محاور الموضوع الرئيسة:
- تاريخ الكعبة و فَضْلِ النَّظَرِ إِلَيها
- فضْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَثَوَابِهِمَا
- الحجّ عبادة وسياسة
الهدف:
التعرّف إلى فضل الحج وثوابه والآثار الدنيوية والأخروية للحج والعمرة.
تصدير الموضوع:
قال الإمام الصادق: عليه السلام "الْحُجَّاجُ يَصْدُرُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ يُعْتَقُ مِنَ النَّارِ، وَصِنْفٌ يَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَهَيْئَةِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَصِنْفٌ يُحْفَظُ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَذَاكَ أَدْنَى مَا يَرْجِعُ بِهِ الْحَاجُّ" 1.
1- الكعبة المشرّفة
الكعبة هي بيت الله الحرام، وقبلة المسلمين. جعلها الله سبحانه وتعالى مناراً للتوحيد، ورمزاً للعبادة، يقول الله تعالى: ﴿ جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ﴾2. وهي أول بيت وضع للناس من أجل عبادة الله جل وعلا، قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ﴾3.
وللكعبة المشرفة تاريخ طويل، مرّت فيه بمراحل عديدة. ويبتدئ تاريخها في عهد نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام حين أمره الله سبحانه وتعالى بأن يسكن مكة هو وأه، وكانت مكة في ذلك الوقت جدباء قاحلة. وبعد الاستقرار في مكة وبلوغ إسماعيل عليه السلام أذن الله تعالى لهما ببناء الكعبة، ورفع قواعدها، يقول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾4، فجعل إسماعيل عليه السلام يأتي بالحجارة و إبراهيم يبني، وارتفع البيت شيئاً فشيئاٍ، حتى أصبح عالياً لا تصل إليه الأيدي، عندها جاء إسماعيل عليه السلام بحجر ليصعد عليه أبوه ويكمل عمله، واستمرا على ذلك وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾5 حتى تم البناء واستوى. ثم شيّدت الكعبة وأُحسن بناؤها عدة مرات وصولاً إلى أيامنا.
2- فَضْل النَّظَرِ إِلَى الْكَعْبَةِ
ورد العديد من الروايات في فضل النظر إلى الكعبة منها:
- أنه عبادة: عَنْ زُرَارَةَ قَالَ كُنْتُ قَاعِداً إِلَى جَنْبِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَهُوَ مُحْتَبٍ مُسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةِ فَقَالَ:"أَمَا إِنَّ النَّظَرَ إِلَيْهَا عِبَادَة."ٌ
- أنه يهدم الذنوب ويغفرها: عن النبي قال: "النظر إلى الكعبة حباً لها يهدم الخطايا هدماً".
- وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "إِنَّ لِلْكَعْبَةِ لَلَحْظَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ يُغْفَرُ لِمَنْ طَافَ بِهَا أَوْ حَنَّ قَلْبُهُ إِلَيْهَا أَوْ حَبَسَهُ عَنْهَا عُذْرٌ".
- أنه رحمة: عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "إِنَّ لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَوْلَ الْكَعْبَةِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ مِنْهَا سِتُّونَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ".
- عن أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ:"مَنْ نَظَرَ إِلَى الْكَعْبَةِ لَمْ يَزَلْ تُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةٌ وَتُمْحَى عَنْهُ سَيِّئَةٌ حَتَّى يَنْصَرِفَ بِبَصَرِهِ عَنْهَا".
- ثواب دخول البيت: عن رسول الله قال:"من دخل البيت دخل في حسنة، وخرج من سيئة مغفوراً له" وعنه صلى الله عليه والله وسلم عندما سئل عن دخول الكعبة قال:"الدخول فيها دخول في رحمة الله، والخروج منها خروج من الذنوب" 6.
ـ استلام الحجر الأسود باليد وتقبيله: جاء في الكافي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "وأنزل الله الحجر الأسود وكان اشد بياضاً من اللبن واضوأ من الشمس وإنما اسوّد لان المشركين تمسّحوا به".
قال الصدوق في علل الشرايع: روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "كان الحجر الأسود أشد بياضاً من اللبن فلولا ما مسه من ارجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا برىء"، والعلة في استلام الحجر ووضع اليد عليه أن يعدّ نوعاً من العهد والبيعة مع سيدنا إبراهيم; لمحاربة مظاهر الشرك وعبادة الأوثان بأنواعها كافة، وأن لا ننحرف عن الحنيفية، ولا نخرج عن جادة التوحيد في مظاهر الحياة كافة. لذا يقول الإمام الصادق عليه السلام: وقل عند استلامك الحجر: "أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدتُه لِتَشْهَد لي بالموافاة".
3- فَضْل الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَثَوَابِهِمَا
لقد تواترت الأخبار حول فضل الحج والعمرة وثوابهما منها:
- ما رُوي عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنهُ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: "حُجُّوا وَاعْتَمِرُوا تَصِحَّ أَبْدَانُكُمْ، وَتَتَّسِعْ أَرْزَاقُكُمْ، وَتُكْفَوْنَ مَئُونَاتِ عِيَالِكُمْ، وَقَالَ: الْحَاجُّ مَغْفُورٌ لَهُ وَمَوْجُوبٌ لَهُ الْجَنَّةُ وَمُسْتَأْنَفٌ لَهُ الْعَمَلُ، وَمَحْفُوظٌ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ" 7.
- وهو بحكم الجهاد بالنسبة إلى الضعفاء من المسلمين، قال أمير المؤمنين عليه السلام: " وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ ".
- وأن الحجة ثوابها الجنة: فروي عن الصادق عليه السلام عَنْ آبَائِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "الْحَجَّةُ ثَوَابُهَا الْجَنَّةُ وَالْعُمْرَةُ كَفَّارَةٌ لِكُلِّ ذَنْبٍ" 8.
- وأن الحاج يعود كيوم ولدته أمه: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام كَانَ أَبِي يَقُولُ مَنْ أَمَّ هَذَا الْبَيْتَ حَاجّاً أَوْ مُعْتَمِراً مُبَرَّأً مِنَ الْكِبْرِ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَهَيْئَةِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ثُمَّ قَرَأَ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى قُلْتُ مَا الْكِبْرُ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه والله وسلم إِنَّ أَعْظَمَ الْكِبْرِ غَمْصُ الْخَلْقِ وَسَفَهُ الْحَقِّ قُلْتُ مَا غَمْصُ الْخَلْقِ وَسَفَهُ الْحَقِّ قَالَ يَجْهَلُ الْحَقَّ وَيَطْعُنُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَازَعَ الله رِدَاءَهُ.
- ضمان الحاج والمعتمر على الله تعالى: عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ "ضَمَانُ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ عَلَى الله إِنْ أَبْقَاهُ بَلَّغَهُ أَهْلَهُ وَإِنْ أَمَاتَهُ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ".و عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام عَنْ آبَائِهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله الْحَجَّةُ ثَوَابُهَا الْجَنَّةُ وَالْعُمْرَةُ كَفَّارَةٌ لِكُلِّ ذَنْبٍ.
- الحج ينفي الفقر والعوز: عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ وَفْدُ الله إِنْ سَأَلُوهُ أَعْطَاهُمْ وَإِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنْ شَفَعُوا شَفَّعَهُمْ وَإِنْ سَكَتُوا ابْتَدَأَهُمْ وَيُعَوَّضُونَ بِالدِّرْهَمِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. و قَالَ رَسُولُ الله لا يُحَالِفُ الْفَقْرُ وَالْحُمَّى مُدْمِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وعن أبي جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ لا وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ لا يُخَالِفُ مُدْمِنَ الْحَجِّ بِهَذَا الْبَيْتِ حُمَّى وَلا فَقْرٌ أَبَداً. وقَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام حِجَجٌ تَتْرَى وَعُمَرٌ تُسْعَى يَدْفَعْنَ عَيْلَةَ الْفَقْرِ وَمِيتَةَ السَّوْءِ.
فضل مصافحة الحجيج: عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَقُولُ يَا مَعْشَرَ مَنْ لَمْ يَحُجَّ اسْتَبْشِرُوا بِالْحَاجِّ وَصَافِحُوهُمْ وَعَظِّمُوهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْكُمْ تُشَارِكُوهُمْ فِي الأَجْرِ. و عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَقُولُ بَادِرُوا بِالسَّلامِ عَلَى الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ وَمُصَافَحَتِهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُخَالِطَهُمُ الذُّنُوبُ.
4- من المستحبات التي ينبغي عدم تركها في الحج
1- تلاوة القرآن: تلاوة القرآن الكريم في الديار التي نزل فيها القرآن، والتدبر في آياته، فإذا استطعت أن تختم القرآن في أيام الحج ففعل. ورد عن رسول الله:"من ختم القرآن بمكة لم يمت...حتى يرى منزله في الجنة".
2- التفقه في الدين: على الحاج أن يسعى إلى التفقه في الدين، ومعرفة أصول دينه وفروعه وأسس الأخلاق الإسلامية وذلك بالاستفادة من العلماء الذين يرافقون الحجيج.
3- الدعاء: الأدعية المأثورة هي لغة خطاب العبد مع ربه في رحاب البيت الحرام، وينبغي الاهتمام الجدي بقراءتها والتأمل في كلماتها ومعانيها العميقة.
4- المكث في المسجدين الشريفين طويلاً: والاشتغال بالذكر والتلاوة والدعاء وإقامة الصلوات والتعارف مع سائر المسلمين من أعظم الأعمال التي لا ينبغي التهاون فيها أبداً.
5- إحصاء الذنوب: وأعظم هدف لك في الحج أن يوفقك الله للتوبة، وحقيقتها العودة إلى نقاء الإيمان بعيداً عن وساوس الشك، وعن الرياء والكبر والحسد، ومن ثم إصلاح النفس بما يسمو بها إلى حقيقة التقوى، فيتم نورها وتعود صلتها بالله سبحانه.
5- الحجّ عبادة وسياسة
ركّز كل من الإمام الخميني، والإمام الخامنئي في العديد من الخطابات الموجّهة إلى الحجيج على معنيين هامين من معاني الحج ودلالاته هما:
- الوحدة بين المسلمين: يقول الإمام الخميني: "من واجبات المسلمين في تجمع الحج العظيم دعوة الشعوب والتجمّعات الإسلامية إلى وحدة الكلمة ونبذ الخلافات بين المسلمين"، ويقول: "إنّ الحجّ أفضل مكان لتعارف الشعوب الإسلامية، حيث يتعرّف المسلمون الى إخوانهم وأخواتهم في الدين من شتّى أنحاء العالم، ويلتقون مع بعضهم في البيت الذي به كلّ المجتمعات الإسلامية وأتباع إبراهيم الحنيف.وبنبذهم ما يميزهم من اللون والقومية والأصل يعودون إلى أرضهم وبيتهم الأوّل".
- البراءة من المشركين: لقد ركّز الإمام الخميني في أكثر نداءاته التي كان يطلقها في كلّ موسم حج على ضرورة إعلان البراءة من المشركين كأمر وجوبي لابدّ منه لكلّ فرد موحِّد; لأنه يعتبر من الأركان التوحيدية والواجبات السياسية للحج. ويجب أن تقام في أيّام الحج بكلّ صلابة وعظمة. ويعتبر الإمام أنّ إعلان البراءة هو المرحلة الأولى من الجهاد، ومواصلته هي من المراحل الأساسية لواجبنا. وثمرة هذا المفهوم الشامل تتمثّل في تجييش الأمة نحو أعدائها. وهناك كلمة مشهورة تُنسب لأحد الساسة الأجانب تكشف عن أهمية الجانب السياسي للحج حيث يقول: "ويل للمسلمين إذا لم يعرفوا معنى الحج، وويلٌ لأعداءِ الإسلام إذا أدرك المسلمون معنى الحج !".
1-الكافي:4/ 253.
2-المائدة:297.
3-آل عمران:96.
4-البقرة:127.
5-البقرة:127.
6-الكافي/4، 527.
7-الكافي: 4 / 252.
8-الكافي: 4 / 253.