محاور الموضوع
- الزيارة من شعائر الله.
- استحباب الزِّيارة.
- الزيارات المخصوصة
- فضل زيارة الإمام الحسين بن علي عليه السلام
الهدف:
التعرُّف إلى أدلّة مشروعية زيارة أهل البيت عليهم السلام وفضل زيارة أربعين الإمام
الحسين عليه السلام.
تصدير:
عن الإمام الباقر عليه السلام: أنَّه قال: "مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه
السلام ؛ فإنّ إتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين عليه السلام بالإمامة من الله"(1).
الزيارة من شعائر الله:
تعد زيارة أولياء الله سبحانه وتعالى من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والصدّيقين
والشهداء وأولي العلم والفضل، في حياتهم ومماتهم، وعن قرب وعن بعد، من الشعائر
الإلهية التي درج عليها المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى يومنا
هذا. وقد أُسّس لمفهوم الزِّيارة وأدبها وحدودها في الإسلام بالعديد من الأدلّة
النّقلية الثَّابتة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، وكذلك فيما روي عنهم عليهم
السلام وعن المسلمين في صدر الإسلام وإلى يومنا هذا في زيارتهم للقبور وتبرُّكهم
بساكنيها والاستشفاع بهم إلى الله تعالى. لأنّ في إحياء ذكر النبي الأكرم صلى الله
عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام إحياء لشعائر الدين وعقائده، عن الباقر عليه
السلام: "أحيوا أمرنا، رحم اللَّه من أحيا أمرنا"(1).
مشروعيّة الزِّيارة
إنَّ استحبابَ زيارة القُبور من الأمور التي أجمعت الأمّة الإسلامية عليها، بلا فرق
بين طوائفها المختلفة اللهم إلا من شذَّ وندر، ومارس ذلك كبيرهم وصغيرهم، وسيأتي في
الرّوايات ما يكفي للقطع بذلك، وإنَّما نذكرها من باب التأكيد على ذلك وترسيخه في
النفوس.
1- أصل الحياة بعد الموت: إنَّ أحد الأمور الأساس التي أقرَّها الإسلام بالعقل
والنَّقل، هو وجودُ الحياة بعد الموت، وإنَّ الأرواحَ تعيشُ في عالـــــمٍ برزخيٍّ
بين الدُّنيا والآخرة، فيه النِّعم وفيه العذاب، يقول تعالى: ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ
صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن
وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (2). فعن محمد بن مسلم قال: قلت
لأبي عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الموتى تزورهم؟ قال: نعم، قلت: فيعلمون
بنا إذا أتيناهم؟ فقال: إي والله، إنّهم ليعلمون بكم ويفرحون بكم، ويستأنسون إليكم"(3). فدلّ ذلك على أنّ هناك باباً مفتوحاً بين الأحياء والأموات، وقد أرشدت الشّريعةُ
النّاس إلى طَرْقِه، لغاياتٍ وأهدافٍ نبيلةٍ وشريفةٍ.
2-الزِّيارة وعلاقتها بالتَّوحيد: إنَّ التوجُّه بالزِّيارة لقبور أولياء الله
تعالى، كقبر الرَّسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الطاهرين عليهم
السلام، إنَّما هو توجُّهٌ لوجودهم المبارك في التوسُّلِ بهم والاستشفاع بهم إلى
الله تعالى، إذ أثبتنا في الدرس الماضي حقيقة الشَّفاعة التشريعيّة والتكوينيّة،
وأنّ هناك وسائط بين الله والخلق أعطاهم فضيلة الشَّفاعة لمن هو أهل لها. وبما أنّ
النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم هو حيٌّ في عالم الآخرة ويسمع الدُّعاء والسَّلام،
ويحيط بأعمال أمته، فإن التوجه إليه بالزيارة للسلام عليه والتبرّك به والتشفّع
لديه وطلب الاستغفار، أمر محبوب حثّ عليه القرآن بقوله ﴿وَلَوْ أنَّهُمْ إذ
ظَّلَمُواْ أنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ
الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾ (4)، وصدّقه قول الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم: "من زارني بعد وفاتي، كان كمن زارني في حياتي، وكنت له شهيداً
وشافعاً يوم القيامة"(5). ومن كلّ ما ذكرناه، نجد أن روح التوحيد ونفي عبادة غير
الله تعالى، بل والتوجّه إلى الشفعاء يعزّز من مفهوم الارتباط بالله من حيث أمر
الله. إذاً، ففي زيارة القبور المشرَّفة سببٌ قويٌّ في تقوية العلاقة بالله تعالى،
من باب التَّوبة أولاً، ومن باب محبَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو
واسطة الشَّفاعة ثانياً، ويثبت بذلك أنَّ الزِّيارة من الشّعائر الربّانية التي
تقوّي أصلَ الاعتقاد بوحدانيَّة الله تعالى وترفَعُ من مقامِ النَّبي صلى الله عليه
وآله وسلم والأئمَّة عليهم السلام.
وفي النّصوص النّبوية الشَّريفة والرّوايات المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام
تأكيدٌ واضحٌ على أهميَّة زيارة القبور والدُّعاء عندها، والنُّصوص كثيرةٌ وقطعيَّةُ
الدَّلالة، نذكر منها:
- الإجازةُ النَّبوية في زيارةِ القبور: وهذا الحديثُ من الأحاديث المشهورة بين
الفريقين، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها،
ولا تقولوا ما يسخط الرب"(6).
- الأمر بزيارة الوالدين الميّتين: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام: "زوروا موتاكم، فإنَّهم يفرحون بزيارتكم، وليطلبْ أحدُكم حاجتَه عند قبر
أبيه وعند قبر أمِّه بما يدعو لهما"(7).
-زيارة الميت من حقوق الأخوة: وعن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: "من حقّ
المؤمن على المؤمن المودّة له في صدره" إلى أن قال: "وإذا مات فالزيارة له إلى قبره"(8).
الزيارات المخصوصة
نستطيع أن نقول ممّا سبق، أنَّ الشريعة رخّصت في زيارة القبور، بل جعلت ذلك سنّة
متّبعة، وفي عرض ذلك خصَّصت الشَّريعة بعض القبور دونَ غيرها باستحبابٍ مؤكَّدٍ
وندبٍ شديدٍ. وفيما يأتي تعداد عددٍ من القبور التي حثّت الروايات على زيارتها
وإعلاء شأنها، وجعل التوجّه إليها شعيرةً من شعائر الله سبحانه.
- زيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: روي عن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أنَّه قال: "من زار قبري بعد موتي، (كان) كمن هاجر إليّ في حياتي"(9).
-زيارة السيدة فاطمة عليها السلام: روي عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال:
"إذا
صرت إلى قبر جدّتك، فقل: يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك لما
امتحنك به صابرة..."(10).
- زيارة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: تستحبّ زيارة الإمام علي بن أبي طالب
عليه السلام، لقول الصادق عليه السلام: "زيارة أبي -علي عليه السلام - تعدل حجّتين
وعمرتين "(11).
- زيارة الإمام الرّضا عليه السلام: فقد روي عن الإمام الرِّضا عليه السلام:
"من
زارني على بعد داري ومزاري، أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتَّى أخلّصه من
أهوالها: إذا تطايرت الكتب يميناً وشمالاً، وعند الصِّراط، والميزان"(12).
فضل زيارة الإمام الحسين بن علي عليه السلام:
-روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام ؛
فإنّ إتيانه يزيد في الرزق، ويمدّ في العمر، ويدفع مواقع السوء، وإتيانه مفترض على
كلّ مؤمن يقرّ (له) بالإمامة من الله"(13).
-عن بشير الدهان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "ربما فاتني الحجّ، فأعرف عند
قبر الحسين عليه السلام ؟ فقال: أحسنت يا بشير، أيّما مؤمن أتى قبر الحسين عليه
السلام عارفاً بحقّه في غير يوم عيد، كتب الله له عشرين حجّة وعشرين عمرة مبرورات
مقبولات، وعشرين حجّة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل، ومن أتاه في يوم عيد كتب الله
له مئة حجّة ومئة عمرة ومئة غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عدل"(14).
- زيارة الأربعين: عن أبي محمد العسكري عليه السلام أنه قال: "علامات المؤمنين خمس
صلاة الإحدى والخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر
ببسم الله الرحمن الرحيم"(15).
نص زيارة الأربعين:
... عن صفوان بن مهران قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه: في زيارة
الأربعين تزور عند ارتفاع النهار. وتقول: السلام على ولي الله وحبيبه، السلام على
خليل الله ونجيبه، السلام على صفي الله وابن صفيه، السلام على الحسين المظلوم
الشهيد، السلام على أسير الكربات وقتيل العبرات، اللهم إني أشهد أنه وليك وابن وليك
وصفيك وابن صفيك الفائز بكرامتك أكرمته بالشهادة وحبوته بالسعادة واجتبيته بطيب
الولادة وجعلته سيدا من السادة وقائدا من القادة وذائداً من الذادة وأعطيته مواريث
الأنبياء وجعلته حجة على خلقك من الأوصياء...(16).
* م.ن، ص468.
(1) الشيخ الطوسي، الأمالي، ص135.
(2) سورة المؤمنون، الآية 100.
(3) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج3، ص 222.
(4) سورة النساء، الآية 64.
(5) جعفر بن محمد بن قولويه: كامل الزيارات، ص45، الشيخ جواد القيومي
(6) الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي: المبسوط في فقه الإمامية، ج8،
ص60،.
(7) الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص230.
(8) الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص171.
(9)الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج14، ص337.
(10)الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج14، ص367.
(11) م.ن، ج14، ص381.
(12) م.ن، المقنعة، ص479.
(13) م.ن، ج14، ص413.
(14) الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص580.
(15)الشيخ المفيد، المزار، ص53، الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد، 790. السيد ابن طاووس،
إقبال الأعمال، ص100(عن الشيخ الطوسي).
(16) الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد، 790، السيد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ص101.