الخطاب الثقافي التبليغي رقم (25): الإنصاف والمواساة
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «سيّد الأعمال ثلاثة: إنصاف الناس من نفسك حتّى لا ترضى بشيءٍ إلّا رضيت لهم مثله، ومواساتك الأخ في المال، وذكر الله على كلّ حال».
إنّ إنصاف الناس ومواساتهم، من القِيم الثقافيّة الإسلاميّة التي حثّت الشريعة الإسلاميّة على الالتزام والتقيّد بهما، وخصوصاً في بعض الظروف الاجتماعيّة، كالحروب والابتلاءات الاجتماعيّة، بل عدّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ذلك من نظام الدين، فقال: «نظام الدين خصلتان: إنصافك من نفسك، ومواساة إخوانك»، وهذا يكشف عن عِظم ما تتميّز بهما هاتان الصفتان من الخصوصيّة المرتبطة بالخُلق الاجتماعيّ، ويمكن القول بأنّهما من النظام الاجتماعيّ للإسلام في بناء المجتمع.
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «يا إسماعيل، أرأيتَ في ما قبلكم، إذا كان الرجلُ ليس له رداءٌ، وعند بعضِ إخوانه فضلُ رداءٍ، يطرحه عليه حتّى يصيب رداءً؟»، فقلتُ: لا، قال: «فإذا كان له إزارٌ، يُرسِل إلى بعض إخوانه بإزاره، حتّى يُصيبَ إزاراً؟»، فقلتُ: لا، فضرب بيده على فخذه، ثمّ قال: «ما هؤلاء بإخوة».
وإنّ هذا الأمر، يصبح أكثر ضرورة، فيما لو وقع المجتمع في حالٍ من الضيق، وانتشر بين أبنائه الفقر والعوز أكثر فأكثر.
وبرغم دعوة الإسلام إلى مواساة الآخرين، إلّا أنّه لا ينفي أحقّيّة الإنسان في العيش الرغيد، إذا ما كان حال المجتمع مؤاتياً لذلك، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك﴾.
وقد رُوي أنّ سفيان الثوريّ دخل على الإمام الصادق (عليه السلام)، فرأى عليه ثياباً بيضاً كأنّها غِرْقِئُ البَيْضِ [الغِرْقِئ: القشرة الملتزمة ببياض البيض أو البياض الذي يؤكَل]، فقال له: إنّ هذا اللباس ليس من لباسك، فقال له: «... أُخْبِرُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) كَانَ فِي زَمَانٍ مُقْفِرٍ جَدْبٍ؛ فَأَمَّا إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا، فَأَحَقُّ أَهْلِهَا بِهَا أَبْرَارُهَا لَا فُجَّارُهَا، ومُؤْمِنُوهَا لَا مُنَافِقُوهَا، ومُسْلِمُوهَا لَا كُفَّارُهَا. فَمَا أَنْكَرْتَ يَا ثَوْرِيُّ، فَوَاللهِ، إِنَّنِي لَمَعَ مَا تَرَى، مَا أَتَى عَلَيَّ مُذْ عَقَلْتُ صَبَاحٌ ولَا مَسَاءٌ، ولِلهِ فِي مَالِي حَقٌّ أَمَرَنِي أَنْ أَضَعَه مَوْضِعاً إِلَّا وَضَعْتُه».
ومع هذا، ينبغي على الإنسان في الأزمات والحروب، وفي ظلّ الظروف الاجتماعيّة القاسية، أن يسعى إلى عدم إظهار رغد العيش، وأن يعمل جاهداً على مواساة الناس بالقدر الذي لا يُشعِرهم بالنقص أو العوز.