محاور الموضوع ألرئيسة
1ـ لمحة عن الامام الجواد عليه السلام.
2ـ الإمامة في صغر السن، والردّ على المنكرين.
3ـ حكمة الامامة في صغر السن.
الهدف:
بيان السرّ في التقدير الالهي لأن يتولى "الإمامة" الامام وهو في سن التاسعة من عمره، وبيان الردّ على من أنكر ذلك مع توضيح الحكمة في ذلك.
تصدير الموضوع:
الحسين بن محمد، عن الخيراني، عن أبيه قال: كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن عليه السلام بخراسان فقال له قائل: يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال: "إلى أبي جعفر ابني"، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر عليه السلام، فقال أبو الحسن عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى ابن مريم رسولاً نبياً، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السنّ الذي فيه أبو جعفر عليه السلام "1.
الامام الجواد عليه السلام سيرةمختصرة
ولد عليه السلام بالمدينة ليلة الجمعة في 19 شهر رمضان أو للنصف منه أو 10 رجب يوم الجمعة، واستشهد ببغداد في خلافة المعتصم آخر ذي القعدة يوم السبت سنة 220 ودفن في مقابر قريش قرب قبر جده موسى الكاظم عليه السلام وهو ابن 25 سنة عاش منها مع أبيه ثماني سنين وقيل سبع سنين وأربعة أشهر ويومين وبعد أبيه 17 سنة وقيل 18 سنة الا عشرين يوماً.
إمامٌ صغير السن
واجه الامام الجواد عليه السلام في البداية استنكار بعضهم لمسألة صغر السنّ من قبل الامام، وقد يستنكر بعض الناس في عصرنا ذلك، فكيف يمكن أن ينال هذا الطفل الصغير الذي لم يزد عمره على ثماني سنوات مقام الامامة، وقد تعرض علماء الشيعة لهذه الشبهة وأجابوا عنها بأجوبة متعددة:
أولها: وأفضلها ما ذكره الشيخ المفيد وهو من أعظم علماء الشيعة الكبار في القرن الرابع الهجري بأن كمال العقل لا يستنكر لحجج الله تعالى مع صغر السن لقوله تعالى بشأن عيسى عليه السلام: ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾(مريم / 29 - 30). وبقوله تعالى بشأن يحيى عليه السلام: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (مريم/12)، إلى قوله: "وإذا كان الأمر على ما ذكرناه من تخصيص الله تعالى حججه، بطل ما تعلق به هؤلاء القوم".
فالامام هو محل عناية إلهية خاصة ومهما كان عمره، فإنه ما دام قد زوِّد من الله بالحكمة وأوتي الكتاب والعلم والمعرفة فإنه يكون إماماً.
ولقد تجلّت لكل الناس هذه الكمالات في الإمام محمد الجواد عليه السلام من خلال مناقشاته ومناظراته عندما كان يلتقي بعلماء بغداد بحضور الخليفة المأمون.
وثانيها: ظهور المعاجز على يديه، بما أن الإمامة هي منصب إلهي ليس للإنسان رأي فيه، كما هو حال النبوة، بل تعتبر امتداداً لمسيرة النبوة في مقطع زمني معين. فلا يستكثر على الإمام لو جاء بأمور خارقة للعادة لتأييد إمامته، وأنه من اختيار السماء، ولا يبعد أيضاً أن يجري الله على يديه بعض المعاجز التي يتوخاها الإمام في ظروف خاصة، كرامة له باعتباره أشرف المخلوقات وأكرمها عند الله سبحانه بعد الرسول الأكرمP، فالسماء لا تختار إلا الأشرف والأنبل والأسمى خَلقاً وخُلقاً. ونظراً للظروف التي رافقت إمامة الجواد عليه السلام، اقتضت أن تجري على يديه العديد من المعاجز والكرامات، وقد برهنت هذه على إمامته، وأنه هو الإمام المفترض الطاعة رغم حداثة سنه. فمن أولى كراماته عليه السلام ما كان ساعة مولده المبارك.
يقول الشيخ المفيد: على أنهم إن أقروا بظهور المعجزات على الأئمة وخرق العادة لهم، وفيهم بطل أصلهم الذي اعتمدوا عليه في إنكار إمامة الجواد عليه السلام.
وثالثها: مظهر علم الأئمة عليهم السلام إذا كان من طعن للطاعنين في الامامة على صغر السنّ فهو لناحية عدم امتلاك صغير السن للكمالات ولكننا نجد كيف تجلت لكل الناس هذه الكمالات في الإمام محمد الجواد عليه السلام من خلال مناقشاته ومناظراته عندما كان يلتقي بعلماء بغداد بحضور الخليفة المأمون.
فقد تصدّى يحيى بن أكثم - وهو (يومئذ) قاضى الزمان - ليسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها بتواطؤ من السلطة,ويُراد بذلك العمل إسقاط مكانة الامام بين الناس، فخرج الامام الجواد عليه السلام وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر، فجلس، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه. فقال يحيى بن أكثم للمأمون: أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسال أبا جعفر؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك. فاقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال أبو جعفر عليه السلام سل إن شئت، قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في مُحرم قتل صيداً؟ فقال له أبو جعفر عليه السلام: قتله في حلٍّ أو في حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟ قتله عمداً أو خطأً؟ حرّاً كان المحرم أو عبداً؟ صغيراً كان أم كبيراً؟ مُبتدئاً بالقتل أو مُعيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد كان أم من كباره؟ مُصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتل الصيد أم نهاراً؟ مُحرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟ فتحيّر يحيى بن أكثم وبانَ في وجهه العجز والانقطاع، ولجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره.
حكمة الامامة مع صغر السن
لقد كان الطعن منذ البداية على امامة أمير المؤمنين علي عليه السلام بأنه صغير السن، أو حدث السن, وانّ مشيخة قريش هم أصحاب التجربة وهم الأقدر على الأمر.وفي هذا مغالطة واضحة لأن المعيار حيث كان في الواقع الأهلية وامتلاك القدرة والكفاءة فلا تعود مسألة صغر السن حجة للعدول بالولاية عن أهلها ومن هم محلّها.واذا قرأنا سيرة أئمة أهل البيت عليه السلام نجد أن من مهامهم الموكلة إليهم التمهيد لعصر الغيبة، وللإمام القائم الحجة المنتظر، وهذا التمهيد يعني تهيئة أذهان الناس لكل ما يمكن أن يرافق غيبة الامام المهدي| من أمور غريبة لم يعتادوا عليها، وهذا ما نشهده بوضوح في أمرين قام به الأئمة السابقون على الامام الثاني عشر:
1ـ نظام الوكلاء: حيث اعتاد الناس على الرجوع إلى الوكلاء باعتبارهم الواسطة بين الامام وبين الناس في كل أمر يحتاجون إليه.
2ـ الامامة في صغر السن، فشهادة الامام الحسن العسكري عليه السلام كانت والامام المهدي عجل الله فرجه الشريف في سن الخامسة من عمره، وهو أمر غريب عن أذهان الناس، وقد يواجه بالرفض من قبل الناس لا سيما الشيعة لولا أن الامامة سبقت للإمام الجواد عليه السلام على صغر سنه، وهكذا كانت الامامة على صغر سنّ الامام باباً للتمهيد للغيبة.
اللهم عجلّ لوليك الفرج, وأرض عنا قلب امام زماننا, والحمد لله رب العالمين
1-الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 ص 322.