1- تمهيد في الحقوق في الاسلام
2- ذكر بعض حقوق النبي صلى الله عليه واله خمسة حقوق
الهدف
التعريف بحقوق النبي على المسلمين والحث عليها
تصدير الموضوع
عن رسول الله:" لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه،
ويكون عترتي أحب إليه من عترته، ويكون أهلي أحب إليه من أهله، ويكون ذاتي أحب إليه
من ذاته"1.
تمهيد
إن من اهداف الإسلام العظيم احقاق الحقوق ومراعاة الاداب ومن هنا دعا في كثير من
تعاليمه الى مراعاة ذلك، ابتداءً من حقوق الله تعالى الى أنبيائه -ومنهم خاتمهم
النبي محمد صلى الله عليه واله - الى اهل بيته وانتهاء بالناس أجمعين.
وكلّما ازداد مقام الانسان ودرجته عند الله تعالى وتقواه وجهاده في سبيله كلّما
ازدادت الحقوق والاداب تجاهه.
ومقام رسول الله صلى الله عليه واله عظيم وجليل، وخدماته العظيمة للإنسانية جمعاء
قد اعترف بها كثير من منصفي العالم الغربي، ولا ينكر عظمة النبي صلى الله عليه واله
إلا كل جاهل أو حاقد أو متعصب.
جاء بأكمل الشرائع الالهية، فأخرج الناس من ظلمة الكفر الى نور الاسلام، وجعل أمته
أكمل الأمم ديناً، وأوفرهم علماً، واسماهم أدباً وأخلاقاً، وأرفعهم حضارة ومجداً.
وقد عانى في سبيل ذلك من ضروب الشدائد والأهوال، ما لم يعانه أي نبي.
من أجل ذلك، فان اللسان عاجز عن تعداد أياديه، وحصر حقوقه على المسلمين سيما في هذه
الخطبة الوجيزة. فلا بد من الاشارة اليها والتلويح عنها.
1- حق وأدب اعتقادي
وذلك بتصحيح الاعتقاد بنبوته وخاتميته وزيادة اليقين بذلك، فلا يكفي أن نقول أشهد
ان محمدا رسول الله، ولا نعرف ما يترتب على هذه الجملة من أمور.فالمسلمون كلهم
يتشهدون بالشهادة الثانية، ولكن انظر الى حالهم، هل هم من المرضيين عند رسول الله
صلى الله عليه واله.
المسلمون مشتتون الى فرق ومذاهب وكأن النبي محمدا محمدات.
2- حق وادب قلبي
وذلك بمحبته صلى الله عليه واله أكثر من كل متعلقاتنا وحتى أكثر من أنفسنا، قال
تعالى:
﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ
وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم
مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ
اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾2.
وعن رسول الله:" لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه،
ويكون عترتي أحب إليه من عترته، ويكون أهلي أحب إليه من أهله، ويكون ذاتي أحب إليه
من ذاته"3.وهذا الحديث يشير الى ضرورة حب اهل البيت لتكون
محبا لرسول الله صلى الله عليه واله.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "جاء رجل من الانصار الى
النبي صلى اللّه عليه وآله، فقال: يا رسول اللّه ما استطيع فراقك، واني لأدخل منزلي
فأذكرك، فأترك ضيعتي وأقبل حتى أنظر اليك حباً لك، فذكرت اذا كان يوم القيامة،
وأدخلتَ الجنة، فرفعت في أعلى عليين، فكيف لي بك يا نبي اللّه؟، فنزل: "ومن يطع
اللّه والرسول، فأولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين، وحسن أولئك رفيقا"4، فدعا النبي صلى اللّه عليه
وآله الرجلَ فقرأها عليه وبشره بذلك5.
وقال أنس: جاء رجل من أهل البادية، وكان يعجبنا ان يأتي الرجل من أهل البادية يسأل
النبي صلى اللّه عليه وآله، فقال: يا رسول اللّه متى قيام الساعة؟
فحضرت الصلاة، فلما قضى صلاته، قال: أين السائل عن الساعة؟
قال: أنا يا رسول اللّه. قال: فما أعددتَ لها؟
قال: واللّه ما أعددت لها من كثير عمل صلاة ولا صوم، الا اني أحب اللّه ورسوله.
فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله: المرء مع من أحب.
قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الاسلام بشيء أشد من فرحهم بهذا6.
3-حق وادب عملي
وذلك بتحقيق تعاليم رسول الله عمليا فلا يكفي ادعاء الحب القلبي،لأن حقيقة الحب
يعني العمل بتعاليم من تحب.
قال تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾7.
فطاعة النبي فرض محتم على الناس، كطاعة اللّه تعالى.
وواقع الطاعة هو: اتباع شرعته، وتطبيق مبادئه الخالدة.
أنظر كيف يحرض القرآن الكريم على طاعة النبي صلى اللّه عليه وآله، ويحذر من مغبة
عصيانه ومخالفته، حيث قال:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾8.
وقال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا
قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾9.
وقال سبحانه:
﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ* وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ
نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾10.
لنسمع لإمامنا أبي جعفر ماذا يقول لجابر: يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول
بحبنا أهل البيت.." إلى أن يقول: "فلو قال: إني أحب رسول
الله فرسول الله صلى الله عليه وآله خير من علي عليه السلام ثم لا يتبع سيرته ولا
يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله
وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عز وجل وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته،
يا جابر والله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة وما معنا براءة من النار
ولا على الله لاحد من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي ومن كان لله عاصيا فهو لنا
عدو، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع "11.
4- حق وادب ذكري
وذلك بالصلاة عليه عند ذكره، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا﴾12.
وعن رسول الله صلى الله عليه واله أن قوما من أصحابه سألوه عند نزول هذه الآية عليه
فقالوا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلى عليك؟ فقال: تقولون:"
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى
آل إبراهيم إنك حميد مجيد"13.
فبين رسول الله صلى الله عليه واله ان الصلاة عليه التي افترض الله عز وجل عليهم أن
يصلوها عليه، ملازمة للصلاة على اهل بيتهع.
وعن رسول الله صلى الله عليه واله:" لا تصلوا علي الصلاة
البتراء فقالوا وما الصلاة البتراء؟ قال تقولون " اللهم صل على محمد " وتمسكون بل
قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد"14.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول: اللهم صل
على محمد، فقال له أبي: يا عبد الله لا تبترها لا تظلمنا حقنا قل: اللهم صل على
محمد وأهل بيته15.
وقد دعانا الامام عليع الى الاكثار من الصلاة على النبي واله:"نحمده بالحمد الذي
ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل، خف ميزان ترفعان
منه وثقل ميزان توضعان فيه وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط
وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة، أكثروا من الصلاة على نبيكم "
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما "
صلى الله عليه وآله وسلم تسليما"16.
5- حق وادب خلقي
وذلك باحترام الرسول وتوقيره والدفاع عنه،يقول سبحانه:
﴿وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾17.
كلمة " تعزروه " مشتقة من مادة تعزير، وهو في الأصل يعني " المنع " ثم توسعوا فيه
فأطلق على كل دفاع ونصرة وإعانة للشخص في مقابل أعدائه.وكلمة " توقروه " مشتقة من
مادة توقير، وجذورها " الوقر " ومعناها الثقل.. فيكون معنى التوقير هنا التعظيم
والتكريم والاحترام.
ومن هنا نهى الله تعالى عن أفعال فيها عدم احترام لرسول الله صلى الله عليه واله:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا
بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
عَلِيم*ٌيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ
صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ
أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُون*إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ
أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ
قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ
يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ *وَلَوْ
أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾18.
وفي الاية ذكر خلقين:
الأول: عدم التقدم على الله ورسوله.
والمراد من عدم التقديم بين يدي الله ورسوله هو أن لا يقترح عليهما في الأمور، وترك
العجلة والإسراع أمام أمر الله ورسوله.
إن مسؤولية انضباط السائرين إزاء القادة وخاصة إزاء القادة الإلهيين تقتضي ألا
يتقدموا عليهم في أي عمل وقول ولا يعجل أحد عندهم.
وهذا ما يدعونا الى احترام علمائنا الربانيين لا سيما الولي الفقيه الذي هو امتداد
لخط النبوة والامامة.
الثاني: عدم رفع
الصوت عند رسول الله صلى الله عليه واله.
فقد جعل الله سبحانه رفع الصوت عليه سببا من اسباب حبوط العمل، وينبغي العلم ان هذا
الادب يجب التادب به في حياة النبي صلى الله عليه واله وبعد مماته ويكون هذا الادب
بعد مماته بالا يرفع المرء صوته عند زيارة قبره الشريف مثلاً.
وقال تعالى تأكيدا على احترام رسول الله:
﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ
كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ
لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم﴾19.
فهذا يعني انه عندما تدعون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فينبغي أن تدعوه بأدب
واحترام يليق بمنزلته، وليس كما تدعون بعضكم بعضا.
وسبب نزول هذه الآية يكمن في أن جماعة من المسلمين لم يتعلموا - بعد - الآداب
الإسلامية في التعامل مع الرسول صلى الله عليه واله، فكانوا ينادونه صلى الله عليه
واله بعبارة: يا محمد ! وهذا لا يليق بنداء قائد إلهي كبير. وتستهدف الآية تعليم
الناس أن يدعوا الرسول صلى الله عليه واله بعبارات رزينة وبأسلوب مؤدب، كأن يدعوه:
يا رسول الله، أو: يا نبي الله.
فحريّ بالمؤمن ان سمع هذا ان يتادب بهذا الادب فلا يذكر اسم نبيه صلى الله عليه
وسلم الا ومقرونا بكلمة رسول الله او نبي الله،بالاضافة الى قرنها بالصلاة عليه
واله.
خاتمة
ان الله سبحانه قال في كتابه الكريم:
﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾20
ومما يساهم في مجابهة المستهزئين قيام المسلمين بواجبهم بتادية الحقوق للنبي صلى
الله عليه واله، فعلى كل منا ان يعمل بواجبه حتى لا يكون مقصرا مع حبيب الله رسول
الله محمد صلى الله عليه واله.
اللهمّ زدنا محبّة لرسولك وأهل بيته الأطهار.
اللهم زدنا اتّباعاً لتعاليم رسولك وأهل بيته الأطهار.
اللهم زدنا توقيراً وتعزيراً لرسولك وأهل بيته الأطهار.
اللهم اعنا على تادية الحقوق لك ولانبيائك ورسلك ورسولك الخاتم واهل بيته والناس
اجمعين.
اللهمّ صلِّ على محمّد رسولك وعلى آله الأطهار وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
1 - بحارج17ص14
2 - التوبة24
3- بحارج17ص14
4 - النساء: 69
5 - البحار م 6 في باب وجوب طاعته وحبه.
6 - البحار م 6، باب وجوب طاعته وحبه، عن علل الشرائع.
7 - ال عمران 31
8 - الحشر: 7.
9 - الأحزاب: 36".
10 - النساء: 13 - 14.
11- أصول الكافي، ج 2، ص 74.
12- الاحزاب56
13 - دعائم الاسلام القاضي النعمان المغربي ج1 ص29
14 - الحدائق الناضرة المحقق البحراني ج8ص465 رواه عن ابن حجر في صواعقه.
15 - الكافي ج2ص495
16 - الكافي ج8ص19
17 - الفتح8-9
18 - الحجرات1-5.
19 - النور63
20 - الحجر 95