الإسراف في المنزل وترشيد الاستهلاك،"ومتعّني بالإقتصاد، وامنعني من السَرف"
- محاور الموضوع:
1- امة الاسلام الامة الوسط
2- قبح الاسراف
3- صورٌ من الاسراف
- الهدف:
الحث على الوسطية في كل شيء والتركيز على الاقتصاد في المال وعدم الاسراف.
- تصدير الموضوع:
قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ 1
الأمة الوسط:
يقول تعالى: ﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس﴾2 تشير هذه الآية الكريمة إلى حقيقة مهمة تطبع الإسلام بتشريعاته وتكاليفه، وهي الوسطية والاعتدال في كل شيء، فلا إفراط ولا تفريط في شريعة الإسلام العظيم. وهذا بخلاف غيره من الشرائع والفلسفات، حيث نراها تتجه إما الى افراط أوالى تفريط، فمثلاً الغرب المادي يتجه إلى تقوية جانب الجسم محضاً لا يريدون إلا الحياة الدنيا والاستمتاع بملاذها وزخارفها وزينتها، لا يرجون بعثاً و لا نشوراً، و لا يَعْبئون بشيءٍ من الفضائل المعنوية والروحية، وأمّا المسيحية فانها تتجه إلى تقوية جانب الروح فتدعو إلى الرهبانية.
لكنّ الله سبحانه جعل هذه الأمة وسطا بأن جعل لهم ديناً يهدي منتحليه إلى سواء الطريق وسط الطرفين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بل يقوّي كلّاً من الجانبين - جانب الجسم وجانب الروح - فإن الإنسان مجموع الروح و الجسم لا روح محضاً ولا جسم محضاً، ومحتاج في حياته السعيدة إلى جمع كِلا الكمالين والسعادتين المادية و المعنوية، فهذه الأمة هي الوسط العدل الذي به يُقاس و يُوزن كلٌ من طرفي الإفراط والتفريط فهي الشهيدة على سائر الناس. ولكن المؤسف أننا نرى من المسلمين من يتجه الى جانب الافراط فيصبح مادياً كالغرب ومنهم من يتجه الى التفريط فيصبح رهبانياً. فالاعتدال مطلوب في كل شيء حتى يكون الانسان سائراً على الصراط المستقيم، ومن الأمور التي أُمرنا بالاعتدال فيها مسألة الاقتصاد والاعتدال في استعمال النِعم التي سخّرها لنا الله تعالى.
قبح الاسراف:
لا ريب في أنَّ النعم الموجودة على الكرة الأرضية كافية لساكنيها، بشرط واحد، هو أن لا يبذروا هذه النِعم بلا سبب، بل عليهم استثمارها بشكل معقول وبلا إِفراط أو تفريط، والاّ فإِنَّ هذه النعم ليست غير متناهيه حتى لو أُسيءَ استثمارها والتصرف بها. وقد يؤدي الإِسراف والتبذير في منطقة معينة الى الفقر في منطقة أُخرى، أو إِنَّ إِسراف وتبذير الناس في هذا الزمان يسبِّب فقر الأجيال القادمة. وفي ذلك اليوم الذي لم تكن فيه الأرقام والإِحصاءات في متناول الإِنسان، حذّر الإِسلام مِن مَغبة الإِسراف والتبذير في نِعم اللّه على الأرض. لذلك فالقرآن أدانَ في أماكن كثيرة وبشدّة المسرفين والمبذرين.
فالله لا يحب المسرفين: ﴿ولا تسرفوا إِنَّهُ لا يحب المسرفين﴾3
فعلينا أن لا نطيعهم: ﴿ولا تطيعوا أمر المسرفين﴾4
لأنّ الإِسراف صفة فرعونية: ﴿وإِنَّ فرعون لعال في الأرض وإِنَّه لمن المسرفين﴾5
والهداية ممنوعة عن المسرفين: ﴿إِنَّ اللّه لا يهدي مَن هو مسرف كذّاب﴾6
وهم اخوان الشياطين﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾7
ومصيرهم الهلاك في الدنيا: ﴿وأهلكنا المسرفين﴾8 والعذاب في الاخرة فهم من أصحاب النار: ﴿وإِنّ المسرفين هم أصحاب النّار﴾9
والإِسراف بمعناه الواسع هو الخروج وتجاوز الحدّ في أي عمل يقوم به الإِنسان، ولكنّها عادةً تستخدم في المصروفات.
ومِن آيات القرآن نفسها نستفيد أنَّ الإِسراف هو في مقابل التقتير والبخل، بينما هناك طريق ثالث هو منزلة بين الأمرين، كما في قوله تعالى: ﴿والذين إِذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يقتروا وكانَ بين ذلك قوام﴾10.
صور من الإسراف:
1- الإسراف في الأكل:
من مظاهر الإسراف الإسراف في الأكل بحيث يأكل الانسان فوق تحمّله، وهذا مما ينافي صحته. يقول تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾11.
ثبت اليوم أن هذه الاية واحدة من أهم الأوامر والتعاليم الصحية، وذلك لأن تحقيقات العلماء توصلت إلى أن منبع الكثير من الأمراض والآلام هو الأطعمة الإضافية الزائدة التي تبقى في بدن الإنسان.
ومن مظاهر الإسراف في الإكل ما يجري في البيوت أو المناسبات من الزيادة في كمية الطعام بحيث يبقى الكثير من الطعام الذي يرمى في القمامة، وهذا مما لا يرضاه الله، إذ إن هناك أناساً يتخمون من الطعام وآخرون لا عهد لهم.
بالشبع.
2- الاسراف في الماء:
الماء من أعظم ما منَّ الله به على عباده، حيث قال في كتابه ﴿وجعلنا من الماء كلّ شيء حي﴾12 فإن هذا الماء المبارك هو أغلى ما تملكه البشرية لاستمرار حياتها بإذن الله ويدرك ذلك الناس كلهم كبيرهم وصغيرهم، فالماء نعمة يجب شكر الله عليها. فالماء لا يستطيع أن يستغني عنه الإنسان أو الحيوان أو النبات، فلا شراب إلا بالماء ولا طعام إلا بالماء ولا نظافة إلا بالماء ولا دواء إلا بالماء ولا زراعة إلا بالماء ولا صناعة إلا بالماء. فالماء لم تنقص قيمته سواء بتقدم البشرية أو بتأخرها بل قد زادت حتى صار الحديث متكرراً عن الأمن المائي والصراع على موارده.
فالماء هو عماد اقتصاد الدولة ومصدر رخائها، فبتوافره تتقدم وتزدهر البشرية وبنضوبه وشحّ موارده تحلّ الكوارث والنكبات، فلهذا يجب علينا أن نتكاتف ونقف وقفة واحدة ضد إهدار المياه.
ورغم أهمية الماء نرى في مجتمعاتنا هدراً للماء فبدل الاستفادة منه يذهب الى البحر هدراً بدل ان تُعمل السدود والبحيرات الاصطناعية. ونرى الماء يجري في الشوارع لاهمال شبكات إيصال الماء الى البيوت أمّا البيوت فتعاني وتزداد التكاليف على اصحابها حيث يشترون من الصهاريج. ونرى الاسراف في البيوت فتفتح الحنفيات على مداها وشبكات المياه فيها خربة يتسرب الماء منها، الى غير ذلك من مظاهر الاسراف في المياه.
وقد حذرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الاسراف في المياه حتى ولو للعبادة، فقد مرّ رسول الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم) بسعد وهو يتوضأ، فقال: ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سَرف؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "نعم وإن كنت على نهرٍ جارٍ"13 والإمام الصادق (عليه السلام) يحذر حتى من إهراق فضل الاناء: "أدنى الإسراف هراقة فضل الإناء"14
3- الاسراف في الكهرباء:
ومن مظاهر الاسراف في مجتمعاتنا الاسراف في الكهرباء، ومسألة الكهرباء ليست مسألة بسيطة بل هي مسألة مُكلفة على الدولة وبالتالي على الشعب، فلذلك ينبغي ازالة التعديات والتعليق غير الشرعي، والعمل على الاقتصاد في استعمال الكهرباء باتّباع الإرشادات التي يصدرها أهل الاختصاص من مثل إطفاء ما لا يحتاجه الانسان من المصابيح واستخدام المصابيح الاقتصادية إلى غير ذلك من النصائح. ويمكن هنا أن نتحدث عن الإسراف في الهاتف حيث نرى بعض الناس يتكلمون على الهاتف وإن كان كلامهم غير ضروري.
4- الاسراف في الحفلات:
كما نراه في حفلات الزواج مما يرهق كاهل الشاب الذي يحمل تكاليف كثيرة لا تطيقه جيبه مما يضطره إلى الاستدانة أو تأجيل الزواج.
5- الإسراف في المسكن:
كما نشاهده من البعض الذين يسكنون البيوت الواسعة سعة لا يحتاجونها، ويفرشونها بالمفروشات والكماليات الزائدة عن المتعارف، في حين نرى فقراء لا يملكون المسكن ولا الفرش اللائقين. عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "أترى الله أعطى من أعطىَ من كرامته عليه ومنعَ من منع من هوانٍ به عليه؟ لا، ولكن المال مال الله يضعه عند الرجل ودايع، وجوَّز لهم أن يأكلوا قصداً ويشربوا قصداً ويلبسوا قصداً وينكحوا قصداً ويركبوا قصداً ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين ويلّموا به شَعَثهم، فمن فعل ذلك كان ما يأكل حلالاً ويشرب حلالاً ويركب وينكح حلالاً، ومن عدا ذلك كان عليه حراماً، ثم قال: لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، أترى الله ائتمنَ رجلاً على مال خوّل له أن يشتري فرساً بعشرة آلاف درهم، ويجزيه فرس بعشرين درهما، ويشتري جارية بألف دينار، ويجزيه بعشرين ديناراً، وقال: ولا تسرفوا إنه لا يحبّ المسرفين15.
1- سورة الاسراء، 27
2- البقرة، آية 143
3- سورة الأنعام، آية 141.
4- سورة الشعراء، آية51.
5- سورة يونس، آية 83.
6- سورة غافر، آية 28.
7- سورة الاسراء، آية 27.
8- سورة الأنبياء، آية 9.
9- سورة غافر، آية 43.
10- سورة الفرقان، آية 67.
11- سورة الاعراف، آية31.
12- سورة الأنبياء، آية 30.
13- التفسير الصافي ج3ص187.
14- البحار ج75ص303.
15- البحار ج72، ص305.