محاور الموضوع
مفاتيح الرزق.
أسباب محق الرزق.
العلاج بطلب الرزق الحلال
تصدير الموضوع:
قال بعض الحكماء: «كما أنّ كل إنسان ينطق بنفسه ولا يمكن أن ينطق بلسان غيره،
فكذلك كل إنسان يأكل رزقه ولا يمكنه أن يأكل رزق غيره». قال عز وجل:
﴿إِنَّ رَبَّكَ
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ﴾
(1)
الهدف:
التعرّف على أسباب درّ الرزق ومنعه في الإسلام.
مفاتيح الرزق(1)
إنّ أول مفاتيح الرزق الحلال وأعظمها تقوى الله تعالى، بسلوك سبيله وفعل المأمور
واجتناب المحظور، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ
لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ
فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾
(2)، ومن تقوى الله إتّباع الأسباب
المشروعة وترك التواكل والتسوّل، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَأَنْ
يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ
أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ»(3).
وقد ورد في الكتاب والسنة العديد من الأعمال والأمور التي تدرّ الرزق على الإنسان،
وتحفظه، منها:
الصلاة: من أسباب الرزق إقامة الصلاة والأمر بها قال تعالى على لسان إبراهيم:
﴿ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ
بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ
النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ
يَشْكُرُونَ﴾ (4) وقال سبحانه: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ
عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾
(5).
صلة الرحم: ومن أسباب الرزق الحلال والبركة فيه صلة الرحم بالزيارة والهدية
وإرسال التحية والسلام ونحو ذلك فالثابت في الروايات أنّ لصلة الأرحام آثاراً
ايجابية في الحياة الإنسانية بجميع مقوّماتها الروحية والخلقية والمادية، عن الإمام
محمد الباقر عليه السلام: «صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى،
وتيسّر الحساب، وتنسئ في الأجل»(6). وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
«صلة
الأرحام تُحسن الخلق، وتسمّح الكف، وتطيب النفس، وتزيد في الرزق...»(7).
الصدقة: للصدقة آثار دنيوية وأخرى أخروية، ويقصد بالآثار الدنيوية ما يتحقّق
وينعكس خيراً وبركة على المتصدِّق في الحياة الدنيا، كدفع البلاء عنه، وميتة السوء،
والزيادة في الرزق ودفع الفقر، وتصرّح طائفة من الروايات بأنّ الصدقة تطيل العمر
وتدفع الفقر، وتزيد في الرزق، عن الإمام الباقر عليه السلام: «البرّ والصدقة ينفيان
الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء» (8)، وعن الإمام علي
عليه السلام: «استنزلوا الرزق بالصدقة»(9).
التوكّل والتوحيد: ومن أسباب الرزق التوكل الصحيح على الرزاق جل جلاله،
باعتماد القلب على الرب سبحانه والثقة بجوده وكرمه، قال تعالى: ﴿... وَمَن يَتَّقِ
اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن
يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ
جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ (10). وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً»
(11).
شكر الله تعالى: ومن أسباب حصول الرزق وثباته ونمائه شكر الإله سبحانه، قال
تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ (12).
وهناك الكثير من الأعمال الأخرى الموجبة لتحصيل الرزق كما ورد في الروايات:
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الرزق أسرعُ إلى مَن يُطعم الطعام، من
السِّكّينِ في السَّنام» (13).
أمير المؤمنين عليه السلام: «في سعة الأخلاق، كنوز الأرزاق» (14).
وعنه أيضاً جاءت هذه العبارات الشريفة: «مَن حَسُنت نيّته زِيد في رزقه» (15).
وعن الإمام الباقر عليه السلام: «الزكاة تزيد في الرزق» (16).
و«عليك بالدعاء لإخوانك بظهر الغيب، فإنّه يهيل الرزق»(17).
أسباب محق الرزق:
وإلى جنب هذه المجموعة المستِدرّة للرزق، هناك مجموعة أخرى تقول بمحق الرزق، ينبغي
الحذر منها كما كان ينبغي العمل بالمجموعة السابقة:
كفران النعم: الكفران بالنعمة يفضي إلى نتائج سيئة كثيرة في دائرة الماديات
والمعنويات في حياة الإنسان فمن ذلك أنّه يتسبب في زوال النعم، لأنّ الباري تعالى
حكيم، لا يعطي شخصاً شيئاً بدون حساب ولا يسلب أحداً شيئاً بلا مبرر، فالذين يكفرون
بالمنعم فلسان حالهم يقول: بأننا لا نليق ولا نستحق هذه النعم، فتوجب الحكمة
الإلهية سلب تلك النعم منهم، والذين يشكرون النعم فلسان حالهم يقول: إننا نستحق تلك
النعم الإلهية وزد علينا يا ربّ، وقد ورد في حديث عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه
قال: «مَنْ شَكَرَ النِّعَمَ بِجِنـانِهِ استَحَقَّ المَزيدَ قَبْلَ أَن يَظهَرَ
عَلَى لِسـانِهِ».
وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام فقال: «مـا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبد مِنْ
نِعمَة فَعَرَفَها بِقَلبِهِ وَحَمِدَ اللهَ ظـاهِراً بِلِسـانِهِ فَتَمَّ كَلامُهُ
حَتّى يُؤمَرَ لَهُ بِالمَزيدِ»(18). وبديهي أنّ الكفران يفضي إلى نتائج معاكسة
كذلك، ويمكن أن يلطف به الله تعالى ويؤخر عنه سلب النعمة ولكن وعلى أية حال إذا لم
يتنبه الإنسان وبقي على ما هو عليه في دائرة الغفلة والجحود للنعمة، فستسلب منه
بالتأكيد، لأنّ ذلك من لوازم الحكمة الإلهية.
حبس الحق: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن حبس عن أخيه المسلم شيئاً
من حقّه، حرّم الله عليه بركة الرزق، إلاّ أن يتوب» (19).
الذنوب: الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ العبد لَيُذنب الذنبَ فيُزوى عنه
الرزق» (20). وعن الإمام الصادق عليه السلام: «كثرة السُّحت يَمحَق الرزق»
(21).
العلاج بطلب الرزق الحلال:
• وهنا ينبغي على العاقل أن يفكّر في العواقب، ويعلمَ أنّ الرزق رزقان: مادّي
ومعنوي، وأنّ هنا دنيا بعدها آخرة، والعقل لا يُرشدُه إلاّ إلى الحلال الطيّب، يكون
هنيئاً له هنا وثواباً له هناك، لأنّ طلبه سعي في طاعة الله، وهي عبادة وخير:عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «العبادة عشرة أجزاء؛ تسعة أجزاء في طلب الحلال»
(22).ذلك لما يترتّب عليه من آثارٍ طيّبة ذلك الحلال، حيث يكون القلب في توجّه إلى
الله تعالى، وسلامةٍ من عقائده وأخلاقه والتزاماته الشرعيّة.
• وربّما يرى بعضُهم أنّه متحيّرٌ في طلب الحلال، حيث يشيع الحرام في الأرزاق
والمعاملات المشبوهة أو المخالفة للشرع الحنيف، والحال أنّ الله عزّوجلّ هيّأ
الحلال لمن يريد، فإن عزف عنه وطمع في الحرام حُرم من طيّب الحلال.
ـ جاء في حديث المعراج الشريف قول النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «مررتُ
بقومٍ بين أيديهم موائدُ من لحمٍ طيّب ولحمٍ خبيث، يأكلون اللحم الخبيث ويَدَعون
الطيّب، فقلت: مَن هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويَدَعون
الحلال!»(23).
ـ وعن الإمام الباقر عليه السلام: «ليس من نفسٍ إلاّ وقد فرض الله لها رزقها حلالاً
يأتيها في عافية، وعرض لها بالحرام من وجهٍ آخر، فإن هي تناولت من الحرام شيئاً
قاصَّها به من الحلال الذي فرض الله لها، وعند الله سواهما فضلٌ كبير»(24).
ـ ويكفي الحلالَ شرفاً ما جاء في هذه الرواية الشريفة: عن البزنطي قال: قلت للرضا
عليه السلام: جُعِلت فداك، أُدعُ الله عزّوجلّ أن يرزقني الحلال، فقال: «أتدري ما
الحلال ؟!»، قلت: الذي عندنا الكسب الطيّب، فقال: «كان عليّ بن الحسين عليه السلام
يقول: الحلال هو قوتُ المصطفَين. ثمّ قال: قلْ: أسألك من رزقك الواسع» (25).
(1) الإسراء:30.
(2) (الأعراف:96)
(3) (رواه البخاري)
(4) (إبراهيم:37)
(5) (طـه:132)
(6) (الكافي 2: 150)
(7) (الكافي،2،باب صلة الأرحام)
(8) (ثواب الأعمال: 169/11).
(9) (البحار: 78/13.)
(10) (الطلاق:2-3)
(11) (رواه الترمذي وابن ماجة)
(12) (إبراهيم:7)
(13) (بحار الأنوار 362:74 / ح 17 ـ عن: المحاسن: 390)
(14) (بحار الأنوار 289:77 / ح 1 ـ عن: تحف العقول)
(15) (بحار الأنوار 21:103 ـ عن: كنز الفوائد)
(16) (بحار الأنوار 15:66 ـ عن: أمالي الصدوق)
(17) (بحار الأنوار 60:76 / ح 14 ـ)
(18) (أصول الكافي، ج2، ص95، ح9
(19) (بحار الأنوار 355:76 / ح 1 ـ عن: أمالي الصدوق)
(20) (بحار الأنوار 318:73 / ح 6 ـ عن: الكافي 270:2)
(21) (بحار الأنوار 256:78 / ح 133 ـ والسُّحْت: المال الحرام
(22) (بحار الأنوار 7:103 ـ عن معاني الأخبار)
(23) (بحار الأنوار 172:75 / ح 9 ـ عن: تفسير القمّي)
(24) (بحار الأنوار 147:5 / ح 6)
(25) (بحار الأنوار 2:103 ـ عن الكافي)