محاور الموضوع
1. ولاية علي عليه السلام تعني الطاعة والالتزام بالتكليف
2. كيف نكون شيعة لعلي عليه السلام
الهدف:
التعرّف على جوانب من اللوازم المترتبة على ولايتنا لأمير المؤمنين عليه السلام
تصدير:
روي عن أبي جعفر عليه السلام، قال: "لا تذهب بكم المذاهب، فوالله ما شيعتنا إلاّ
من أطاع الله عزّ وجلّ"1
ولاية علي عليه السلام تعني الطاعة والالتزام بالتكليف:
لا شكّ بأنّ ولاية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته فريضـة ثابتة من الله
تعالى على عباده؛ بمعنى متابعتهم والإئتمام بهم، وأنّها شرط في صحّة الأعمال
وقبولها فلا يصحّ عمل أحد من المكلّفين، ولا يقبله الله إلاّ بها، ،ولكن تصرّح
النصوص بأنّ ولاية أهل البيت عليهم السلام لا تتحقّق إلاّ بطاعة الله، ولا تُنال
إلاّ بالورع عن محارم الله، وإنّ المطيع لله هو الوليّ لهم، والعاصي لله ليس لهم
بوليّ.
روي عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل، قال: "يا جابر! والله ما نتقرّب إلى
الله تبارك وتعالى إلاّ بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من
حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال
ولايتنا إلاّ بالعمل والورع"2. وهذا ما نفهمه من معنى الولاية؛ لأنّها
بمعنى المتابعة في الأقوال والأفعال، والعاصي لله ليس بتابع أهل البيت عليهم السلام،
بل هو مخالف لهم؛ لأنّهم لا يعصون الله تعالى.
وقال العلاّمة الطباطبائيّ في معنى الولاية: والولاية وإن ذكروا لها معانٍ كثيرة،
لكِنَّ الأصل في مَعْنَاهَا ارْتِفَاعُ الْوَاسِطَةِ الْحَائِلَةِ بَيْنَ
الشَّيْئَينِ بِحَيْثُ لاَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَا لَيْسَ مِنْهُمَا. ثمّ استعيرت
لقرب الشيء من الشيء بوجه من وجوه القرب كالقرب نسباً، أو مكاناً، أو منزلة، أو
بصداقة، أو غير ذلك.
كيف نكون شيعة لعلي عليه السلام:
لنكون شيعة لأمير المؤمنين عليه السلام ينبغي أن ندخل إلى مدرسته نتعلّم منها
الدروس والعبر في العقيدة والإيمان والسلوك والحياة، وفيما يلي مجموعة هامة من هذه
الدروس:
علي مع الحق والحق مع علي:
وضوح الحقّ: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ
سَبِيلَ الْحَقِّ وَأَنَارَ طُرُقَهُ، فَشِقْوَةٌ لَازِمَةٌ أَوْ سَعَادَةٌ
دَائِمَةٌ"3. نعم إنّ الله تعالى أوضح للناس طرق الحق وجعل عليها
الدلائل والأعلام، فالإنسان على بيّنة تامّة إن أراد الرشد والهدى، إذ: "إِنَّ
السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ، وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ لَهَا
أَعْلَامٌ"4 و"إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ لِلْخَيْرِ
أَهْلًا وَلِلْحَقِّ دَعَائِمَ"5، والله تعالى لم يبق لأحد عذراً،
إذ أنّه كما قال عليه السلام: "قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ،
وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ لَكُمْ مَحَابَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ
وَمَكَارِهَهُ مِنْهَا لِتَتَّبِعُوا هَذِهِ وَتَجْتَنِبُوا هَذِهِ"6.
وعليه فإنّ الإنسان الذي يريد أن يتمسّك بالحق ويكون على الحق ومع الحق، لا بدّ وأن
يأخذ بمحابّ الأعمال ويدع مكارهها، فقد قال عليه السلام في مكان آخر:
"فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ أَعْلَاماً وَاضِحَةً وَسُبُلًا نَيِّرَةً وَمَحَجَّةً
نَهْجَةً، وَغَايَةً مُطَّلَبَةً، يَرِدُهَا الْأَكْيَاسُ، وَيُخَالِفُهَا
الْأَنْكَاسُ، مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ الْحَقِّ"7. ولذا
يقول عليه السلام: "مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ"8.
كيفيّة الوصول إلى الحقّ
ربما يُتساءل ويقال: صحيح أنّ الحقّ واضح وله علامات، والمطلوب منّا متابعته لنكون
من أهل الحقّ ومن أهل النجاة، ولكن هل هناك طرق للوصول إليه؟! أو هل هناك أمور نعمل
بها لنروّض النفس عليها ولتصبح من أهل الحقّ؟! ونقول في الجواب: نعم، قد وردت
الإشارة في نهج البلاغة إلى عدّة أمور توصلنا إلى الحقّ لا محالة، وهي كالتالي:
بالجد والاجتهاد: عن الإمام علي عليه السلام: "لَا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلَّا
بِالْجِدِّ"9.
والالتزام بأوامر الله، عن الإمام علي عليه السلام: "قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ
الْقُلَّبُ10 وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ
اللهِ وَنَهْيِهِ، فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا،
وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لَا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ"11.
وترك الهوى، عنه عليه السلام: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ
عَلَيْكُمُ اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ، فَأَمَّا اتِّبَاعُ
الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ"12.
الإيمان في مدرسة علي عليه السلام:
يظهر من سياق العبارات أنّ أمير المؤمنين عليه السلام استعمل الإيمان والإسلام
بمعنى متقارب، وإن كان هناك بعض الفرق بينهما من حيث العموم والخصوص، إذ أنّ
الإيمان في البداية عقد القلب على الشيء أما الإسلام فهو المنظومة المتكاملة للسلوك
الإيماني، وعلى كل حال فأوّل ما يجب على الإنسان بعد معرفة الخالق أنّما هو الإيمان
به كما قال علي عليه السلام: "فَرَضَ اللَّهُ الْإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ
الشِّرْكِ"13. وقال عليه السلام: "الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ
بِالْقَلْبِ وإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ"14.
وقال عليه السلام: "عَلَامَةُ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ
يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ وأَلَّا يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ
عَنْ عَمَلِكَ وأَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ"15.
ويبيّن عليه السلام أنّ درجات الإيمان متفاوتة قال: "فَمِنَ الْإِيمَانِ مَا
يَكُونُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي الْقُلُوبِ ومِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِيَّ
بَيْنَ الْقُلُوبِ والصُّدُورِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِذَا كَانَتْ لَكُمْ
بَرَاءَةٌ مِنْ أَحَدٍ فَقِفُوهُ حَتَّى يَحْضُرَهُ الْمَوْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ
يَقَعُ حَدُّ الْبَرَاءَةِ"16.
علي عليه السلام يحذّر شيعته من ارتكاب الذنوب:
نظراً للآثار السلبية التي تتركها الذنوب في النفس، وما يترتّب عليها من الجزاء في
الدنيا والآخرة، حرص علي عليه السلام على تنبيه شيعته من ارتكاب الذنوب والخطايا
فروي عنه عليه السلام محذّراً أصحابه: "احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ
وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ"17. ومن جملة الذنوب الاستخفاف بها، قال
عليه السلام: "أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَهَانَ بِهِ صَاحِبُهُ"18.
ثم عدّد لهم الذنوب موضحاً آثارها:
فمنها الكبر والحسد قال عليه السلام: "الْحِرْصُ وَالْكِبْرُ وَالْحَسَدُ دَوَاعٍ
إِلَى التَّقَحُّمِ فِي الذُّنُوبِ وَالشَّرُّ جَامِعُ مَسَاوِئِ الْعُيُوبِ"19.
ومنها الرياء، قال عليه السلام: "وَاعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ"20.
ومنها الخيانة في الأمانة، قال عليه السلام: "وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالْأَمَانَةِ
وَرَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ وَلَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ وَدِينَهُ عَنْهَا فَقَدْ
أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الذُّلَّ وَالْخِزْيَ"21.
الدنيا قنطرة في مدرسة علي عليه السلام:
الدنيا ليست هي الهدف ولا هي الغاية والمنتهى، وإنّما هي قنطرة يعبر عليها الإنسان
ليصل إلى داره ومقره الأساسي، قال أمير المؤمنين عليه السلام تأكيداً لهذا الأمر:
"الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، وَلَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا"22.
وهي أيضاً: "دَارُ مَمَرٍّ لَا دَارُ مَقَرٍّ"23 وكما أوصى ابنه الحسن عليه السلام:
"وَأَنَّكَ فِي قُلْعَةٍ، وَدَارِ بُلْغَةٍ، وَطَرِيقٍ إِلَى الْآخِرَةِ"24.
وقد أتينا إلى الدنيا لنُختبر فيها ونُبتلى بها، قال عليه السلام: "إِنَّ اللَّهَ
سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا، وَابْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا،
لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَلَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا، وَلَا
بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا، وَإِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَي بِهَا"25.
لذا يجب على الإنسان التزوّد من هذه الدار، إذ فيها الماء والكلأ، وبها تحرز الآخرة
قال عليه السلام: وقال عليه السلام: "إِنَّ الدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ
دَارَ مُقَامٍ، بَلْ خُلِقَتْ لَكُمْ مَجَازاً لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا الْأَعْمَالَ
إِلَى دَارِ الْقَرَارِ"26.
علي عليه السلام مع الجماعة:
أكّد عليه السلام على لزوم الجماعة، قال: "وَالْزَمُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ،
فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ
الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ، كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ
لِلذِّئْبِ"27.
1- الكليني، الكافي،
ج2، ص73.
2- الكليني، الكافي، ج2، ص74.
3- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 157.
4- م.ن، الخطبة رقم: 164.
5- م.ن الخطبة رقم: 214.
6- م.ن الخطبة رقم: 176.
7- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 30.
8- المصدر نفسه، قصار الحكم: 174.
9- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 29.
10- الحول القلّب: الذي قد تحوّل وتقلّب في الأمور وجرّب، وحنّكته الخطوب والحوادث.
11- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 41.
12- م.ن الخطبة رقم: 42.
13- م.ن قصار الحكم: 243.
14- م.ن قصار الحكم: 217.
15- م.ن، قصار الحكم: 446.
16- م.ن، الخطبة رقم: 189.
17- م.ن، الخطبة رقم: 82.
18- م.ن قصار الحكم: 465.
19- م.ن، قصار الحكم: 360.
20- م.ن، الخطبة رقم: 85.
21- نهج البلاغة، الكتاب رقم: 26.
22- نهج البلاغة، قصار الحكم: 451.
23- م.ن، قصار الحكم: 126.
24- م.ن، الكتاب رقم: 31.
25- م.ن، الكتاب رقم: 55.
26- م.ن، الخطبة رقم: 132.
27- م.ن، الخطبة رقم: 127.