1-تبيين مقام أهل البيت عليهم السلام من خلال آية التطهير
2-تبيين مقام أهل البيت عليه السلام من خلال آية المباهلة
الهدف: تبيين بعض مقامات ومناقب أهل البيت عليهم السلام من خلال آيتي التطهير والمباهلة.
تصدير الموضوع: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (الأحزاب/ 33).
ويقول تعالى في آية المباهلة: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾1.
تمهيد
في القرآن الكريم آيات عديدة نزلت في شأن أهل البيت ومنهم فاطمة الزهراء عليها السلام والأحاديث النبوية أفاضت في بيان مقامهم ومناقبهم وعصمتهم وطهارتهم وإيثارهم وكرمهم،وبيان مكانتهم وفضائلهم، وعن حقّهم علينا والمسؤوليات.
بل لقد ورد عن علي عليه السلام أنه قال: "نزل القرآن أرباعا: فربع فينا، وربع في عدونا، وربع سير وأمثال، وربع فرائض وأحكام، ولنا كرائم القرآن"2.
1-آية التطهير
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾3.
تحديد مفهوم أهل البيت عليه السلام
ينبغي أن يُعلم أنّ مفهوم أهل بيت رسول الله عليهم السلام يعني أشخاصاً محددين منهم ولا يشمل نساءَه وكل قرابته. فقد روى نزول آية التطهير في حقّ فاطمة وعليّ والحسن والحسين عليهم السلام الكثير من أصحاب السنن والكتب الحديثية والتأريخية المعتبرة لدى المسلمين سنّة وشيعة.ومنها: ما رواها "الثعلبي" عن "أم سلمة" في تفسيره، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله كان في بيتها إذ أتته فاطمة عليها السلام بقطعة حرير، فقال النبي صلى الله عليه وآله: "ادعي لي زوجك وابنيك الحسن والحسين " فأتت بهم فطعموا، ثم ألقىَ عليهم النبي صلى الله عليه وآله كساءً له خيبرياً وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا" فنزلت آية التطهير، فقلت: يا رسول الله وأنا معهم؟ قال: "إنك إلى خير" ولكنك لست منهم 4.
إن هذه الرواية والكثير منها تصرّح أن زوجات النبي صلى الله عليه وآله لسن جزءاً من أهل البيت عليهم السلام في هذه الآية.
وهنا سؤال يلفت النظر، وهو: ماذا كان الهدف من جمعهم تحت الكساء؟
كأن النبي صلى الله عليه وآله كان يريد أن يحدّد هؤلاء ويعرفهم تماماً، ويقول: إنّ الآية أعلاه في حقّ هؤلاء خاصة، لئلا يرى أحد أو يظن ظان أن المخاطب في هذه الآية كل من تربطه بالنبي صلى الله عليه وآله قرابة، وكل من يُعدُّ جزءاً من أهله، حتى جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله قد كرّر هذه الجملة ثلاث مرات: " اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ".
ونقرأ في روايات عديدة أخرى أنّ النبي صلى الله عليه وآله بقي ستة أشهر بعد نزول هذه الآية ينادي عند مروره من جنب بيت فاطمة سلام الله عليها وهو ذاهب إلى صلاة الصبح: "الصلاة يا أهل البيت!" ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾. وقد روى الحاكم الحسكاني هذا الحديث عن أنس بن مالك 5.
2- آية المباهلة
يقول تعالى في آية المباهلة: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ 6.
سبب نزول هذه الآية
في سبب نزول هذه الاية أن النبي صلى الله عليه وآله دعا نصارى نجران إلى الإسلام فأقبلت شخصياتهم، وكان العدد يربوا على السبعين، ولما وصلوا المدينة المنورة التقوا برسول الله صلى الله عليه وآله وجالسوه مراراً وسمعوا حديثه ودلائله وما كان عندهم ردّ وجواب. ولما أورد رسول الله صلى الله عليه وآله الدلائل على نصارى نجران: قال صلى الله عليه وآله " إن الله أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم"، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله خرج وعليه مرط من شعر أسود، وكان قد أحتضن الحسين عليه السلام وأخذ بيد الحسن عليه السلام وفاطمة عليها السلام تمشي خلفه وعليّ عليه السلام خلفها وهو يقول إذا دعوت فأمِّنوا، فقال أسقف نجران: إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، ثم قال: ولو لاعنوا لمُسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاسْتَأْصلَ الله نجران حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا 7.
بعض دلائل آية المباهلة
هذا النص لا شك أنه يحمل العديد من الدلالات الهامة والعلامات التي تستوقف الإنسان:
1- إن معنى المباهلة كما في الكشاف للزمخشري، ثم نبتهل، ثم نتباهل بأن نقول: بهلة الله على الكاذب منا، ومنكم والبهلة بالفتح والضم: اللعنة وبهله الله: لعنه وأبعده من رحمته من قولك:" أبهله" إذا أهمله... واصل الابتهال هذا ثم أستعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن إلتعاناً.
2- إن هذا برهان واضح على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله. لأنه من الواضح فيما ذكره كلّ من تحدث عن المباهلة أنهم لم يستجيبوا للمباهلة والتقوا بأن يصالحوا النبي صلى الله عليه وآله.
3- إن تعيين شخصيات المباهلة لم تنشأ من حالة عفوية ارتجالية أو تأثيرات عائلية بل بتوجيه إلهي واختيار رباني هادف، فقد تحدى بهم أعداء الإسلام وجعل خصومهم كاذبين معرضين للعنة والعذاب...
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله حينما سئل عن هذا الاختيار قوله: "لو علم الله تعالى أن في الأرض عباداً أكرم من عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام لأمرني أن أباهل بهم، ولكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء فغلبت بهم النصارى".
4-إنّ اختيارهم لهذه المهمة العظيمة واختصاصهم بهذا الشأن الكبير، وإيثارهم فيه على من سواهم حيث أن النبي صلى الله عليه وآله باهل بهم، فلم يدع من النساء أيّاً من أمهات المسلمين، مع أنهنّ كنَّ في بيوته وعلى مرأى ومسمع، ولم يدع مع سيدي شباب أهل الجنة أحداً من أبناء الهاشميين ولا أبناء الصحابة على كثرتهم.
ولم يدع من الرجال مع عليّ عليه السلام أحداً لا عمّه العباس ولا أحد من كافة عشيرته الأقربين أو من السابقين الأولين وكانوا بمرأى ومسمع من المباهلة، فهذا فضل لم يسبقهم إليه سابق وذلك لمكان قربهم من الله وكرامتهم عليه وقدسيتهم المتميزة ومقامهم العظيم. هذه الكرامة والعظمة وقرب المنزلة والمهابة والجلالة أدركها الخصم من أول نظرة إلى وجوههم، فغشي بصره وأرتد فارتعدت الفرائص وخفض لها جناح الذل.
5- لقد التمس النبي صلى الله عليه وآله منهم التأمين على دعائه فقال إذا دعوت فأمنوا واستعان بهم في المباهلة "ثم نبتهل" بصيغة الجمع لتيقّن فضيلتهم ومنزلتهم عند الله، فإن كثرة الأفاضل أدخل في الاستجابة.
6- لقد جعل الرسول صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام نفسه صلى الله عليه وآله، فهو تجسيد لشخصية الرسول صلى الله عليه وآله لما فيه من الفضائل والكمالات التي اجتمعت في النبي صلى الله عليه وآله إلا النبوة.
وهو في آية التباهل نفس ال مصطفى ليس غيره إياها
لقد أخرج الله أهل البيت عليهم السلام ليباهل أعداءه لما لهم من حرمة على الله ومكانة وقدسية وضمان استجابة دعاء وليعد الأمة لما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن أهل البيت عليهم السلام المحور الذي لا بد للأمة أن تلتف حوله وقد قال الزمخشري: "وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء"8.
1- آل عمران: 61.
2 - بحار الانوار ج36 ص117
3 - الأحزاب: 33.
4-مجمع البيان ذيل الآية مورد البحث.
5 - شواهد التنزيل، المجلد 2، صفحة 11.
6-آل عمران: 61.
7 - الرازي: التفسير الكبير، ج 8: ص 85
8- بحار الانوار ج21ص282