الخطاب الثقافي التبليغي رقم (37): أنصار دين الله
إنّ شأنَ المؤمن العاقل البصير، الثباتُ على الحقّ، والإيمانُ بالله تعالى، فلا يتزحزح عن عقيدته، ونصرته لدين الله تعالى، ولا يتوانى عن نصرة المستضعفين والمظلومين، ويبقى ثابتاً في مواجهة الطغاة والمستكبرين، مهما بلغت التضحيات، وعظُمت البلاءات، واختلفت المصالح، أو تعرّض للإغراءات المادّيّة والمعنويّة.
وفي المقابل، إنّ ضعاف الإيمان والعقيدة، والذين لا يملكون رؤية واضحة، ولا يتحلَّون بالبصيرة والوعي، يضعفون، ويتقلّبون مع تبدّل المصالح، بل قد يتحوّل بعضهم من الإيمان ونصرة الحقّ، إلى النفاق ومعارضة دين الله، وخذلان المستضعفين والمظلومين.
وقد حدّد القرآن الكريم صفات أنصار دين الله وخصائصهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾، وهذه الاية تتمحور حول امرين: احدهما بيان ان هذا الامر يصدر من الله عز وجل فهو سيأتي بهؤلاء، وثانهيهما بيان مكانتهم وعظيم درجتهم وخصائصهم.
وهذه الخصائص هي:
1. يحبّهم الله، وهذا يلازمه براءتهم من كلّ ظلم، وطهارتهم من القذارات، من الكفر والفسق، سواءٌ أكان ذلك بعصمة ربّانيّة، أو فضل من الله، أو مغفرة منه تعالى.
2. يُحبّون الله؛ أي يؤثرونه تعالى على كلّ شيءٍ سواه، ممّا تتعلّق به النفس، من مالٍ أو جاهٍ أو عشيرة أو سلطة أو مصلحة...
3. أذلّة على المؤمنين؛ أي اللين، وهو ضدّ الصعوبة، وعلى المؤمنين؛ بمعنى الحنوّ والعطف، ومن صفات المؤمنين التراحم فيما بينهم، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾.
4. أعزّة على الكافرين؛ أي أشدّاء، متعالون عليهم، معادون لهم، لا يرضون بالذلّ والهوان في مواجهة الطغاة والمستكبرين، ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾.
5. مجاهدون في سبيل الله، يناصرون دينه، ويدافعون عن أوطانهم وأعراضهم وأموالهم، ويناصرون المستضعفين والمظلومين، ويواجهون المستكبرين والظالمين.
6. لا يخافون لومة لائم؛ أي لا يخشَون اللوم والاعتراض والنقد، وإن كانت تضحياتهم وعطاءاتهم كبيرة وجسيمة، ولا يتأثّرون بالضغوطات.
ثمّ أوضحت الآيات الكريمة النتيجة العامّة لهذه النصرة، وهي أنّ مَن يتّصف بهذه الصفات، ويتولّى الله ورسوله والذين آمنوا هو الذي سيُحقّق الغلبة بإعلاء كلمة الله وهزيمة إعدائه، فهذه سُنّة إلهيّة، قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.