام الشاه نظامٌ مناهض لثقافة الإسلام، ولا بدّ من اجتثاثه والتخلّص منه. وقد عَدَّ مواجهة الشاه وأزلامه وداعميه تكليفاً أُلقي على عاتقه، وأُلقي على من كان قادراً على المواجهة بأيّ شكل من أشكال المواجهة، يقول (قُدِّس سرّه): «ليس مهمّاً عندي أين أكون، المهمّ هو العمل بالتكليف الإلهيّ، والمهمّ هو مصالح الإسلام والمسلمين العليا».