الخطاب الثقافي التبليغي رقم (26): التكافل الاجتماعي
عن الإمام الصادق (عليه السلام): (اختبروا اخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلاّ فاعزب ثمّ اعزب ثم اعزب [أي ابتعد]، محافظة على الصلوات في مواقيتها، والبرّ بالإخوان في العسر واليسر)
لقد أسسّت الشريعة الإسلامية العديد من الأصول التربوية والاجتماعية التي تنظّم عملية التكافل الاجتماعي وعلاقة المسلم بالمسلم، وأكدت على أن ذلك التزام ديني فهو جزء من عقيدة المسلم والتزامه الديني، وهو نظام أخلاقي يقوم على الحب والإيثار ويقظة الضمير والشعور بمراقبة الله عزَّ وجل، ولا يقتصر على حفظ حقوق الإنسان المادية؛ بل يشمل أيضاً المعنوية، وغايته التوفيق بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد.
وقد عُني القرآن بالتكافل ليكون نظاماً لتربية روح الفرد، وسلوكه الاجتماعي، وليكون نظاماً للعلاقات الاجتماعية في حالات الشدة والرخاء، قال الله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيم) وقد نفى الرسول (ص) كمال الإيمان عن من يبيت شبعان وجاره جائع وهو يعلم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم». وقد عد القرآن الإمساك وعدم الإنفاق سبيلاً للتهلكة، بقوله سبحانه وتعالى: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وليس هذا فحسب، بل ربط الإيمان باستشعار حقوق الأخ، كما رتَّب على رابطة الأخوّة الحب؛ فلا يؤمن الإنسان المسلم، ولا ينجو بإيمانه، ما لم يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه ويعيش معه كالبنيان يشد بعضه بعضاً. وجعل العدل وحفظ الحقوق من قيم الدين الأساسية، بل نُدب إلى عدم الاقتصار على العدل وهو إحقاق الحق، أو إعطاء كلِّ إنسان حقه من دون ظلم، وإنما الارتقاء إلى الإحسان، وهو التنازل له عن بعض الحقوق، والإيثار تفضيل الآخر على النفس، من أجل إشاعة جو العفو والرحمة، وهي الغاية التي جاءت من أجلها الشريعة.
تظهر اهمية هذه التربية الالهية عند الشدائد وفي الملمات كيف يجتمع اهل الايمان على قضاء حوائج بعضهم ولا ينتظرون من أحد جزاءا ولا شكورا.