محاور الموضوع
- مقدمــة
- دور المسجد تربوياً.
- المسجد هو اللبنة في بناء الدولة الإسلامية.
- ما يجب أن تكون عليه أسس المساجد.
- ولـكـنّ !!!
الهدف:
بيان أهمية دور المسجد في بناء البعد الإنساني وبيان ما آلت إليه بعض
المساجد قديما.
تصدير:
﴿افمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم منما يجب أن تكون عليه
أسس المساجد أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ فانهار به في نار جهنم﴾.
مقدمــــة:
يقف الإنسان بين التكامل
والتسافل في موقف الأشياء بين الوجود والعدم فأيُّ العلَّتيْن استكملت أجزائها
التامة اقتضت معلولها،وهكذا الإنسان في الحياة الدنيوية فإما انه يبدأ بمسيرته
التكاملية حتى يرتقي في سلّم الكمال وقوس الصعود إلى المنزلة التي يباهي الله
سبحانه وتعالى به ملائكته،بل ربما يصل إلى أن يكون يد الله ولسانه وسمعه كما في
الحديث القدسي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله تعالى قال: "انه
لايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره
الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، فبي يسمع" 1
وهكذا فربما يتسافل حتى تغدوالأنعام أشرف منه وأكمل كما جاء في قوله تعالى:
﴿إن هم
إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا﴾2
دور المسجد تربوياً:
لايخفى على ذي فكر وعلى
أهل الحِجَى الدور الريادي للمسجد في بناء الفرد والمجموعة تربوياً،إذ يُعتبر
المسجد هو المكان الرئيسي ليبدأ الإنسان رحلته التكاملية نحو الله سبحانه وتعالى من
خلال تذكية نفسه وتربية روحه وتجوهرها ليحلّ في ساحة القرب الإلهي والفوز بذلك،والى
هذه النقطه أشار مولى الموحدين وإمام المتقين وسيد السائرين وملهم العارفين مولانا
اميرالمؤمنين عليه السلام: "الجلسة في المسجد خيرٌ لي من الجلسة في الجنة فإن
الجلسة في الجنة فيها رضا نفسي والجامع فيه رضا ربي"3
وكذلك في المسجد يصيب أخاً مستفاداً، مما يوطّد علاقاته الاجتماعية،إذن هو الحقل
الطبيعي لبناء شبكة تواصل مع الآخرين على أُسس الإيمان والمحبة، وفيه يؤاخي
الأتقياء أو يصبح تقياً فيؤاخيه الآخرون الذين هم أفضل أهل الأرض بعد النبيين كما
جاء في وصية الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: "واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في
ظلمات الأرض وان أفنيت عمرك في طلبهم فإن الله عز وجل لم يخّلِ على وجه الأرض أفضل
منهم بعد النبيين"4. وكذلك يجد الإنسان ضآلته في المسجد على مستوى التنمية البشرية
إذ هو المدرسة والكلية والمعهد ليتعلم فيه أحكام دينه ويبني عقائده العلمية ويتعرف
على القيم الإنسانية والأدب والأخلاق وقد جُمعت في الخبر عن اميرالمؤمنين عليه
السلام كان يقول: "من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى ألثمان أخا مستفاد في الله، أو
علما مستظرفا، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يسمع كلمة
تدله على هدى أو يترك ذنباً خشية أو حياء".5
.المسجد هو اللبنة الأولى في بناء الدولة الإسلامية:
تُعتبر المدينة المنورة هي
المكان الأول لإقامة حكومة العدل الإلهي بقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأول لبنة في بناء هذه الدولة هو المسجد الذي شيّد بنيانه النبي الأعظم صلى الله
عليه وآله وسلم لحظة وصوله إليها حينما هاجر إليها، واعتُبر المسجد في زمانه هو
مجمعاً لكل الأنشطة المتعلقة ببناء الدولة المباركة، ولانغالي إن قلنا أصبح وأضحى
وأمسى مكاناً للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وبالنسبة للحروب والغزوات يمثل مركز قيادة القوات المسلحة فضلاً عن تربية المجتمع
قِيميّاً وأخلاقياً،ففي هذا يقول الإمام المقدس الخميني العظيم رضوان الله
عليه،"كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما يجلس في المسجد يقرب أصحابه
ويتحدث إليهم بكل تواضع بحيث لم يكن بمقدور القادمين من خارج المسجد والذين لم يروا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبل،التعرف على الرسول من الآخرين"6 وقال
أيضاً :"حينما كانت الصلاة تقام في المسجد كان المسلمون يفهمون تكليفهم من
خلالها،وكانت خطط الحروب توضَع في المسجد،ويتم فيه الإعداد والتخطيط لإدارة شؤون
البلاد"7.
ما يجب أن تكون عليه أسس المساجد:
إذا كان المسجد يمثل كل ما ذكر وما لم يُذكر فهو أكثر بكثير مما ذُكر فيجب أن تكون اُسسه مترسخة في التقوى، ويضحى ملاذاً للراغبين في طلب العلم والفضيلة، ويمسي مبعثاً للنور والمعرفة، وبعبارة أخرى يجب أن يكون للمسجد بابان يدخل إليه من أحدهما طلاب المعرفة ويخرج من الآخر العلماء القادة وأهل الفضل والكرامة،وهكذا نقرأ في التاريخ عن المساجد التي عمّرها القيمون عليها من مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مسجد قبا الذي اختلف إليه رجال يحبون أن يتطهروا8 إلى مسجد الكوفة الذي قال فيه الحسن بن علي الو شاء لأحمد بن عيسى دخلت المسجد رأيت فيه تسعماية شيخ وكلٌ يقول حدثني جعفر بن محمد الصادق عليه السلام إلى المسجد الذي تُسمّر فيه كرسي المرجعية لشيخ الطائفة وهكذا في كل زمان حتى زماننا الحاضر حيث يقول الإمام الخميني قدس سره: "اذهبوا إلى المساجد واملئوها إنها خندق، ينبغي ملء الخنادق. وقال: إنكم بذهابكم إلى المساجد وأداء الصلاة ستحيون هذه السنة السياسية كما تفعلون ذلك في صلاة الجمعة وقال: إن المساجد هي التي حققت النصر لأبناء شعبنا وهي مراكز حساسة ينبغي للشعب الاهتمام بها"9
ولـكـن!
هذا ما يجب ان تكون عليه المساجد في الأرض ولكن وللأسف رأينا ونرى الان أن هناك مساجد كثيرة بُنيت لمحاربة الرسالة ولتدمير القيم الأخلاقية وتحولت من مساجد جامعة إلى مساجد مفرّقة بين المسلمين، ومن كليات علمية إلى بؤر تصّدر ظلامية فاسدة ومفسدة وضالة ومضلّة، ولذا لا تستحق إلا الجرف وتحويلها إلى حيث تستحق، وهذه ليست بجديدة بل هي قديمة كمسجد ضرار الذي بناه المنافقون واعدوه لأبي عامر الراهب الذي هرب بعد فتح مكة وخرج إلى الروم وتنصر، وكان يتوقع هؤلاء رجوعه إليهم واعدوا له هذا المسجد ليصلي فيه ويظهر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم10 وقد وصفه القران الكريم بقوله: ﴿والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل﴾11، وكان مصيره أنه بعد عودة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة تبوك فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هدم المسجد وأحرقه وأمر أن يتخذ مكانه كناسة تلقى فيها الجيف والقمامة12. ومن نظائره ما تحدث عنه أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: "يأتي على الناس زمان مساجدهم عامرة من البناء، خراب من الهدى، سكانها وعمّارها شرّ أهل الأرض منهم تخرج الفتنة واليهم تأوي الخطيئة... إليها يقول الله تعالى: فبي حلفت لأبعثنّ على أولئك فتنة تترك الحليم فيها حيران"13. وهذا ما نشاهده اليوم في أولئك التكفيرين القتلة الذين يدعوّن التدين فأنهم خريجوا مساجد ضرار حتى بلغ بهم الأمر يفجرون أنفسهم في المساجد ليقتلوا روادها وأئمتها، وهذه سوف يكون مصيرها الانهيار لتصل إلى قعر جهنم لان بناؤها كان على شفا جرف هارٍ فانهار بهم.
والحمد لله رب العالمين
1- شرح إحقاق الحق، ج7، ص
452
2- سورة الفرقان الآية 44
3- سنن الإمام علي عليه السلام ، ص328
4- مصباح الشريعة،ص150
5- الخصال،ص409
6- الكلمات القصار،ص176
7- الكلمات القصار،ص175
8- إشارة إلى الآية:108،من سورة التوبة
9- الكلمات القصار: ص176-177
10- بإمكان مراجعة تفسير البيضاوي،ج,1،ص432
11- سورة التوبة الآية:107
12- تفسير جوامع الجامع،ص84
13- قصار الحكم،396