محاور الموضوع الرئيسة:
- دم الحسين قربان الإصلاح
- دم الحسين وخيار الشهادة لا البيعة
- دم الحسين عنوان العزة لله ولرسوله
- دم الحسين مدرسة للثبات وأداء التكليف الإلهي
الهدف:
التعرف الى بركات الدم الحسيني المعنوية والمادية
تصدير الموضوع:
عندما وضعت سيّدة نساء العالمين عليها السلام وليدها العظيم زفّت البشرى الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فأسرع إلى دار عليّ والزهراء عليها السلام وقال لأسماء بنت عميس: "يا أسماء هلمي ابني"، فدعته إليه في خرقة بيضاء، فأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ووضعته في حجره وبكى، فقالت أسماء: فداك أبي واُمي، ممّ بكاؤك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "من ابني هذا". قالت: إنّه ولد الساعة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أسماء! تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي..."1
مقدمة:
ثورة الإمام الحسين عليه السلام نموذج من الثورات الفريدة في تاريخ البشرية، في أهدافها، ومبادئها، ونتائجها، وقادتها، وشهدائها... ولهذا, فقد أرسى دم الإمام الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه على مدار التاريخ مجموعة من المبادئ والثوابت، في مواجهة الظلم والظالمين مهما غلت التضحيات، وقلّ العدد، وتواضعت العدة والعتاد، وهذا ما جعل بركاتها تنتشر في كل الأزمان والأمكنة، فكان كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء.
1- دم الحسين قربان الإصلاح
ولهذا فإن الإصلاح الذي أعلنه الإمام الحسين عليه السلام واعتبره شعاراً وهدفاً لثورته وافتداه بدمه الزكي، يعني حفظ الدين، واستمرار نهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام، وقد أشار اليه عليه السلام في سياق وصيّته لأخيه محمد بن الحنفية: "... وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي، اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمي"2.
فإنّ الإصلاح المقصود هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كلّ جوانب الدين والحياة، وقد تحقّق ذلك من خلال النهضة العظيمة التي قام عليه السلام بها فكانت الهداية و الرعاية للبشر دينياً ومعنوياً وإنسانياً وأخروياً بمقتله وشهادته وبركات دمه الطاهر، وتلك النهضة التي عليها تربّت أجيال من الأمة، فكان الإمام الخميني، وكانت الثورة الإسلامية، وكانت المقاومة الإسلامية في لبنان على هذا النهج والمبدأ.
2- دم الحسين وخيار الشهادة لا البيعة
قال المؤرّخون : إنّ يزيد كتب فور موت أبيه إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان والياً على المدينة من قِبَل معاوية أن يأخذ على الحسين عليه السلام بالبيعة له ولا يرخّص له في التأخّر عن ذلك. وذكرت مصادر تاريخية أخرى أنّه جاء في الرسالة: إذا أتاك كتابي هذا فأحضر الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزبير فخذهما بالبيعة، فإن امتنعا فاضرب عنقيهما وابعث إليّ برأسيهما وخذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم.3
فأجابه الإمام الحسين عليه السلام بصراحة قائلاً: "إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة".
إذاً, فما دام الإمام الحسين عليه السلام لا يعطي البيعة ليزيد مهما تكن الأسباب، فلا طريق للحسين عليه السلام إلاّ الشهادة. وقد كان موقف الإمام عليه السلام في الامتناع من البيعة ليزيد موقفاً علنياً وصريحاً وواضحاً لا يشك فيه أحد، يقول الإمام عليه السلام لمحمد بن الحنفية (أخيه): "يا أخي, والله, لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت والله يزيد بن معاوية أبداً" وخطب الإمام يوم عاشوراء في جيش بني أمية قائلاً : "ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت و طهرت, ونفوس أبية, وأنوف حمية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام"
ولما تناهت إليه الأنباء بأن يزيد دسّ الرجال لاغتياله وسفك دمه وهو في مكة قبل مسيره إلى العراق, ألقى خطبة جاء في مقدّمتها: "خط الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء … "4وفي هذا دلالة على الوعي وطلب الشهادة واستقبال الموت في سبيل الله وان الشهادة جميلة عند أعاظم الرجال كجمال القلادة في جيد الفتاة. وفي موقف آخر قال عليه السلام: "لا أرى الموت إلاّ سعادةً والحياة مع الظالمين إلاّ برماً". بهذه الصورة الرائعة سنّ الإمام الحسين عليه السلام سنّة الإباء لكلّ من يدين بقيم السماء وينتمي إليها ويدافع عنها، وانطلق من هذه القاعدة ليغيّر الواقع الفاسد. "اليقين بالموت لا يضعف الهمم"
3- دم الحسين عنوان العزة لله ولرسوله
هيهات منا الذلة ليست شعاراً شكلياً رفعه الإمام الحسين عليه السلام, بل نهج رسمه الإمام الحسين عليه السلام للأمة ولكل الأجيال القادمة بأن الذل والخضوع للظالم لا مكان له في قاموس المجاهدين الحسينيين، لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين,كما صرح الذكر الحكيم.فقد أعلن الإمام الحسين عليه السلام عندما توضّحت نوايا الغدر والخذلان والإصرار على محاربة الإمام عليه السلام وطاعة يزيد الفاسق: "فسحقاً لكم يا عبيد الاُمّة, وشذّاذ الأحزاب, ونَبَذَة الكتاب, ونفثة الشيطان, وعصبة الآثام, ومحرّفي الكتاب ,ومطفئي السنن ,وقتلة أولاد الأنبياء, ومبيدي عترة الأوصياء, وملحقي العهار بالنسب, ومؤذي المؤمنين, وصُراخ أئمّة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين، ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون...".ثم قال عليه السلام: "ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت وحجور طهرت وأُُنوف حميّة ونفوس أبيّة, لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام..."5
4- دم الحسين مدرسة للثبات وأداء التكليف الإلهي
صرّح الإمام الحسين عليه السلام في العديد من المناسبات عن علمه المسبق بتصميم بني أمية على قتله، فقد صرّح لأخيه محمد بن الحنفية قائلاً : "لو دخلت في جُحْر هامّة من هذه الهوامّ لاستخرجوني حتى يقتلوني".
وقال عليه السلام لجعفر بن سليمان الضبعي: "والله, لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة يعني قلبه الشريف من جوفي". وروي أنّه لمّا عزم على الخروج من المدينة أتته أم سلمة رضوان الله عليه, فقالت: يا بني, لا تحزنّي بخروجك إلى العراق، فإنّي سمعت جدّك يقول: يقتل ولدي الحسين عليه السلام بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلا. فقال لها: "يا أماه, وأنا والله أعلم ذلك، وإنّي مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بدّ، وإنّي والله لأعرف اليوم الذي اُقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي اُدفن فيها، وإنّي أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي... وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً".6
ومع هذا,لم يتبدّل شيء في مواقف الإمام الحسين من بني أمية الذين يمثّلون أكبر مصاديق الجور والظلم في الدين والسياسة والحكم، وإدارة شؤون الرعية وغيرها، بل إن ذلك زاده إيماناً وقوة وصلابة بوجوب أداء التكليف الإلهي في مواجهة الظالمين, فإن المرحلة بنظر الإمام الحسين عليه السلام، ينطبق عليها قوله : "من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان, فلم يُغيّر عليه بفعل ولا قول, كان حقاً على الله أن يدخله مدخله".7
فلقد حدد سيد الشهداء عليه السلام وأنصاره وأهل بيته تكليفنا "... فسيد الشهداء عليه السلام قد حدد تكليفنا, فلا تخشوا قلة العدد ولا الاستشهاد في ميدان الحرب، فكلما عظم هدف الإنسان وسمت غايته كان عليه أن يتحمّل المشاق أكثر بنفس النية..."8.
5- كل ما لدينا من دم الحسين
إذا كان لدم الحسين عليه السلام الطاهر الذي أريق على أرض كربلاء في العاشر من المحرم دوره في إيقاظ الأمة من سباتها السياسي والاجتماعي الطويل، إزاء الانحرافات في الماضي، فإن له جذوته التي لا تخبو في صنع الحياة الحاضرة، وكأنما قدر لهذا الدم أن يظل هو الرائد الحقيقي الذي يقود الإنسانية نحو أهدافها الحيوية على مرّ الزمان، وهذا ما نقرأه بوضوح في كلمات الإمام الخميني:
أ- صون الإسلام بالنهضة الحسينية: قال: " إن الذي صان الإسلام وأبقاه حياً حتى وصل إلينا نحن المجتمعين هنا هو الإمام الحسين عليه السلام ”9. إن سيد الشهداء عليه السلام قد أنقذ الإسلام ووفر له الوفاء والحماية على مدى الزمن"10
ب ـ إحياء الإسلام في محرم: هو أمر طالما عبر عنه الإمام, حتى جعل شهر محرم شهر إحياء الإسلام, وجعله أثراً مهماً من آثار النهضة الحسينية, فهو يقول: "... فسيد الشهداء عليه السلام قتل وأولئك الشبان والأنصار في سبيل الإسلام، فضحّوا بأرواحهم وأحيوا الإسلام"11
"إن شهادة سيد الشهداء عليه السلام أحيت الدين. لقد استشهد هو وأحيا الإسلام ودفن النظام الطاغوتي لمعاوية وابنه يزيد. فشهادة سيد الشهداء عليه السلام لم تكن شيئاً مضراً بالإسلام، وإنما كانت لمصلحة الإسلام، فهي التي أحيته"12.
ج ـ بث روح التضحية وعدم الخوف: يقول: "لقد أفهمنا سيد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وأصحابه أن على النساء والرجال ألا يخافوا في مواجهة حكومة الجور، فقد وقفت زينب عليها السلام في مقابل يزيد وفي مجلسه وصرخت بوجهه وأهانته وأشبعته تحقيراً لم يتعرض له جميع بني أمية في حياتهم، كما أنها عليها السلام والسجاد عليه السلام تحدثا وخطبا في الناس أثناء الطريق وفي الكوفة والشام، فقد ارتقى الإمام السجاد عليه السلام المنبر وأوضح حقيقة القضية, وأكد أن الأمر ليس قياماً لأتباع الباطل بوجه الحق، وأشار إلى أن الأعداء قد شوهوا سمعتهم وحاولوا أن يتهموا الحسين عليه السلام بالخروج على الحكومة القائمة وعلى خليفة رسول الله!! لقد أعلن الإمام السجاد الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد وهكذا فعلت زينب عليها السلام أيضاً"13.ويقول: "لقد علّم عليه السلام الناس أن لا يخشو قلة العدد..."14
دـ انتصار الدم على السيف: بنظر الإمام الخميني, إن الإمام الحسين انتصر, وعن ذلك يقول: "... فسيد الشهداء عليه السلام قتل أيضاً, ولكن هل هزم؟ كلا, فلواؤه اليوم مرفرف خفاق, في حين لم يبق ليزيد أثر يذكر"15.
ويقول: "لقد فجر سيد الشهداء عليه السلام نهضة عاشوراء العظيمة فأنقذ من خلال تضحيته العظيمة بدمه ودماء أعزته الإسلام والعدالة, وقوض أركان حكم بني أمية ".16
"لقد انتصر الدم على السيف، ترون آثاره باقية حتى اليوم, حيث ظل النصر حليفاً لسيد الشهداء عليه السلام بينما الهزيمة ليزيد وأتباعه" 17.
وعلى وفق نظرية الإمام, فإن القتل ليس هزيمة طالما أن الأهداف تحققت في أغلبها, والحسين الرمز انتصر وهزم يزيد الشخص والرمز, وعلامة انتصار الحسين عليه السلام تظهر في عبارة الإمام "لقد تعرض الإمام الحسين عليه السلام للهزيمة عسكرياً, إلا أن النصر النهائي كان من نصيبه, فخطه ونهجه لم يهزما بمقتله, بل إن عدوه هو الذي ذاق الهزيمة وكان نصيبه الفناء... فنهض سيد الشهداء وأفشل مساعيه ودفن يزيد وأتباعه وظلت لعائن الناس تلاحقهم إلى الأبد كما انصبت عليهم اللعنة الإلهية أيضاً"18
1- مسند زيد بن علي ص468
2- مقتل الحسين للمقرّم : 156
3- تأريخ اليعقوبي : 2 / 215.
4- بحار الأنوار366:44، مقتل الحسين للمقرم :193
5- أعيان الشيعة : 1 / 603
6- بحار الأنوار : 44.
7- وقعة الطف:172، موسوعة كلمات الإمام الحسين:36.
8- نهضة عاشوراء ص24
9- نهضة عاشوراء ص7
10- نهضة عاشوراء ص62.
11- نهضة عاشوراء ص60و61.
12- نهضة عاشوراء ص61 و62
13- نهضة عاشوراء ص24
14- نهضة عاشوراء ص22
15- نهضة عاشوراء ص65
16- نهضة عاشوراء ص58.
17- نهضة عاشوراء ص64
18- نهضة عاشوراء ص62