الخطاب الثقافي التبليغي رقم (45): وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا
يقول تعالى: ﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
إنّ القرآنَ الكريمَ هو المصدر الأوّل للشريعة الإسلاميّة، وهو كلام الله المُنزَل على رسوله الأعظم (ص)، وقد بلَّغه (ص) تبليغاً كاملاً، وأمر بحفظه وتدوينه وجمعه، وهو الحبل الممدود من السماء إلى الأرض، وهو أحد الثقلين اللذَين أوصى بهما رسول الله (ص)، لنأمن من الضلال، وجعله أمانةً في أعناقنا إلى يوم القيامة، فقال: «إنّي أُوشَكُ أن أُدعى فأجيب، فإنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتابَ الله عزَّ وجلَّ وعترتي؛ كتابُ الله حبلٌ ممدودٌ بين السماء والأرض، وعترتي أهلُ بيتي، وإنَّ اللطيفَ الخبيرَ أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يرِدا عليَّ الحوضَ، فانظروا بماذا تخلفوني».
وقد أكّدت الروايات ضرورة تمسّك الإنسان به وتلاوتِه يوميّاً وعدم هجرانه، حتّى وإن كان عاملاً مُنشغلاً، عن الإمام الصادق (ع): «ما يمنعُ التاجرَ منكم المشغولَ في سوقِه، إذا رجع إلى منزلِه أن لا ينامَ حتّى يقرأَ سورةً من القرآن، فتُكتَبَ له مكان كلِّ آيةٍ يقرؤها عشرُ حسنات، ويُمحى عنه عشرُ سيّئات؟!».
بل إنّ التلاوةَ القرآنيّةَ لها أثرها على البيوت والأماكن، عن الإمام الصادق (ع): «قال أميرُ المؤمنين (عليه السلام): البيتُ الذي يُقرَأ فيه القرآن، ويُذكَر اللهُ عزَّ وجلَّ فيه، تكثُر بركتُه، وتحضرُه الملائكة، وتهجرُه الشياطين، ويضيء لأهلِ السماء كما تضيء الكواكبُ لأهل الأرض، وإنَّ البيتَ الّذي لا يُقرَأ فيه القرآن، ولا يُذكَر اللهُ عزَّ وجلَّ فيه، تقلُّ بركتُه، وتهجرُه الملائكة، وتحضرُه الشياطين».
هذا، وينبغي أن لا يُقتصَر فقط على التلاوة (اللسانيّة)، بل على الإنسان أن يسعى ليصبح مسلكُه في الحياة الدنيا ومنهجُه قرآنيّاً؛ فالقرآن الكريم يحمل في طيّاته قيماً ومفاهيمَ تربويّة سامية، وهو مشروع تحريرٍ وهداية، يقود المجتمع نحو السموّ والتكامل، يقول تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾.
وذلك لا يكون إلّا من خلال التدبّر في القرآن الكريم والقراءة الواعية: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
وقد عدّ الإمامُ زين العابدين (ع) آياتِه الكريمةَ خزائنَ، فينبغي النظر فيها والاطّلاع على ما أودِع فيها من كنوز معرفيّةٍ عظيمة، قال (ع): «آياتُ القرآن خزائن، فكلَّما فتحْتَ خزانةً ينبغي لك أن تنظرَ ما فيها».