محاور الموضوع
1_تمهيد في معنى العبادة
2- الاستخفاف بالصلاة وعاقبته
3- صلاة غير مقبولة
4- هكذا تقام الصلاة وتؤثر أثرها
5- أثر العبادة
6- ولذكر الله أكبر
الهدف:
الحثّ على العبادة وخصوصاً الصلاة والعناية بها، وأدائها بشروطها الظاهرية والباطنية
تصدير الموضوع
يقول تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾
تمهيد
في الحقيقة إن كل تشريعات الإسلام سواء العبادية بالمعنى العام أم العبادية بالمعنى الخاص إذا ما التزم بها الإنسان فانه سيقترب من الله سبحانه،وسيحقق بذلك مصلحة نفسه والمجتمع وسيزيل المفاسد عن نفسه والمجتمع.وأهم العبادات الصلاة التي تشكل العبادة بالمعنى الأخص، وأهم أمر تؤديه الصلاة هي وقاية الإنسان من الوقوع في المحرمات، قال تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾1.
الاستخفاف بالصلاة
في الحديث: "ليس منّا من استخفّ بصلاته"2. حذّر الإسلام تحذيراً شديداً من التهاون بأمر الصلاة ويكفي في ذلك ما جاء عن السيدة الزهراء عليها السلام أنَّها سألت أباها صلى الله عليه واله فقالت: يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟
قال صلى الله عليه واله: "يا فاطمة: من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة، ست منها في دار الدُّنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره.فأما اللواتي تصيبه في دار الدُّنيا: فالأولى: يرفع الله البركة من عمره، ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله عزَّ وجلَّ سيماء الصالحين من وجهه، وكلّ عمل يعمله لا يُؤجر عليه، ولا يُرفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة ليس له حظ في دعاء الصالحين.وأما اللواتي تصيبه عند موته فأولاهنّ: أنه يموت ذليلاً والثانية: يموت جائعاً، والثالثة: يموت عطشاناً، فلو سُقي من أنهار الدُّنيا لم يرو عطشه.وأما اللواتي تصيبه في قبره فأولاهنّ: يوكّل الله به مَلِكاً يزعجه في قبره، والثانية: يضيِّق عليه قبره، والثالثة: تكون الظلمة في قبره.
وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره فأولاهن: أنه يوكّل الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، والثانية: يحاسبُ حساباً شديداً، والثالثة: لا ينظر الله إليه ولا يزكِّيه وله عذاب أليم3.
صلاة غير مقبولة
بعد أن عرفنا أن المستخف بصلاته يبوء بالحرمان من شفاعة الأئمة عليهم السلام نضيف هنا ما روي عن مولانا الصادق عليه السلام: "والله إنه ليأتي على الرجل خمسون سنة وما قبِل الله منه صلاة واحدة، فأيّ شيءٍ أشدّ من هذا؟ والله إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها، إن الله لا يقبل إلا الحَسَن فكيف يقبل ما يستخف به"؟!.4
صلاة التكاسل
يقول عزّ من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾5.
وفي تفسيرها قال الباقر عليه السلام: "لا تقم إلى الصلاة متكاسلاً ولا متناعساً ولا متثاقلاً فإنها من خُلَل النفاق وإن الله نَهَى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعني من النوم"6.
وفي حديث آخر: سألته عن قول الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى..﴾ قال عليه السلام: "... يعني سُكر النوم، يقول: وبكم نعاس يمنعكم أن تعلموا ما تقولون في ركوعكم وسجودكم وتكبيركم، ليس كما يصف كثير من الناس يزعمون أن المؤمنين يسكرون من الشراب والمؤمن لا يشرب مسكراً ولا يسكر"7. فإنه عليه السلام يعترض على تفسير الآية بالمسكر الخمري لأن الله تعالى ابتدأها مخاطباً المؤمنين.
هكذا تقام الصلاة وتؤثر أثرها
ينبغي لمن أراد أن تُرفع صلاته بالشكل اللائق أن يراعي عدة أمور منها:
1- الخشوع:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "يا كميل! ليس الشأن أن تصلّي وتصوم وتتصدق، إنما الشأن أن تكون الصلاة فَعَلت بقلب نقيّ، وعمل عند الله مرضيّ، وخشوع سويّ"8.
2- حضور القلب: عنه صلى الله عليه واله: "لا يقبل الله صلاة عبد لا يحضر قلبه مع بدنه"9، والخشوع متوقف على الحضور.
3- التدبّر: في الحديث: "صلاة ركعتين بتدبر خير من قيام ليلة والقلب ساهٍ"10.
4- أول الوقت: عن الصادق عليه السلام: "فضل الوقت الأول على الأخير كفضل الآخرة على الدنيا"11 ، وهناك أمور أخرى يمكن الرجوع إليها في مصادرها.
أثر العبادة
يقول تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾
يبين القران الكريم: أنَ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. حيث إنّها تذكّر بأقوى رادع للنفس، وهو الاعتقاد بالمبدأ والمعاد وبالنعم الإلهية وبأن الله هو الهادي إلى الطريق السوي الموصل إلى السعادة وأنه الأكبر والأعلى على الإطلاق.
ولا يمكن لأحد أن يصلي ولا تدع الصلاة فيه أثراً حتى لو كانت الصلاة صورية، وحتى لو كان ملوثاً بالذنب ! وبالطبع فإن مثل هذه الصلاة قليلة الفائدة ومثل هؤلاء الأفراد لو لم يصلوا صلاة كهذه لكانوا أسوأ مما هم عليه.
فالنهي عن الفحشاء والمنكر له سلسلة درجات ومراتب كثيرة، وكل صلاة مع رعاية الشروط لها نسبة من هذه الدرجات، وكلما كان الإنسان حاضراً للقلب خاشعاً متدبّراً في معاني الصلاة كلما نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر بل تخطى هذه الحالة إلى عروج إلى الله بحالات روحية يشتاق معها إلى الصلاة حتى تكون قرة عينه في الصلاة وراحته فيها.
في حديث عن النبي الأكرم محمد صلى الله عليه واله ورد أنه قال: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً"12.
كما نقرأ في حديث ثالث عنه صلى الله عليه واله أن شاباً من الأنصار أدىّ الصلاة معه، ولكنه كان ملوثاً بالذنوب القبيحة، فأخبروا النبي صلى الله عليه واله فقال: "إن صلاته تنهاه يوماً" 13ولذكر الله أكبر.
ويقول القرآن تعقيباً على ما ذكره من شأن الصلاة وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر "ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون". وظاهر الجملة هو بيان غاية وحكمة أخرى في الصلاة هو ذكر الله، فأذكار الصلاة، وأفعالها ومقدماتها، جميعها في الواقع تحيي ذكر الله في قلب الإنسان.! وما يشير إلى هذه الحكمة الأساسية من الصلاة، خطاب الله تعالى للنبي موسى عليه السلام قائلا: "وأقم الصلاة لذكري".
المقصود من ذكر الله
الهدف من ذكر الله تعالى هو التوجُّه بكلِّ وجودك إلى ذات الباري تعالى والذوبان فيه والاستغراق بجلاله وكبريائه وعظمته والشعور بحضوره ورقابته وإحاطته بكلِّ كيانك، ممّا ينعكس على سلوكك وعملك وأخلاقك,عن الإمام الصادق عليه السلام: "مِن أشدّ ما فرض الله مع خلقه ذكر الله كثيراً، ثمّ قال: لا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، وإن كان منه، ولكن ذكر الله عندما أحلّ وحرّم، فإن كان طاعة عمل بها، وإن كان معصية تركها"14.
الذكر الكثير وعلى كلِّ حال
وقد أمرنا الله سبحانه بالذكر الكثير وأن يكون على كلّ حال، يقول جلّ وعلا: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾15.
فاذا كان المنافقون كما في القران الكريم سبحانه: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَ قَلِيلاً﴾16.. فعلى المؤمن أن لا يترك فرصة لذكر الله تعالى إلا ويغتنمها سواء كانت سراء أو ضراء أو شدة أو رخاء، وكما عبرت بعض الروايات عليه أن لا يقصر في الذكر إلى درجة أن يموت ولسانه رطب بذكر الله.
خاتمة
إذا أردتم القرب من الله تعالى فعليكم بالصلاة الخاشعة ولا تكتفوا بذكر الله تعالى فيها فحسب بل عليكم بذكر الله دائماً لكي تترقوا في مدارج القرب والكمال فإن "العبادة حصن من الشيطان" وإذا تحصن الإنسان من الشيطان انتهى عن الفحشاء والمنكر وبالتالي عاش السعادة والسرور والطمأنينة مع الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة.
1- العنكبوت الآية 45
2 ـ الحدائق الناضرة، ج1، ص84.
3ـ مستدرك الوسائل، ج3، ص24.
4 ـ الوسائل، ج4، ص24، حديث 2.
5- النساء: 43.
6 ـ تفسير العياشي، ج1، ص242.
7 ـ م.ن.
8 ـ بشارة المصطفى، ص28.
9 ـ المحاسن، ج1، ص406.
10 ـ البحار، ج84، ص259.
11 ـ ثواب الأعمال، ج1، ص58.
12- تفسير مجمع البيان الشيخ الطبرسي ج8 ص29
13- م. ن.
14- أصول الكافي، الكليني، ج 2، ص 80، ح 4
15- الأنفال: 45
16- النساء: 142