رَحِمَ
اللّهُ من اسْتَحيَا حقَّ الحَياء (مِنْ وصايا الإمام الكاظم عليه السلام)
محاور الموضوع
- جمال خُلُق الحياء
- الحياء من الإيمان
-
أنواع الحياء:
- الحياء من الله
- الحياء من الملائكة
- الحياء من الناس.
الهدف:
التعرّف على مفهوم الحياء وآثاره من خلال وصية الإمام الكاظم عليه
السلام.
تصدير:
رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ لكلِّ دِين خُلُقاً،
وخُلُق الإسلام الحياء" *.
وصية الإمام الكاظم عليه السلام:
روي عن الإمام الكاظم عليه السلام في وصيّته لهشام بن الحكم: "رَحِمِ الله من
استحيا حقّ الحياء فحفظ الرأس وما حَوىَ، والبطنَ وما وعَى، وذكر الموت والبلى،
وعلم أنّ الجنّة محفوفةٌ بالمكاره، والنّار محفوفة بالشهوات"(1).
والمراد بِـ "ما حوى" في الحديث:
أي ما حواه الرَّأس من العين والأذن واللسان وسائر الأعضاء، بأن يحفظها عما حرّم
الله تعالى، والمراد بالبطن وما وعى، أي ما جمعه من الطَّعام والشراب بأن لا يكون
من الحرام، والمراد بالبلى أي الاندراس والاضمحلال في القبر.
جمال خلق الحياء
الحياء هو: "الامتناع من الفعل مخافة أن يُعاب على فاعله"(2). وقيل: "هو
انقباض النَّفس عن القبيح مخافة الذمّ"(3).
الحياءُ في الإنسان المؤمن هو من أهمِّ وأفضل الأخلاق وأعظمها قدراً وأكثرها نفعاً،
وهو الذي يؤدِّي إلى العفّة والعفاف. ويعتبره العلماء مادّة حياة القلوب، وهو أصل
كلِّ خيرٍ، وذهابه ذهاب الخير أجمعه؛ فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح، بخلاف
من لا يمتلك هذه الصّفة فلا حياء يمنعه ولا إيمان يزجره عن فعل القبائح. فالحياء:
خُلُقٌ يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة التي تستلزم
الانصراف من القبائح وتركها وهو من أفضل صفات النفس وأجلها وهو من خلق الكرام وسمة
أهل المرؤة والفضل.
الحياء من الإيمان:
ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الإيمان بضعٌ وسبعون شعبه فأفضلها لا
إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان".(4)
وفي حديث آخر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء والإيمان قُرِنا
جميعاً فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر".(5)
والسر في كون الحياء من الإيمان: لأن كلاً منهما داع إلى الخير مُقرِّب منه، صارفٌ
عن الشر مُبعد عنه، فالإيمان يبعث المؤمن علَى فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات.
والحياء يمنع صاحبه من التفريط في حق الربّ والتقصير في شكره. ويمنع صاحبه كذلك من
فعل القبيح أو قوله اتقاء الذم والملامة.
وربَّ قبيحة ما حال بيني وبين ركوبها إلا الحياء
فالحياء ملازم للعبد المؤمن كالظل لصاحبه وكحرارة بدنه لأنه جزء من عقيدته وإيمانه
ومن هنا كان الحياء خيراً ولا يأتي إلا بالخير، كما جاء عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بخير"(6).
أنواع الحياء:
1- الحياء من الله:
الحياء من الله يكون بإتباع الأوامر واجتناب النواهي. قال رسول الله:
"استحيوا من الله حق الحياء"(7) قال: قلنا يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله
قال: "ليس ذلك ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ
البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك
فقد استحيا من الله حق الحياء".(8)
فالمقصود أن الحياء من الله يكون بإتباع أوامر الله واجتناب نواهيه ومراقبة الله في
السر والعلن. عن رسول الله: "استحِ من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من
قومك(9)". وهذا الحياء يسمى حياء العبودية الذي يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب
الدين وهي مرتبة الإحسان الذي يحس فيها العبد دائماً بنظر الله إليه وأنه يراه في
كل حركاته وسكناته فيتزين لربه بالطاعات. وهذا الحياء يجعله دائماً يشعر بأن
عبوديته قاصرة حقيرة أمام ربه لأنه يعلم أن قدر ربه أعلى وأجل.
2- الحياء من الملائكة:
من المعلوم أن الله قد جعل فينا ملائكة يتعاقبون علينا بالليل والنهار..
وهناك ملائكة يصاحبون أهل الطاعات مثل الخارج في طلب العلم والمجتمعين على مجالس
الذكر والزائر للمريض وغير ذلك.
وأيضاً هناك ملائكة لا يفارقوننا وهم الحفظة والكتبة
﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾(10)
﴿فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ
الْأَوَّلِينَ﴾(11).
إذاً فعلينا أن نستحي من الملائكة وذلك بالبعد عن المعاصي والقبائح وإكرامهم عن
مجالس الخنا وأقوال السوء والأفعال المذمومة المستقبحة. قال: "إياكم والتعري فإن
معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم".(12)
3- الحياء من الناس:
وهذا النوع من الحياء هو أساس مكارم الأخلاق ومنبع كل فضيلة لأنه يترتب
عليه القول الطيب والفعل الحسن والعفة والنزاهة...
والحياء من الناس قسمين:
- قسم أحسن الحياء وأكملة وأتمّه. فإنّ صاحبه يستحي من الناس، جازم بأنّه لا يأتي
هذا المنكر والفعل القبيح إلا خوفاً من الله تعالى أولاً ثم اتقاء ملامة الناس
وذمّهم ثانياً، فهذا يأخذ أجر حيائه كاملاً لأنّه استكمل الحياء من جميع جهاته إذ
ترتّب عليه الكف عن القبائح التي لا يرضاها الدين والشرع ويذمّه عليها الخلق.
- قسم يترك القبائح والرذائل حياء من الناس، وإذا خلا من الناس لا يتحرّج من فعلها
وهذا النوع من الناس عنده حياء ولكن حياء ناقص ضعيف يحتاج إلى علاج وتذكير بعظمة
ربه وجلاله وأنه أحق أن يستحيا منه لأنه القادر المطلع الذي بيده ملكوت كل شيء الذي
أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة فكيف يليق به أن يأكل من رزقه ويعصيه ويعيش في أرضه
وملكوته ولا يطيعه ويستعمل عطاياه فيما لا يرضيه.
وعلى ذلك فإن هذا العبد لا يليق به أن يستحي من الناس الذين لا يملكون له ضراً ولا
نفعاً لا في الدنيا ولا في الآخرة ثم لا يستحي من الله الرقيب عليه المتفضل عليه
الذي ليس له غناء عنه.
أما الذي يجاهر بالمعاصي ولا يستحي من الله ولا من الناس فهذا من شر ما منيت به
الفضيلة وانتهكت به العفة، لأن المعاصي داء سريع الانتقال لا يلبث أن يسري في
النفوس الضعيفة فيعمّ شر معصية المجاهر ويتفاقم خطبها، فشره على نفسه وعلى الناس
عظيم، وخطره على الفضائل كبير، ومن المؤسف أن المجاهرة بالمعاصي التي سببها عدم
الحياء من الله ولا من الناس ـ قد فشت في زماننا. فلا شاب ينزجر ولا رجل تدركه
الغيرة ولا امرأة يغلب عليها الحياء فتتحفظ وتتستر.. فقد كثر في المجتمعات المسلمة
التبرج من النساء في الأسواق وفي الحدائق العامة وحتى في المساجد. تخرج المرأة
مبدية الزينة بكل جرأة لم تجل خالقاً ولم تستحِ من مخلوق.
ومن مظاهر عدم الحياء في مجتمع النساء: تحدث المرأة بما يقع بينها وبين زوجها من
الأمور الخاصة. وقد وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يفعل ذلك بشيطان أتى
شيطانه في الطريق والناس ينظرون.
ومن مظاهر ضعف الحياء لدى بعض النساء: تبسطها بالتحدث مع الرجل الأجنبي مثل البائع
وتليين القول له وترقيق الصوت من أجل أن يخفض لها سعر البضاعة.
ومن المظاهر تشبه النساء بالرجال في اللباس وقصات الشعر والمشية والحركة. وهذا فعل مستقبح تأباه الفطرة السليمة والذوق والحياء وحرمه الشرع ونهى عنه.
* مستدرك الوسائل، ج8، ص465.
(1) بحار الأنوار، ج1، ص142.
(2) رسائل المرتضى، ج2، ص269.
(3) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ج3، ص455.
(4) كنز العمال، المتقي الهندي، ج 1 ص 35.
(5) كنز العمال، المتقي الهندي، ج 3 ص 119.
(6) كنز العمال، صحيح، البخاري، ج 7 ص 100.
(7) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 714.
(8) مكارم الأخلاق، ابن أبي الدنيا، ص 39.
(9) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 8 ص 466.
(10) سورة الإنفطار، الآيتان 10 و11.
(11) سورة الزخرف، الآية 8.
(12) كنز العمال، المتقي الهندي، ج 9 ص 391.