محاور الموضوع ألرئيسة:
1- بَرَكة يوم الولادة.
2- الموعود بالشهادة.
3- اختيار الشهادة وقبولها.
4- بكاء قبل الولادة وبعد الشهادة.
5- خاتمة.
الهدف:
بيان أن الشهادة الحسينية خيار نبويّ علويّ فاطميّ حسينيّ وأن بركاتها تعمّ الموجودات.
تصدير الموضوع:
"اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ المَوْلُودِ فِي هذا اليَوْمِ الموعود بِشَهادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلالِهِ وَوِلادَتِهِ، بَكَتْهُ السَّماء وَمَنْ فِيها وَالأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها وَلَمَّا يَطَأ لابَيَتْها، قَتِيلِ العَبْرَةِ وَسَيِّدِ الاُسْرَةِ" دعاء اليوم الثالث من شعبان.
مقدمة:
بركة يوم الولادة:
إنّ من أعظم ما تشرّفت به البشرية من الحوادث على قلّتها حدثاً كان مقروناً فيه الفرح بالحزن والبسمة بالدمعة، وهو حدث ولادة الإمام الحسين الشهيد عليه السلام.
وهو الثالث من شعبان من السنة الرابعة للهجرة النبوية الشريفة وهو يوم مبارك باركه الله تعالى لوقوع هذه المكرمة العظيمة للخلق فضلاً عن البشر وقد روى الشيخ في المصباح: "في هذا اليوم ولد الحسين بن علي عليه السلام وخرج إلى أبي القاسم بن علاء الهمداني وكيل الإمام العسكري عليه السلام وإنّ مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصمه وادعُ بهذا الدعاء..."1 وذكر نص الدعاء.
الموعود بالشهادة:
وجاء في نص الدعاء الذي تستحب قراءته في يوم مولد الإمام الحسين عليه السلام: "اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ المَوْلُودِ فِي هذا اليَوْمِ الموعود بِشَهادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلالِهِ وَوِلادَتِهِ بَكَتْهُ السَّماء وَمَنْ فِيها وَالأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها وَلَمَّا يَطَأ لابَيَتْها، قَتِيلِ العَبْرَةِ وَسَيِّدِ الاُسْرَةِ"2.
وإذا رجعنا إلى المصادر الروائية والتاريخية نجد أن مسألة الإخبار عن شهادة الإمام الحسين عليه السلام بدأت حتى قبل نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقبل ولادته صلى الله عليه وآله وسلم فمن نوح عليه السلام وقصة المسامير الخمسة على أسماء أهل الكساء والمسمار الندي الذي على اسم الحسين عليه السلام.
إلى أبي الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم الخليل عليه السلام كما جاء في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام في خبر طويل أنّ الله تعالى قال لخليله عليه السلام: "يا إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش، ويستوجبون بذلك سخطي، فَجزَع إبراهيم وتوجَّع قلبُه وأقبلَ يبكي"3.
إلى الأخبار التي تحدثت عن إخبار الله نبيَّه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بشهادة الإمام الحسين عليه السلام حتى قبل ولادته ومن تلك الأخبار ما عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّ جبرئيل نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "يا محمد إنَّ الله يقرأ عليك السلام ويبشرك بمولود يولد من فاطمة عليها السلام تقتله أمتك من بعدك..." إلى أن قالت الرواية "فحملته كرهاً ووضعته كرهاً"4...
فالحديث عن شهادة الإمام الحسين عليه السلام مرافق لمسيرة النبيين وقد حدّثوا بها وتحدَّثوا عنها، وكذلك الملائكة في ما حملوه من رسائل إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك في زيارات الملائكة للتهنئة بولادته عليه السلام وهذا من العجيب.
اختيار الشهادة وقبولها:
إنَّ الأخبار السابقة فيها أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك ابنته الصديقة فاطمة عليها السلام ربما أوردت ما يفيد التردد في قبول ولدٍ تقتله أمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يستقرّ بهما الرضا إلا بعد أن عَلما بالعِوَض الإلهي والمذكور في متن دعاء يوم الولادة وهو: "المعوض من قتله أن الأئمة من نسله، والشفاء في تربته، والفوز معه في أوبته والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته"5.
فإنّ المفهوم من هذا النص وغيره أن الشهادة كانت تخييراً إلهياً ولم تكن قضاءاً حتمياً توقّف أمر إمضائها على قبول تحملها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولاً ثم من الزهراء عليها السلام ثانياً. والله عزَّ وجلَّ أراد لها أن تكون إختياراً إرادياً لا يقدم عليه فقط الإمام الحسين عليه السلام وإنما يتقرب بذلك قبله جدُّه وأبوه وأمه ولذا بدأ الحديث عن شهادته عليه السلام مع سيّد النبيين ليظهر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تقبل هذه الشهادة مختاراً تماماً كإقدام النبي إبراهيم عليه السلام على ذبح إسماعيل عليه السلام ابنه مختاراً، كما أنّ علياً أمير المؤمنين عليه السلام وزوجه الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام تقبَّلا ذلك ليكونا مختاريْن في تقديم هذا القربان، كلُّ ذلك كان بعد انكشاف الآثار المترتبة على تلك الشهادة العظمى والتي لا نبالغ إذا قلنا إنها مرافقة في بركاتها للمسيرة الإنسانية وهذا ما يوميء إليه أخبار الأنبياء من نوح إلى إبراهيم إلى زكريا إلى غيرهم بل للخلق جميعاً وهذا ما يلمح إليه دخول الملائكة في سلسلة المنبئين بولادته وشهادته عليه السلام واشتراط قبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة عليها السلام ليجعله عليه السلام قربان ال محمد صلى الله عليه وآله وسلم جميعاً.
بكاء قبل وبعد الولادة:
عندما تكون لشهادة إنسان هذه الآثار الداخلة في تحقيق غاية الإيجاد والخلق، حيث يكشف إطلاع الله الملائكة والنبيين عليها وتأثرهم بها أنّ هذه الشهادة وهذا الشهيد لهما علاقة بعلة خلق الخلق، وفي سير البشرية نحو كمالها المنشود لتحقق الغاية الإلهية لا من خلق البشر فقط وإنما من خلق الخلق.
ومن الطبيعي أنّ تبكي كل الموجودات لمصاب من كانت بركته تعمها وتغمرها، وأن يكون المصاب مصاباً لها فتبكي لهذا المصاب عند وقوعه وهذا ما ألفتت إليه بعض الزيارات ومنها: "أشهد أنَّ دمك سكن في الخلد واقشعرَّت له أظلة العرش وبكى له جميع الخلائق، وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا، وما يرى وما لا يرى"6.
كل ما ذكرنا في نص الزيارة ظاهره البكاء على مصابه عليه السلام بعد الشهادة لكن ثمة بكاءً حصل قبل الولادة منها ما ورد في دعاء اليوم الثالث من شعبان: "بَكَتْهُ السَّماء وَمَنْ فِيها وَالأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها وَلَمَّا يَطَأ لابَيَتْها" أي قبل مشيه على الأرض بل قبل حتى أن تحمل به أمه وقد كان بكاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله أشبه بمجلس عزاء أقيم على مصاب الحسين عليه السلام وهو لم يزل في أول أيام حياته.
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: لما أن هبط جبرائيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الحسين عليه السلام أخذ بيد علي عليه السلام فخلا به ملياً من النهار، فغلبتهما العبرة، فلم يفترقا حتى هبط عليهما جبرائيل فقال لهما: "ربكما يقرؤكما السلام ويقول: قد عزمت عليكما لما صبرتما فصبراً".
خاتمة:
ونختم بما ختم به دعاء اليوم الثالث من شعبان: اللّهُمَّ وَهَبْ لَنا فِي هذا اليَوْمِ خَيْرَ مَوْهِبَةٍ وَانْجِحْ لَنا فِيهِ كُلَّ طَلِبَهٍ كَما وَهَبْتَ الحُسَيْنَ لِمُحَمَّدٍ جَدِّهِ وَعاذَ فُطْرُسُ بِمَهْدِهِ فَنَحْنُ عائِذُونَ بِقَبْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ نَشْهَدُ تُرْبَتَهُ وَنَنْتَظِرُ أَوْبَتَهُ آمِينَ رَبَّ العالَمِينَ.
1- انظر مفاتيح الجنان أعمال شهر شعبان الخاصة.
2- نفسه.
3- بحار الأنوار، ج44، ص226.
4- بحار الأنوار، ج44، ص232.
5- مفاتيح الجنان أعمال اليوم الثالث من شعبان.
6- مفاتيح الجنان الزيارة الأولى من الزيارات المطلقة للإمام الحسين عليه السلام.