العَداوةُ والشَّتْمُ ومخَاطرهما
"ما أرضىَ المؤمن ربَّه بمثل الحلم"
محاور الموضوع
• توطئة
• عدم المعاداة عَهْدُ الله إلى نبيه
• أثار المعاداة
• بذور المعاداة
• استطلاع الأعداء
• وسائل الاستطلاع
• الحلم إكسير العداوة
الهدف:
بيان مخاطر العداوة على نفس الإنسان وسلوكه وعلى العلاقات الاجتماعية.
تصدير:
فال داود لابنه سليمان عليهما السلام:
"لا تَستَقلّنَّ أن يكون لك عدوٌ واحدٌ، ولا تَستَكْثرنَّ أن يكونَ لك ألفُ صديق"*
توطئة:
المعاداة والخصومة معضلة اجتماعية وآفة نفسانية إذ أنها تفكّك المجتمع وتحول دون
تماسكه، وتقضي على كل مظاهر التعاون والتعاضد بين أفراده، والمعاداة تضعِّف الأسس
البنيوية للمجتمع، وتهدِّد سقوط السقف على رؤوس أفراده وساكنيه، هذا من جانب ومن
جانب آخر فإنها تفسد النفوس وتلوث القلوب، وتورث النفاق، إذ ينبغي على الإنسان أن
يمتلك سلاح الحلم ليسكنَ غضبه على من جهل عليه ثم يستعمله ثانية ليستصلح اعداءَه
بحُسن المَقال وجميل الأفعال.
عدم المعاداة عهد الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم :
كل الذي كان يتحمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أذية الأفراد والمجموعات فليس
من باب الخوف منهم أو الوهن والعياذ بالله، بل دفع السيئ بالحسن كان من موقع القوة
والسؤدد لما له من أثار مهمة في نفس العدو على مستوى الانقلاب وحدوث ثورة داخلية
عظيمة تحوّله من خصم لدود إلى وليٍّ ودود وقد أشار القران الكريم إلى هذا الدفع
بقوله: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾1.
وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "ما عهد اليّ جبرائيل في شيء
ما عهد إليّ في معاداة الرجال"2.
أقول لايوجد هناك شيء أكثر فساداً من معاداة الناس من قِبَل الذين يحملون رسالة
إلهية، إذ مهمتهم ودورهم إخراج الناس من الضلالة إلى الهدى، وإزاحة غشاوة الباطل عن
الأسماع والأبصار والأفئدة، ومن المعلوم انه لا يُقبل منهم شيء من قول أو لا يقتدي
بفعل لهم مع رفض الناس لهم وعدم الرضا عليهم.
حَصْدُ الشرِّ من نفوس الآخرين يبدأ بقلعه من نفسك:
لا يعقل الطلب من الآخرين بحصد الشرور والمعاداة من أنفسهم مع انطوائه على معاداة
الآخرين، فالخطوة الأولى في إزالة الشرّ وحصده من النفوس للتوصل إلى عالم محكوم
بالمودة والمحبة بأن يبادر كل فرد بقلع الشرّ من صدره، وبعبارة أخرى فالمبدأ الأول
هوالتخلية وتطهير النفس من هذه الأمراض المعضلة وإزاحة هذه الحجب الظلمانية ليكون
له لياقة الدعوة إلى بناء علاقات اجتماعية محكومة بالمحبة والود، بل أكثر من ذلك
فإن مجرد حصد العداوة من صدره غير كافٍ لنشر المحبة فكيف يعطي المرء الشيء وهو
فاقده، او يأمر الآخرين بما لم يفعله أو يتصف به، بل لابدَّ من الانتقال إلى
المرحلة الثانية ألا وهي التحلّي بصفات الرحمة والمحبة والمودة التي تنور النفس
وتجعل له نوراً يمشي فيه بين الناس، فعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: "من
اضمر الشر لغيره فقد بدأ به نفسه".3 وقال: "إياك وملابسة الشر
فانك تنيله نفسك قبل عدوك وتهلك به دينك قبل إيصاله إلى غيرك".4
أثار المعاداة:
لا يخلو أيُّ عمل من أثار ايجابية أو سلبية دنيوية أو أخروية، وعلى الفرد أو
المجتمع وعلى النفس، والآثار هي:
أ- من شِيَم الجُهَّال:
مجرد أن يعادي المرء الناس يكشف عن كونه جاهلاً، وليعلم صاحب النفس العدائية انه لم
تصب عداوته خصمائه وإنما بدأت به فأوقعته في الجهل والى ذلك أشار أمير المؤمنين
عليه السلام بقوله: "معاداة الرجال من شيم الجهّال".5 وقال عليه
السلام: "رأس الجهل معاداة الناس"6.
ب- من سوء الاختيار:
المعاداة ليست سبيلاً صحيحاً يسلكه الناس، ومن اختار العداوة على التفاهم فقد أساء
اختياره فلا داعي لمغالبة الأكفاء، ومكاشفة الأعداء ومناوأة النظراء، ويدل عليه ما
جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "من سوء الاختيار مغالبة الأكفاء
ومعاداة الرجال".
ج- مورّثة للمعرّة ومبدية للعورة:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام محذراً من المعاداة بقوله: "إياك وعداوة
الرجال فإنها تورث المعّرة وتبدي العورة".7
د- مظهرة للغرّة ودافنة للعزة:
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إياكم ومشاجرة الناس فانها تظهر الغرة
وتدفن العزة"8
هـ- مسقطة للمروة:
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من لاحى الرجال سقطت مروتّه". 9
و- مفسدة للقلب، مورثة للنفاق:
فعن الإمام الباقر عليه السلام: "إياكم والخصومة فإنها تفسد القلب وتورث النفاق".10
بذور المعاداة وحصادها:
بذور المعاداة ثلاثة: قلة المبالاة، والمزاح، والانتقاد، وحصاده واحد وهو الخسران11
استصلاح الأعداء:
ليس من الصواب بل من الحماقة أن تكون حسابات الرجل في العداوة والمحبة على حسابات
رياضية بمعنى أن يضيف الأعداء والأصدقاء محاولاً أن يكون عدد أصدقائه أكثر من
أعدائه هذا غبن ومن أسوء الاختيارات والخيارات عند الإنسان، بل يجب أن يعمل على أن
تكون نسبة العداوة هي صفر، وينبغي وضع خارطة له بأن يحافظ على أصدقائه ثم يرفع من
نسبة هذه العلاقة معهم ثم يزيد في عددهم وقد نظمه أمير المؤمنين عليه السلام في بيت
شعر حيث قال:
وليس كثيراً ألف خلنّ وصاحب*** وإنَّ عدواً واحداً لكثير.
وسائل الاستصلاح:
إن الوسائل التي يتمّ الاستفادة منها حسن المقال وجميل الأفعال وحسن الثناء عليهم
والمحاسنة وإعلان الرضا، كما هو مضمون مجموعة من الأخبار منها ما جاء في وصية لقمان
لابنه: "يابني ليكن مما تتسلح به على عدوك وتصرعه المماسحة وإعلان الرضا عنه ولا
تزاوله بالمجانبة فيبدو له ما في نفسك فيتأهب لك"12
الحلم إكسير العداوة:
لا وسيلة أوصل ولا دواء أنجع في المعاداة والمخاصمة من بدايته إلى نهايته انفع
وافعل من الحلم فطوبى لمن تحلى به فهو من الناجين والفائزين، وقد ورد أن ذات يوم
رام قنبر أن يشتم شاتمه فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : "مهلاً ياقنبر دع
شاتمك مهاناً ترضي الرحمان وتسخط الشيطان وتعاقب عدوك فو الذي فلق الحبة وبريء
النسمة ما أرضى المؤمن ربه بمثل الحلم، ولا اسخط الشيطان بمثل الصمت ولا عوقب
الأحمق بمثل السكوت عليه"13
* بحار الأنوار-ج71-ص 246
1- سورة فصلت، الآية 34
2- الكافي:ج 2-ص302
3- غرر الحكم
4- المصدر نفسه
5- المصدر نفسه
6- المصدر نفسه
7- بحار الانوار-ج-75-ص211
8- بحار الانوار-ج75-ص-210
9- المصدر نفسه
10- بحار الانوار-ج78-ص186
11- هي مضمون عدة رويات.
12- بحار الانوار-ج75-ص393
13- بحار الانوار-ج-71-ص 424 وامالي المفيد-ص96