محاور الموضوع
- العزة والشموخ في اللغة.
- العزة في القرآن.
- العزة لله للرسول وللمؤمنين.
- العزة في كربلاء الحسين عليه السلام .
- مذهب الحسين عليه السلام القرآني يصون العزة للمؤمنين.
- عزة الحسين عليه السلام في عاشوراء حفظت كرامة الإنسانية.
الهدف:
التعرّف على جوانب العزة والشموخ في المذهب الحسيني.
تصدير:
قال تعالى: ﴿
مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾
(فاطر: 10).
العزة والشموخ في اللغة:
العزة عند علماء اللغة هي القوة والشدة والمغالبة والممانعة، في لسان العرب: يقال:
إنّ هذا الحصن منيع، بمعنى أنّ هذا الحصن بالغ من القوة والعزة إلى حد بحيث لا يمكن
لأحد أن ينال منه، ورد في سورة ياسين في قوله تعالى: (فعززنا بثالث) أي قوّينا
وشددنا ظهورهما برسول ثالث. والشموخ من العلو والارتفاع، يقال: شَمَخَ الْجَبَلُ:
عَلاَ، اِرْتَفَعَ، شَمَّ (1) ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ﴾
.
العزة في القرآن
العزة من أوصاف الله تعالى وأسمائه، وقد تكرّر وصف الله تعالى [الْعَزِيزُ] في
القرآن ما يقرب من تسعين مرة. و[الْعَزِيزُ] أي: الغالب القوي الذي لا يغلبه شيء
وهو أيضاً المعز الذي يهب العزة لمن يشاء من عباده. والإيمان بهذا الاسم يعطي
المسلم شجاعةً وثقةً كبيرةً به, لأنّ معناه: أنّ ربه لا يمانع ولا يرد أمره وأنّه
ما شاء كان، وإن لم يشأ الناس، وما لم يشأ لم يكن وإن شاء الناس.
وقد أشار الله في كتابه المجيد إلى أنّ العزة خلق من أخلاق المؤمنين التي يجب أن
يتحلوا بها ويحرصوا عليها فقال: ﴿ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ
لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
(2) .
العزة لله جميعاً:
أكثر من آية حصرت العزة لله وحده وأنه هو الذي يملك العزة وهو ربها:
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
(3).
﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ ﴾
(4). فإنّنا نرى الآيات القرآنية تحصر العزة بالله سبحانه وتعالى، ولا
يحق لأحد أن يدّعيها من دونه.
العزة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنين الحسينيين:
السؤال الذي يطرح نفسه إذا كانت العزة لله جميعاً وهو مالكها وربها فكيف حينئذ تكون
للرسول وللمؤمنين؟ كما في الآية المباركة التالية: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ
وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
. فهذه
الآية كما تعطي العزة لله كذلك تعطي العزة للرسول وللمؤمنين، بينما الآيات
المتقدّمة تجعلها لله وحده .
والجواب: أنّ هذا الحق له وهو مالكه ومتصرّف فيه كيف شاء فله أن يعطيه من يشاء من
خلقه.
كما إنّ صفة العزة ليست صفة مستحيل أن يتّصف بها العبد إذا كان برضا من الله ومنة
منه. قال السيد الطباطبائي: وبذلك يظهر أنّ قوله: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ
فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾
ليس بمسوق لبيان اختصاص العزة بالله بحيث لا
ينالها غيره، وأنّ من أرادها فقد طلب محالاً وأراد ما لا يكون، بل المعنى من كان
يريد العزة فليطلبها منه تعالى لأنّ العزة له جميعاً لا توجد عند غيره بالذات(5).
فلا بد حينئذ للذي يريد العزة أن يطلبها من الله فقط لأنّها له وهو مالكها، ولا يصح
أن يطلبها من أحد غيره وإلا خسر.
وهذا ما جعل من ثورة الإمام الحسين عليه السلام ومعركته في كربلاء تجسّد أرقى معاني
العزة والكرامة والعلو والشموخ، لكن على الظالمين الذين سلكوا دروب الشيطان في
حكمهم وسياستهم مع الناس. ولهذا فإنّ عزّ الحسين عليه السلام من عز الله تعالى، ورد
في دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام : «يا من خص نفسه بالسمو والرفعة وأولياؤه
بعزة يعتزون، يا من جعلت له الملوك نير المذلة على أعناقهم فهم من سطوته خائفون»(6).
العزة في كربلاء الحسين عليه السلام :
العزة الحقيقية والعزة المستمدة من الله سبحانه وتعالى وهي التي جعلت الإمام الحسين
عليه السلام يقف ذلك الموقف في ساحة كربلاء، هي التي جعلت العباس عليه السلام يقف
ذلك الموقف عند المشرعة، لا يوجد تفسير آخر يمكن أن نفلسف من خلاله الحسين عليه
السلام في عاشوراء، ولا يوجد أي تحليل في العالم نستطيع من خلاله فهم واقعة كربلاء
أو معرفة عمق ثورة الإمام الحسين عليه السلام إلا من خلال معرفة الله عزّب وجل هذه
المعرفة هي التي تنتج هذه المواقف البطولية الاستثنائية، فحينما يختزن قلب المرء
معرفة راقية بالله عز وجل فإن هذه المعرفة تجعله يقف على شاطئ العلقمي وقلبه كصالية
الغضا وهو في أشد حالات العطش ويأخذ الماء بيده يقرّبه إلى فمه يريد أن يشرب
فيتذكّر عطش الحسين عليه السلام - هذه ليست قضية أخ وأخوة بل هي قضية إمام مفترض
الطاعة خليفة الله في الأرض- فيلقيه من يده ويردّد «يا نفس من بعد الحسين هوني،
وبعده لا كنت أن تكوني». ثم حينما تقطع يمينه يرتجز «والله إن قطعتموا يميني إنّي
أحامي أبداً عن ديني»(7). هذا الإنسان وهو مصاب بهذا الشكل في ساحة الحرب تجد في
داخله مكامن قوة يعجز الجميع عن تفسيره إلا إذا وجدت لها نسباً وسبباً إلى قوة
القوي العزيز، «وأولياؤه بعزه يعتزون»(8).
مذهب الحسين القرآني يصون العزة للمؤمنين:
لقد أراد القرآن المجيد أن يهدي المؤمنين إلى الطريق الذي يصون لهم العزة ويحصّنهم
ضد الرضا بالهوان أو السكوت على الضيم، فأمرهم بالإعداد والاستعداد لحفظ الكرامة
والذود عن العزة فقال لهم: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ
وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
(9)،
لأنّ القوة تجعل صاحبها في موطن الهيبة والاقتدار فلا يسهل الاعتداء عليه من غيره
من الضعفاء .
وليست هذه دعوة إلى بغيٍ أو طغيانٍ وإنما يُعوِّدُ القرآن أتباعه أن يكونوا أولاً
على حيطةٍ وحذرٍ فيقووا أنفسهم بكل وسائل التقوية والتحصين حتى يكونوا أصحاب رهبةٍ
في نفوس أعدائهم، وإلا تطاولوا عليهم وعصفوا بهم, ومن هنا قال: ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ
جَمِيعًا ﴾
(10).
وهذا ما جسّده الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه في معركة كربلاء حيث أعدّوا
عدّتهم وقرّروا القتال في مواجهة آلاف الجنود من جيش يزيد، وما هابهم قوة ذلك الجيش
لأنّ تربيتهم حسينية على هدي القرآن الكريم، ولهذا خاضوا المعركة وقلوبهم تملأُها
العزة والبطولة، واستشهدوا جميعاً شهادة شمخت بها رؤوس المسلمين جميعاً على مرّ
التاريخ. وبهذا أصبح: كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء، وعليه ففي كل وقت يلتقي
المؤمنون في معركةٍ مع الكافرين، فالواجب حينئذ على كل مؤمن أن يظلّ عزيزاً قوياً
وأن يثبت على مبادئه وعقائده لا يخيفه الألم ولا التعب ولا الخسائر. بل يبذل جهده
وطاقته مستخدماً كل ما أعده قبل ذلك من سلاحٍ وعتادٍ واثقاً أنه مربوط الأسباب
بالله القوي القادر وإذا شاء الله تعالى له لوناً من ألوان الاختبار والابتلاء
تحمّله راضياً صابراً محتفظاً بعزته وكرامته وشهامته موقناً بأن احتمال الألم خيرٌ
ألف مرةٍ من التخاذل والاستسلام:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ
الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا
أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ﴾
(11)
(1) لسان العرب، ابن منظور: 5/374.
(2) المنافقون،8.
(3) فاطر، 10.
(4) يونس، 65.
(5) الميزان، ج17، ص 22 .
(6) البحار، ج 98، ص 220 .
(7) معالم المدرستين، العسكري: 3/129.
(8) بحار الأنوار، العلامة المجلسي،: 95/220
(9) الأنفال،60.
(10) النساء، 71.
(11) البقرة،155-156.