أيها الشباب أنتم ودائع العلم،
وذخائر الأمة
محاور الموضوع
الفقدان الحقيقي.
الفقدان الحكمي.
الشباب توأم العافية.
الشباب أسرع إلى كل خير.
الشباب أهم الذخائر.
الشباب ودائع العلم.
الهدف:
بيان أهمية مرحلة الشباب على مستوى العلم والعبادة والجهاد.
تصدير:
"إذ انتم صغار قوم - أن تصبحوا كبار قوم آخرين".
تمهيد:
عن ابن أبي ليلى انه قال للإمام الصادق عليه السلام أي شيء أحلى مما خلق الله عزّ
وجلّ؟ فقال عليه السلام :"الولد الشاب" فقال: أي شيء أمرُّ مما خلق الله عزّ وجلّ
فقال عليه السلام : فقدُهُ (1).
هذا التوصيف الحقيقي لموقع الشاب في الأسرة وفي المجتمع، إذ الإمكانات والطاقات
التي يحملها الإنسان في مرحلة الشباب هي غيرها في أي مرحلة أخرى سواء كانت سابقة
على مرحلة الشباب أو كانت لاحقة، ففي سن الطفولة لم تنضج بعد القوى العقلية
والروحية والبدنية له، وهكذا فان تلك القوى يصيبها الوهن والخور، ولأجل هذه الحيثية
جاء وصف الإمام الصادق عليه السلام مستعملاً صيغة التفضيل بقوله في مقام الجواب (بالأحلى)
وبطبيعة الحال فإن فقد الإمكانات والطاقات المذكورة بفقدان الشاب يحول الحلاوة إلى
نقيضها المرّ وقد وصف الله مرحلة الشباب بالقوة حيث قال سبحانه وتعالى:
﴿ اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ
مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ
الْقَدِيرُ ﴾(2).
فقدان القوة له صورتان:
يمكن تصور الفقدان في صورتين:
الصورة ألأولى:
الفقدان الحقيقي يتم بالموت لأن الشاب من المتوقع منه أن يكون مصدر عون لوالديه
ومصدر أنس لزوجته ومصدر نفع لأقاربه ولجيرانه ولعموم مجتمعه، جاء في وصية أمير
المؤمنين عليه السلام لولده الإمام الحسن عليه السلام حيث قال له:" وجدتك بعضي بل
وجدتك كلي حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي"(3). أما بالنسبة لأسرته فهو القيّم والحامي والحصن، وبموته تصبح الأسرة مكشوفة ومهددة
وأما بالنسبة للمجتمع فهو العنصر الفعّال والمؤثر والمنتج وليس الكالّ أو المستهلك
فحسب.
الصورة الثانية:
الفقدان الحُكمي ومعناه بقائه على قيد الحياة مع تعطيل مكامن القوة فيه فبدلاً من
أن يكون معيلاً لغيره فيصبح محتاجاً إلى من يعيله، وبدلاً من أن تتقوى به الأسرة
فتغدو هي مصدر قوته، والحال أنها ضعيفة، والمأمول منه أن يكون فرصة مهمة لينتفع به
المجتمع .
الشباب توأم العافية:
ومما أشرنا إليه سابقاً من أن قوة المرء لا تتحقق إلا في مرحلة الشباب وبإمكانه أن
يسخرها فيما يشاء كيف شاء بما يشاء، فإذن هي نعمة إلهية أُفيضت عليه والإنسان لا
يعرف فضلها إلا عند فقدانها والنعمة من الأمور التي يُسأل عنها ويُحاسب عليها إن
ضيعّها، فالشباب كالعافية، فمن كان يتمتع بصحة تامة يشعر بهناّة المعيشة وطيب
الحياة ويتذوق حلاوة ما يناله منها ويلتذّ بما يصيبه فيها، وأما لو فقد العافية
وابْتُليَ بالمرض فبطبيعة الحال سوف يفقد كل هذه الأمور المذكورة. فالشباب والعافية
توأمان في النعمة والمسائلة في الدنيا والآخرة ويدل عليه ما ورد عن مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام حيث قال "شيئان لا يعرف فضلهم إلا من فقدهما، الشباب والعافية"(4) ويدل على كونهما نعمتين يسأل عنهما يوم القيامة ما ورد عن علي عليه السلام أيضاً
حيث قال: "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع... وعن شبابه في ما
أبلاه"(5) ومما جاء في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ حينما أوصاه "يا
علي بادر بأربع قبل أربع:شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك..."(6).
كيف نحصن الشاب في شبابه
لقد رسم لنا الإسلام الطريق القويم لمسار حركة الشباب وبيّن الأشياء التي يجب أن
يحافظ عليها الشاب في مرحلة شبابه وأشير إليها على النحو التالي:
أ- الشباب أسرع إلى كل خير:
الحرص والطمع صفتان تولدان في الإنسان، وتورث الانطواء على الذات وتوقعانه في حب
الأنا، وهما مفتحا كل شرّ وهما تصيبان غالباً الكهل والهرم ونادراً ما تصيبان الشاب،
ولذا فيكون قلبه نقياً من الأمراض الروحية القاتلة ولذا فانه يبادر إلى كل خير سواء
أكان حقيراً أم خطيراً فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام انه سأل يوماً الأحول
قائلاً له: "أتيت البصرة"؟ قال نعم، قال عليه السلام "كيف رأيت مسارعة الناس في هذا
الأمر ودخولهم فيه"؟فقال: "والله إنهم لقليل ولقد فعلوا ذلك وان ذلك لقليل، فقال:
عليك بالإحداث فإنهم أسرع إلى كل خير"(7).
ب- الشباب ودائع العلم:
يحتاج التعلم إلى قدرات ذهنية خاصة، وتبلغ ذروتها على مستوى الحفظ والاستيعاب وقلة
النسيان والضبط في مرحلة، فكما أن الوهن يصيب الجسد فكذلك يصيب الذهن، ولذا نجد أن
الإنسان كلما تقدم في العمر يقلّ ضبطه إلى درجة لم يعد يتذكر ما فعله قبل ساعة
وأحياناً يأتي بأفعال دون تعقل فهذا يصعب عليه إلى حد الاستحالة أن يتعلم شيئاً،
ولذا فمرحلة الشباب هي المرحلة التي تؤهله للتعلم وعليه في هذه المرحلة الإكثار
وحفظ ما يجب حفظه من قرآن أو حِكَم أو أشعار أو قصص أو غير ذلك، ومن أجمل الصور
للتفريق بين مرحلتي الشباب والكهولة في طلب العلم ما ذكره النبي صلى الله عليه وآله
وسلم حيث قال: "من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر ومن تعلم وهو كبير كان
بمنزلة الكتابة على وجه الماء"(8) وعن مولانا الإمام الباقر عليه السلام قال: "كان
أبي زين العابدين عليه السلام إذا نظر إلى الشباب يطلبون العلم، أدناهم إليه وقال،
مرحباً بكم انتم ودائع العلم، ويوشك إذ انتم صغار قومٍ أن تصبحوا كبار آخرين"(9)
من وصايا القائد:
لا ينبغي للطالب أن يدع الكتاب جانباً، فليقرأ وليطالع في مرحلة الشباب وليكن حاله
دائماً،املئوا وعاء الذاكرة هذا الذي ليس له حد قدر المستطاع في مرحلة الشباب فكل
ما أودعناه في ذاكرتنا في مرحلة الشباب ما زال موجوداً اليوم، وكل ما نحصل عليه في
مرحلة الشيخوخة حيث انني أنا العبد ألان في هذه الأيام مع كل ابتلائي أطالع أكثر من
الشباب، فانه لا يبقى، انتم ألان شباب فادخروا ما أمكنكم من المعلومات القيمة
والمفيدة والضرورية.
ج- أهم الذخائر هو الشاب المتعلم:
يقول سماحة القائد: إن من أهم ذخائرنا القيمة هو هذا الجيل الشاب المتعلم، وهذا
الجيل هو جيل شجاع ومفعم بالأمل والنشاط والحركة فإذا ما استطعنا أن نحافظ على
الجيل الشاب الذي لدينا اليوم، للسنوات العشر الآتية ولما بعدها من حقب ومراحل،
فستحل كل مشاكل البلد، ومع كل هذا الاستعداد والنشاط والشوق الموجود في جيل الشباب
د- الشاب العابد يُباهى به الملائكة:
تبلغ الشهوات في مرحلة الشباب الذروة فمن وفق منهم وسيطر على شهواته وسخرها في طاعة
الله سبحانه وتعالى تعرج به روحه إلى مقام يباهي به الملائكة سبحانه وتعالى، وقد
ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ان أحبّ الخلائق إلى الله عز وجل شاب
حدث السن في صورة حسنه جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمان
ملائكته، يقول: هذا عبدي حقاً"(10) وفي خبر آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم "ما من
شاب يدع لله الدنيا ولهوها واهدم شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله اجر اثنين
وسبعين صديقاً"(11)
هـ - أصحاب المهدي شباب:
مما لاشك فيه أن أعظم حركة تغييريه في تاريخ البشرية حجماً هي حركة الإمام المهديّ
وانه ليعتمد على عنصر الشباب في هذه الحركة وقد دل عليه ما ورد عن الإمام علي عليه
السلام حيث قال: "أصحاب المهدي شباب لا كهول فيهم إلا كمثل كحل العين والملح في
الزاد واقل الزاد الملح"(12) والذي نشاهده اليوم فان حركة المقاومة التي غيرت
المعادلات في العالم أنها تعتمد بصورة رئيسية على الشباب لما يملكون من قدرات عقلية
ومهارات بدنية ورباطة جأش روحية وثبات في الموقف والميدان.
والحمد لله رب العالمين.
(1) -الفقيه الصدوق-ج-1ص-188
(2) الروم الاية-54-
(3) نهج البلاغة من وصية له لولده الامام الحسن عليه السلام -ص-505
(4) غرر الحكم
(5) الخصال الصدوق-ص-253
(6) الفقيه-ج4-ص357
(7) بحار الانوار-ج-23-ص-236
(8) بحار الانوار-ج-1ص-222
(9) الدر النظيم-587
(10) كنز العمال-ج-43103
(11)بحار-ج-77-ص-84 وكنز العمال ج-43105
(12) الغيبة النعماني-ص330