محاور الموضوع الرئيسة:
- إعداد النبي للأمة ثلاثي الأركان
- الإعداد النبوي لعلي عليه السلام
- تحديد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لموقع خلفائه ووظائفهم
الهدف:
التعرف الى منهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تربية الأمة لمرحلة ما بعد رحيله.
تصدير الموضوع:
روي عن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قَالَ: "يَا جُنْدَبُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى آدَمَ فِي عِلْمِهِ وَ إِلَى نُوحٍ فِي فَهْمِهِ وَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فِي خَلَّتِهِ وَ إِلَى مُوسَى فِي مُنَاجَاتِهِ وَ إِلَى عِيسَى فِي سِيَاحَتِهِ وَ إِلَى أَيُّوبَ فِي صَبْرِهِ وَ بَلَائِهِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الْمُقَابِلِ الَّذِي هُوَ كَالشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ السَّارِي وَ الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ أَشْجَعُ النَّاسِ قَلْباً وَ أَسْخَى النَّاسِ كَفّاً فَعَلَى مُبْغِضِهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلَائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ قَالَ فَالْتَفَتَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ مِنْ هَذَا الْمُقْبِلِ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ" 1.
1- إعداد النبي للأمة ثلاثي الأركان
لقد كرّم الله تعالى البشر، أن خلقهم، ومنّ عليهم بنعمة الإنسانية، وفضّلهم على المخلوقات بنعمة العقل، وأودع فيهم القوى والقابليات لبلوغ المرامات، وتحقيق الكمالات، التي تمكّنهم من العيش بأمان واستقرار، وتكفل لهم بحياة إنسانية منسجمة ومتوازنة؛ في جوانب حياتهم النفسية والفردية والاجتماعية، وهذا ما عزّز قيمة الإنسان، وجعله عنصراً فاعلاً وساعياً للكمال والتميّز، ونافراً من النقص والعجز والفشل,قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ 2. وحتى لا يقع الإنسان في ظلمات الجهل حرص على تعليمه، قال تعالى: ﴿عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾3، و﴿خَلَقَ الإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾4 ورسم له طريق الهدى بما أرسل من أنبياء وأنزل من وشرائع، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ 5.
وقد قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإعداد الأمة وتربيتها خير إعداد وتربية. ويستند الإعداد النبوي للمجتمع الإنساني الى دعوة الأمة إلى الإيمان بأصول الدين الإسلامي وأركانه ومبادئه، والالتزام العملي بأحكامه الشرعية، وتربية النفس على الملكات والفضائل الأخلاقية، وهذا ما يتجلى في مكوّنات الدين الإسلامي الأساسية التي يمكن جمعها بالأمور الثلاثة الآتية:
أ- النظام (الفقه): يمثل الفقه الإسلامي الجنبة القانونية والنظامية في الشريعة الإسلامية، التي تنظّم حياة الإنسان كفرد، وكجزء من المجتمع في مختلف المجالات، بلا فرق بين علاقته العبادية بالله تعالى من خلال نظام العبادات بواجباته ومستحباته وسننه، وبين علاقاته الأسرية داخل أسرته، وعلاقته الاجتماعية داخل مجتمعه، أو معاملاته المالية والتجارية والكسبية المختلفة. فلا بدّ للحياة الإنسانية من قانون يحميها، وينشر العدل والخير، ويمنع الظلم والشر، ويحقّق لها أهدافها السامية، وينظم الاجتماع البشري، وهو ما تكفّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتعليمه للبشرية من خلال الشريعة الإسلامية التي تتطابق بمبادئها وأهدافها مع طبيعة الفطرة الإنسانية، وتستوعب حاجات الإنسان كافة، وتنظّمها تنظيماً دقيقاً.
ب- الأخلاق: وصف القرآن الكريم النبي محمداً بصاحب الخلق العظيم، نظراً لحرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم واهتمامه بممارسة الأخلاق في سيرته وسلوكه، قبل دعوة الناس إليها،وذلك نظراً لما للأخلاق من آثار إيجابية على النفس الإنسانية، لناحية تهذيبها وتزكيتها.
وعلم الأخلاق هو العلم الذي يبعث الكمال في النفس البشرية, وينمّي القوة والاستقلال في العقل البشري، وهو العلم الذي يساير الإنسانية في اتجاهاتها، ويوجّهها عند حيرتها، ويأخذ بيد العقل عند اضطرابه، ويمده بالقوة عند ضعفه، وهو الأمانة الكبيرة التي يجب على كل كائن عاقل أن يؤديها إلى كل كائن عاقل, هي إِحدى الجهات الإنسانية التي عني بها نبي الإسلام، واهتم بها اهتماماً كبيراً، والذي يستقصي تعاليم الكتاب وإِرشادات السنة يعلم مقدار هذا الاهتمام، ومبلغ هذه العناية. وهذه الظاهرة من الدين الإسلامي إحدى مميزاته عن سائر الأديان، وإحدى مؤهلاته للخلود.
ج- العقيدة: ويراد منها تأسيس البنية الإيمانية، والعقدية، والفكرية السليمة، والثابتة والقوية، التي تغرس في الإنسان الإيمان بالله تعالى، الذي ينعكس ممارسة عقائدية عملية في مختلف المواقف. ومن أهم تلك الأمور التي عمل النبي عليها تربية الأمة عليه هي قضية قيادة المجتمع والأمة من بعده من خلال الإمامة والولاية، وهو ما نلحظه في حرصه الشخصي على تربية خليفته منذ نعومة أظفاره وحتى أواخر لحظات حياته.
2- الإعداد النبوي لعلي عليه السلام
كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يتردّد كثيراً على دار عمّه أبي طالب بالرغم من زواجه من خديجة وعيشه معها في دار منفردة. وكان يشمل عليّاً عليه السلام بعواطفه، ويحوطه بعنايته، ويحمله على صدره، ويحرّك مهده عند نومه إلى غير ذلك من مظاهر العناية والرعاية 6. وقد كفله النبي منذ نعومة أظفاره، ولم يزل عليّ بن أبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بعثه الله نبيّاً، فاتّبعه عليّ عليه السلام فآمن به وصدّقه 7، وهكذا آن لعليّ عليه السلام أن يعيش مبكراً في كنف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث نشأ وترعرع في ظل أخلاقه السماويّة السامية، ونهل من ينابيع مودّته وحنانه، وربّاه صلى الله عليه وآله وسلم وفقاً لما علّمه ربّه تعالى. ولم يفارقه منذ ذلك التأريخ، ولهذا لم يُرَ الإمام علي عليه السلام بعيداً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا نادراً، وما من أمر حدث إلاّ كان لعليّ عليه السلام مَعْلَم فيه وأثر، وللتأكيد على هذا اختاره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخاً له لتزداد هذه العلاقة وثوقاً ومتانةً، وقال في ذلك: "علي مني" وقال جبرائيل: "وأنا منكما". وما يؤكِّد هذه العلاقة والدرجة الرفيعة لعلي عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما ورد عن أبي سعيد الخدري من قوله: "كانت لعليّ درجة لم تكن لأحد من الناس".
ويتجلّى اهتمام رسول الله بتربية وتعليم علي عليه السلام وإعداده للإمامة والقيادة في العديد من النصوص والمواقف، نذكر منها بعض ما له صلة ببحثنا ونحيل الباقي الى مصادره:
أ- ملازمة علي عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وقد عبّر الإمام علي عليه السلام نفسه عن هذه الصحبة بقوله: "وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به ولقد كان يجاور في كل سنة بحرّاء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشمُّ ريح النبوة".
ب- مبادرة النبي الله صلى الله عليه وآله وسلم لتعليمه: و يدلّ على انتقال علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمله إليه وتجلّي كمالاته فيه، وهو ما أشار إليه عليه السلام بقوله: "وكان لا يمرُّ من ذلك شيء إلا سألته عنه وحفظته"، وقوله عليه السلام "لأني كنت إذا سألته أنبأني وإذا سكتُّ ابتدأني".
ج- علمه بأسرار القرآن: وقوله عليه السلام: "والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت" ولهذا وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأعلم الناس حيث قال: "علي أعلم الناس بالكتاب والسنة" ,وإلى هذا يشير الإمام عليه السلام في رواية معتبرة مرويّة عنه عليه السلام " فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي، وعلَّمني تأويلها، وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها، وخاصّها وعامّها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، ولا علماً أملاه عليّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئاً علّمه الله من حلال، ولا حرام، ولا أمر، ولا نهي، كان أو يكون منزلاً على أحد قبله، من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنسَ حرفاً واحداً".
3- تحديد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لموقع خلفائه ووظائفهم
لقد حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على شرح وبيان موقع الأئمة المعصومين ووظيفتهم، على مستوى الشريعة وقيادة الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا ما يمكن إيجازه بالأمور الآتية:
الأمر الأول: ما ينبغي التأكيد عليه هنا أن المرجعيّة الدينية والعلمية للمسلمين في أمور الشريعة والأحكام الإسلامية وغيرها بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، كانت للأئمة المعصومين عليه السلام، إلى جانب قيادتهم العامة للأمة والمجتمع، فورد عن الإمام علي عليه السلام قوله:"عباد الله أبصروا عيب معادن الجور، وعليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته؛ فإنّ العلم الذي نزل به آدم عليه السلام وجميع ما فُضِّل به النبيّون عليه السلام في محمَّد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم وفي عترته الطاهرين عليه السلام، فأين يُتاه بكم؟ بل أين تذهبون؟!"، فللإمام منصب المرجعية الدينية، بمعنى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علّمه كليات الإسلام، وما هو موجود، وما ينبغي أن يكون، ثمّ عرّفه للأمة، وأمر الناس بالرجوع في مسائل دينهم إلى وصيه، وأوصيائه من بعده، وهذا لا يعني أن الأئمة عليه السلام يوحى لهم، بل هو من باب أن مثل هذا الموقع لا يتصدّى له سوى الإنسان الكامل المعصوم، المحدّد بالنص.
الأمر الثاني: موقع الإمامة: إن موقع الإمامة ووظيفة الإمام مستمدّان ومرتبطان بموقع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووظيفة النبوة، ومن هنا فإن الإمامة كما يعتقد الإمامية هي مسألة إلهيّة، وسماوية ولهذا فمن اللازم أن يتمّ تعيينُ خليفة النبي عبر الوحي الإلهي ويقوم النبي بإبلاغه إلى الناس، وأدلّة هذا الأمر كثيرة في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها: حديث الغدير، حديث يوم الدار، حديث المنزلة، حديث السقيفة، حديث الثقلين وغيرها.
الأمر الثالث: تنصيب الإمام: لا بدّ من نصب الإمام وتعيينه من قبل الله تعالى، وأن يملك الإمام العلم الموهوب له من الله، والمصون عن الخطأ بالعصمة، بما ينسجم مع تولي قيادة الأمة ومرجعيّتها، فختم النبوة إنما يكون موافقاً للحكمة الإلهيّة فيما لو اقترن بتعيين الإمام المعصوم عليه السلام، الذي يمتلك خصائص نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم عدا النبوة والرسالة.
1- بحار الأنوار /39-38 باب /73 أن فيه عليه السلام خصال الأنبياء
2- الإسراء: 70.
3- العلق: 5.
4- الرحمن: 3- 4.
5- الجمعة: 2.
6- بحار الأنوار:35 /43.
7- يراجع: تأريخ الطبري: 2 /58 ط.وشرح ابن أبي الحديد: 13 /198 وكشف الغمة:1/.