"أشهد أنّ دمك سكن في الخلد.."
محاور الموضوع ألرئيسة:
1- بذل الدماء طريق العزّة
2- الشهادة دعامة الرسالات الإلهية
3- الامام الحسين عليه السلام على طريق حفظ الرسالات
4- الشهادة الواعية
5- أجر الشهادة وتفاوت درجاتها
6- الشهادة حُلُم الصديقين
الهدف: اظهار فضل الشهادة
تصدير الموضوع: عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في زيارة الامام الحسين عليه السلام:"أشهد أنّ دمك سكن في الخلد..."( الكافي ج4ص576)
بذل الدماء طريق العزة
إنّ بذلَ الدماء ليس مقتصراً على الأمة الإسلامية، بل كل النّاس إلى أي دين أو ملة انتموا إذا أرادوا العزة والعيش الكريم، يدعون أتباعهم إلى بذل الدِّماء، ويقدِّمون في سبيل ذلك الأنهار من الدماء، فمنذ وُجد الإنسان على الأرض، كان الاضطهاد والظلم وكان الصراع بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، وبين الإيمان والكفر، كان بذل الدِّماء.
الفارق هو: أنّ الدماء الإسلامية التي بذلت في سبيل الله تعالى لن تذهب هدراً لا في الدنيا -حيث هي طريق العزة والحرية والكرامة والنصر -،ولا في ما بعد الدنيا حيث ان هؤلاء الشهداء أحياء وليسوا أمواتاً وهم في الدرجات العلى من الجنة.يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾1.
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾2.
الشهادة دعامة الرسالات الإلهية
إنّ الشهادة إحدى أقوى الدعائم في الرسالات السماوية.إن الأنبياء عليهم السلام بُعثوا لتأصيل الدين في نفوس الناس، ولنقل الناس من عبودية الآلهة المتعددة إلى عبودية الإله الواحد القهار، وليكون الدين كله لله، ولإحقاق الحق وإبطال الباطل، ولنشر العدل والقضاء على الظلم.
والسيرة النبوية العامة، على طول حركة التاريخ، تروي لنا أن الأنبياء وأتباعهم قد تحمَّلوا أنواع الأذى، وواجهوا أنواع الفتن، واصطدمت بهم البلايا والمصائب، وقدّموا تضحيات كثيرة، وسقوا شجرة العقيدة بدمائهم الزاكية.يقول الإمام الحسين عليه السلام:"يا عبد الله، إنّ من هوان الدنيا على اللَّه تعالى، أن رأس يحيى بن زكريا يُهدى إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، وأن رأسي يهدى إلى بغي من بغايا بني أمية! أما علمت أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً! ثم يبيعون ويشترون، كأن لم يصنعوا شيئاً..".3.
الامام الحسين عليه السلام على طريق حفظ الرسالات
وقد كان للامام الحسين عليه السلام وأهل بيته واصحابه في كربلاء التضحيات الجسام على طريق الدفاع عن رسالة الانبياء التي ختمت برسالة النبي محمد صلى الله عليه واله، فلقد أقدم الحسين عليه السلام على الموت مُقدِّماً نفسه وأولاده وأطفاله وأهل بيته وأصحابه للقتل قرباناً وفاءً لدين جدّه صلى الله عليه واله بكل سخاء وطيبة نفس وعدم تردد وتوقف قائلاً بلسان حاله:
إن كان دين محمد لم يستقم
إلا بنفسي يا سيوف خذيني
وقال: "الا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام"4.
الشهادة الواعية
يبدو أن قضية الشهادة، تطرح غالباً، وكأنها قيمة مستقلة ومطلقة، ينبغي أن يسعى إليها الإنسان، وينالها بأي أسلوب، وفي أي إطار... تُرى هل الشهادة التي هي قيمة إسلامية عالية هي أمر مطلوب في حدّ ذاته؟ هل هي هدف في حدّ ذاتها؟ أم أنها مطلوبة باعتبارها وسيلة؟ الحقيقة، إننا حينما نعود إلى أصول الفكر الإسلامي، في الكتاب الكريم، وفي السنة الشريفة، نلاحظ أن الشهادة في ذاتها ليست قيمة مطلقة، وإنما هي قيمة نسبية، وأن القيمة المطلقة هي لما تقدمه الشهادة من عطاءات للأمّة، يرخص في مقابلها بذل الدماء والارواح.
فهذا الامام الحسين بن علي عليه السلام حدّد هدفه من الجهاد والشهادة قائلاً:"وأني لم أخرج أشِراً ولا بطِراً ولا مُفسِداً ولا ظالِماً وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه واله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين"5
فالشهادة لا تعني الموت كيفما اتفق، بل ينبغي ان تكون الشهادة لأجل هدف سام يختصرها عنوان "في سبيل الله"،من هنا ركز الاسلام على النية الخالصة لوجه الله وفي سبيله، فللنيَّة في الإسلام دورها في قيمة العمل، فكلّما كانت نيَّة الإنسان المسلم خالصة لله، لا يشوبها غرض آخر، كلّما كان العمل ذا قيمة عالية.يقول رسول الله صلى الله عليه واله مؤكِّداً دور النيَّة في الشهادة:"كم ممَّن أصابه السلاح ليس بشهيد ولا حميد، وكم ممَّن قد مات على فراشه حتف أنفه عند الله صدِّيق شهيد".6
أجر الشهادة وتفاوت درجاتها
ان أجر الانسان على قدر ما يبذل، واقصى ما يبذله وأعزّ هو روحه التي بين جنبيه، لذلك كان أجر الشهيد كبيراً كبيراً.
عن رسول الله: "فوق كل ذي برّ بر حتى يُقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قُتل في سبيل الله فليس فوقه بر"7.
وكما أن الإيمان درجات، وأصحاب الجنة درجات، ولأهل النار درجات، كذلك التضحية بالأموال درجات، والتضحية بالأنفس درجات، والشهادة التي هي أم التضحيات، وأشرف الطاعات، وأهم العبادات، وأفضل الدرجات، وأقصى غاية الجود، هي الأخرى منازل ودرجات متفاوتة.فالذي يبحث عن الشهادة فيستشهد، ليس كالذي تبحث الشهادة عنه، فينال منازل الشهداء. كلاهما شهادة في الإسلام، ما دامت في سبيل الله تعالى، حيث تنتظرهم جنة الخلد، والحور العين، ولكن لا يستويان عند الله تعالى في منازلهم. قال الله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾8.
وعن رسول صلى الله عليه واله انه قال: "خيرُ الناس، رجلٌ حبس نفسه في سبيل الله، يجاهد أعداءه، يلتمس الموت أو القتل في مصافه"9.
الشهادة حلم الصديقين
إن تعلق الإنسان بالحياة الدنيا، وحبه البقاء فيها، ونفوره من الموت، ظاهرة طبيعية في النفس الإنسانية الاعتيادية. فكلُّ إنسان حسب العادة يخاف الموت، ولكن هناك رجال يعشقون الموت ويحلمون بالشهادة ويسعون لملاقاتها، فما هو السرُّ في ذلك؟ما هو سر قول الرسول صلى الله عليه واله: "لوددت أني أغزو في سبيل الله فاقتل، ثم أغزو فاقتل، ثم أغزو فاقتل" ما هو سرُّ قول الإمام علي عليه السلام:"والله، لابن أبي طالب انس بالموت من الطفل بثدي أمِّه"
1.ما هو سرُّ قول الإمام الحسين عليه السلام: "`ا".
ما هو سرُّ شجاعة المقاومين في لبنان من أبناء المقاومة الاسلامية؟
في الحقيقة السرُّ هو في الإسلام العظيم، والقرآن الحكيم، الذي رسَّخ في نفوس أتباعه الفضائل الكريمة، وفي عقول مريديه العقائد السامية. وأهمُّ هذه العقائد الإيمان بالله وبالحياة بعد الموت، إيماناً راسخاً لا يتزلزل.
1 البقرة 154
2 ال عمران 169-171
3 بحار الأنوار، المجلسي، ج44، ص365
4انظر:اعيان الشيعة ج1ص581
5 بحار الانوار ج44ص330
6 ميزان الحكمة، محمد الري شهري، مج5، ص2010، ح9789.
7 ميزان الحكمةج2ص1512
8 الأحقاف:19.
9 مستدرك الوسائل، ميرزا حسين نوري الطبرسي، ج2، ص244.