محاور الموضوع
قبس من سيرته عليه السلام.
شهادة الإمام العسكري عليه السلام.
من وحي وصية الإمام العسكري عليه السلام لشيعته:
- المحور الأول: الالتزام بالمبادئ والقيم.
- المحور الثاني: الاندماج في مجتمع الأمة.
- المحور الثالث: حسن السمعة.
الهدف:
التعرّف على جانب من وصايا الإمام العسكري لشيعته.
تصدير:
جاء في وصية للإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام وجهها لأتباعه وشيعته قال
فيها: «أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة
إلى مَنِ ائتمنكم من بَرٍّ أو فاجر، وطول السجود وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد.
صلُّوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا
ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسَّن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعي
فيسرّني ذلك، اتقوا الله وكونوا زينًا ولا تكونوا شينًا، جرُّوا إلينا كل مودّة
وادفعوا عنا كل قبيح»*.
قبس من سيرته عليه السلام:
نسبه الشريف: هو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت
عليه السلام، وأمه أم ولد يقال لها: حديث. أو سليل، وكانت من العارفات الصالحات،
والمشهور أنه لم يكن له عليه السلام من الولد سوى الإمام المهدي عجل الله تعالى
فرجه الشريف (1).
محل الولادة وتاريخها:
ولد الإمام العسكري عليه السلام ـ كما عليه أكثر المؤرّخين ـ في شهر ربيع الآخر سنة
(232هـ)، ويلاحظ هنا اختلاف المؤرخين والرواة في تاريخ ميلاده الشريف من حيث اليوم
والشهر والسنة التي ولد فيها، ولعل هذا الاختلاف يعزى إلى إجراءات كان الإمام
الهادي عليه السلام يقوم بها من أجل المحافظة على حياة الإمام العسكري عليه السلام.
ألقابه عليه السلام وكناه: أطلق على الإمام عليه السلام لقب (العسكري) لأنّ المحلة
التي كان يسكنها في سامراء ـ كانت تسمى عسكر. و(العسكري) هو اللقب الذي اشتهر به
الإمام عليه السلام. وله ألقاب أخرى، مثل: «الرفيق، الزكي، الأمين، الرجل، العالم».
وكان يكنّى بابن الرضا. كأبيه وجدّه، وكنيته التي اختص بها هي: (أبو محمد).
استشهاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام:
اعتل الإمام عليه السلام في أوّل يوم من شهر ربيع الأول سنة 260(2)هـ. ولم تزل
العلة تزيد فيه والمرض يثقل عليه حتى استشهد في الثامن من ذلك الشهر، وروي أيضاً
أنه قد سُم واغتيل من قبل السلطة حيث دسّ السم له المعتمد العباسي، ودفن الإمام
الحسن العسكري عليه السلام إلى جانب أبيه الإمام الهادي عليه السلام (3).
من وحي وصية الإمام العسكري عليه السلام لشيعته الواردة في التصدير:
يمكننا أن نستخرج من هذه الوصية ثلاثة محاور:
المحور الأول: الالتزام بالمبادئ والقيم:
التشيّع ليس انتماءً قبليّاً، وإنما هو انتماء قيمي سلوكي، وبالتالي فإن مَنْ ينتمي
إلى هذا الخط والتيار يجب أن يكون ملتزماً بالقيم والمبادئ، ولا يكفي الانتماء
العاطفي، من إعلان الحب لأهل البيت عليه السلام والموالاة لهم، فالكثير من الروايات
والنصوص تؤكّد على أن هذا لا يحقق العنوان ولا يجدي، فمجرّد المحبّة والولاء القلبي
والانتماء العاطفي لا يجدي، وإنما يجب الالتزام بالقيم، ولذلك فإن أول ما يركّز
عليه الإمام في هذه الوصية هو مسألة القيم والسلوك الملتزم، يقول: «أوصيكم بتقوى
الله والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى مَنِ ائتمنكم».
المحور الثاني: الاندماج في مجتمع الأمة:
السلطات العباسية والأموية وجميع السلطات المعادية لأهل البيت عليه السلام حاولت أن
تحاصر أهل البيت عليه السلام وتبعدهم عن شيعتهم وأتباعهم وعن الناس عموماً، حتّى لا
يتفاعلوا مع جمهور الأمة ويؤثّروا فيهم.
ولذلك يوجّه الإمام خطاباً عامّاً لشيعته بأن لا ينعزلوا عن الأمة، وأن يندمجوا مع
جماهيرها وعامّة المسلمين، فالبعض من الناس يرى في الاندماج والتداخل مع الآخرين
نوعاً من الذوبان فيهم على حساب المبادئ. وفي الواقع إنّ المؤمن الحقيقي الذي يحمل
الوعي والبصيرة لا يخشى عليه من الذوبان والتأثّر، بل هو في موقع التأثير في
الآخرين، لأن أي مجتمع ينعزل ويبتعد عن الجمهور يسهل اتهامه بأي تهمة، وتشوه سمعته،
بينما إذا اختلط مع الناس فإنهم يرونه ويتأكّدون من وضعه ولا تنطلي عليهم تلك التهم
والشبهات، وتنشأ حالة من المودّة والألفة والعلاقة الجيّدة بين الجميع.ولأنّ
الابتعاد عن الناس لا يوصل إليهم الفكرة بشكل جيد، وتصبح أفكار ومعتقدات وآراء ذلك
المجتمع المنعزل مشوشة وغير مفهومة لدى الآخرين، بينما لو كان هناك اندماج بين
المجتمعات على اختلافها ستكون أفكار كل مجتمع معروفة بشكل أوضح.
والإمام في هذه الوصية يحث على مسألة الاندماج والتداخل مع الآخرين، يقول: «صلُّوا
في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدوا حقوقهم، إن الرجل منكم إذا ورع في
دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحَسُنَ خلقه مع الناس، قيل هذا شيعي فيسرّني ذلك
»، وهذا معناه أنّ الإمام يريد أن يعوّد أتباعه بالالتزام بالقيم والسلوك الطيّب
بين الناس.
المحور الثالث: حسن السمعة:
هناك على طول التاريخ من يحاول أن يشوّه ويرسم صورة خاطئة عن أتباع أهل البيت عليهم
السلام، لأغراض سياسية أو لجهله بهم أو لقناعة خاطئة، وعلينا أن نعمل لتحسين الصورة،
وأن تكون صورة هذا المجتمع حسنة أمام الآخرين، فهذه مسؤوليتنا. يقول في ذلك الإمام
العسكري: «اتقوا الله، وكونوا زينًا ولا تكونوا شينًا».
إن البعض في مجتمعنا حينما يسمع حديثًا عن الاهتمام بانطباع الآخرين تجاه المذهب
والمجتمع، يفهم ذلك فهماً خاطئاً ويكون ـ إما عن جهل أو حماقة: وما يهمّنا ما يقوله
عنَّا الآخرون. أو يستشهد بالآية القرآنية: ﴿ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ
النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾(4)، وهذا خلط للأوراق، فليس من الصحيح
القول إن السمعة الحسنة لدى الآخرين ليست مهمة، فالإنسان المسلم كفرد ينبغي عليه أن
يحسّن سمعته، والمجتمع المسلم كمجتمع ينبغي عليه ـ كذلك ـ أن يعطي الصورة المشرقة
عنه كمجتمع.
وبشأن الآية الكريمة: ﴿ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى
تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ فإن معناها أن يلتزم كل إنسان بدينه ومبدأه ولا يكون هناك
مداهنة ومداراة على حساب المبادئ والقيم. ومعناها أنّ اليهود والنصارى لن يكفوا عن
الضغوط عليكم حتى تتراجعوا عن دينكم. وهذا المعنى لا إشكال أو اعتراض عليه.ولكن
حينما لا ترتبط المسألة بأصول المبدأ والمذهب، فتكون أمام أمرٍ جائزٍ أو فيه شبهة
استحباب، وفي مقابل القيام بهذا الأمر نخسر السمعة والنظرة الطيبة عند الآخرين،
فعلى العاقل أن يرجّح أيهما أولى، والترجيح يقتضي في هذه الحالة الحفاظ على السمعة
الحسنة. فإنّ مَنْ يبدي اهتماماً بهذا الأمر يعني أنه مهتمّ بمصلحة هذا المذهب وهذا
المجتمع، لا يعني ذلك أنه نوع من التنازل أو الخضوع، وإنّما يعني الحرص على سمعة
هذا المجتمع، ولذلك نرى نصوصاً كثيرة عن أهل البيت تحثّ على هذا الجانب، منها ما
أوردناه من وصية الإمام العسكري عليه السلام في قوله: «كونوا زينًا ولا تكونوا
شينًا». وهذا ما يؤكّده الإمام العسكري عليه السلام في رواية يقول: «رحم الله من
استجرّ مودّة الناس إليه وإلينا».
* الحراني: أبو محمد الحسن بن
علي/ تحف العقول عن آل الرسول ص362.
(1) الإرشاد، 339
(2) الإرشاد/ 2/ 336.
(3) الصواعق المحرفة/ 314.
(4) البقرة: 120.