الهدف
التعرّف على جانب من الأبعاد السياسية في خطبة السيدة الزهراء عليها السلام
محاور الموضوع
- تعريف بالخطبة
- هدف الخطبة
- معالم الخطبة الفدكية
- المحور الأول: وإطاعتنا نظاماً للملّة
- المحور الثاني: وإمامتنا أماناً من الفرقة
تصدير
مما ورد في خطبة السيدة الزهراء عليها السلام قولها:... وإطاعتنا نظاماً
للملّة وإمامتنا أماناً للفرقة، والجهاد عزّاً للإسلام.
تعريف بالخطبة
تساؤلات كثيرة تطرأ في البال عند التأمّل في مجموعة المواقف التي أطلقتها
السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام في خطبتها المسماة "بالفدكية"، في مسجد النبي
صلى الله عليه وآله وسلم . حيث وجّهت خطاباً عميقاً بمداليله الدينية والسياسية
والتربوية، بحضور الخليفة وجمع كبير من الأنصار والمهاجرين، ووصفت هذه الخطبة بأنها
من ذخائر بيت الوحي، ووردت بعدة طرق وأسانيد، وبلغت شروحها الخمسين شرحاً بلغات عدة.
هدف الخطبة
فهل القضية ترتبط بنحلة نحلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإبنته (ع)،
أو بإرث أو حق من الممتلكات الشخصية التي تركها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟،
وأجمل ما وجدته في الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها، كلام للشهيد السيد محمد باقر
الصدر حيث يقول (قده): هذه هي الثورة الفاطمية في لونها العاطفي وهو لون من عدة
الوان أوضحها وأجلاها اللون السياسي الغالب على أساليبها وأطوارها.. فالممعن في
دراسة خطوات النزاع وتطوّراته والاشكال التي اتخذها، لا يفهم منه ما يفهم من قضية
مطالبة بأرض بل يتجلى له منها مفهوم أوسع من ذلك ينطوي على غرض طموح يبعث الى
الثورة ويهدف الى... تعديل أمة انقلبت على أعقابه.
معالم الخطبة الفدكية
عندما نتأمّل في خطبتها (ع) في المسجد النبوي نجد فيها العديد من الدلالات
والأبعاد السياسية المستندة على العقيدة الحقة، منها:
أ- التذكير بالتوحيد والبعد العقائدي في رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
ب- الشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته.
ت- إلقاء الحجة على المهاجرين والأنصار في ما فعلوه.
ث- بيان أسرار إمامة أهل البيت (ع) وطاعتهم.
ج- دور علي في إبلاغ الرسالة والدفاع عنها.
ح- تأنيبها القوم لما فعلوه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
ولا يمكننا الخوض في تفاصيل كل هذه الموارد هنا، لذا سنكتفي بالإشارة إليها على نحو
الإجمال والإيجاز، ونتوقّف بالتفصيل مع قولها (ع) الفصل في هذا المجال: (وطاعتنا
نظاماً للملّة وإمامتنا أماناً من الفرقة)1.
المحور الأول: وإطاعتنا نظاماً للملّة
فالزهراء عليها السلام بعد افتتاح خطبتها بالحمد والثناء، والإقرار بالتوحيد،
والشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته، ذكّرت القوم بأن الله قد
اصطفاه واختاره من بين الخلائق لتبليغ رسالته، لتشرع بعد ذلك في شرح معاني التوحيد
والإيمان، وأسرار العبادات، لتعود وتذكّرهم بأنّها ابنة محمد والبقية التي استخلفها،
وأن علياً (ع) قد أتعب نفسه الزكية في الدفاع عن الإسلام إلى جانب رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ؛ لتعلن بصراحة كون طاعة أهل البيت عليهم السلام نظاماً للملة،
وأن إمامتهم أماناً للفرقة أو أمناً من الفرقة كما في بعض المصادر2.
والمقصود بقولها (ع): أنه بطاعة أهل البيت عليهم السلام نظم الملة بقانون الإسلام،
ولو اهتدت الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهدي الإمامة لما أصيبت
بالفرقة والتشتّت، وأن في ولاية الأئمة من أهل البيت عليهم السلام أمان للناس من
الفرقة والاختلاف، وأن في ولايتهم وخلافتهم عليهم السلام السلم والأمان والطمأنينة.
ومع الإيجاز الذي سلكته الزهراء عليها السلام في تبيان معالم هذا المفهوم، إلاّ
أنّها قد أبرزته بجانبيه التشريعيّ والتطبيقيّ، لأنّ المفهوم السياسيّ ـ كما هو
معلوم ـ يجب أن يمتلك الخلفية الفكرية التي تمدّه بالتّشريع، والأحكام التي تستند
الدولة عليها في فعالياتها، كما أنّ المفهوم السياسيّ - أيضاً -يمتلك إلى جانب ذلك
القوّة والسلطة التي تتولّى مهمّة التنفيذ لعنصر التشريع.
وقد عبّرت الزهراء عليها السلام عن العنصر الأول ـ عنصر التّشريع ـ بالفقرة الأولى
من عبارتها: «وطاعتنا نظاماً للملّة». حيث أعلنت: أنّ في طاعة أهل البيت عليهم
السلام حفظ الشّرع المقدس من كلّ اختلاف أو تصدُّع، وسيسير على نسقٍ واحد، بعيداً
عن الآراء والظنون المرتجلة التي تبعد الشرع عن حقيقته.
وهنا تبرز عظمة الزهراء عليها السلام حتى في حديثها حيث تقول: « وطاعتنا » فهي لم
تقل: محبّتنا أو مودّتنا أو حبُّنا، وإنّما أعطت هذا المفهوم جانبه الثابت غير
الخاضع للجدل والتأويل، والزهراء عليها السلام حين تعلن أنّ طاعة أهل البيت (ع) على
الصّعيد التّشريعيّ أمر فرضه الله سبحانه كما فرض الإيمان والصلاة ـ إنّما تقرّر
بذلك حقيقة منطقيّة ثابتة نطق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بها، وأكدّتها
عشرات المواقف بشهادة كبّار الصحابة والتابعين. وقد اتخذ ذلك الطّابع الإلزامي
الصّارم على لسان الرسول القائد يوم أعلن أمام الاُلوف المحتشدة ـ وبعد عودته من
حجّة الوداع ـ إمامة عليًّ (ع) بقوله: «من كنتُ مولاه، فهذا عليٌّ مولاه. ..» وحين
يعلن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، فإنه يعلنه بدافع الحرص على المصلحة
الإسلاميّة العليا لكي تبقى هذه الأُمّة «خير أُمّة أُخرجت للناس» وهذا ما دفع
الزهراء لتعلن بأنّ طاعة أهل البيت «نظاماً للملّة».
أجل، إنّها حفظ للشريعة، وتنسيق لأحكامها، وصون لها من الظُّنون والتخمينات
والآراء والتّمذهب على حسابها، فلو قُدّر لهذه الأُمّة أن تسلك درب أهل البيت عليهم
السلام في معرفة أحكامها واستلهام معرفتها، لما وجدنا للتّمذهب سبيلاً، ولا
للإختلاف في الفتيا والأحكام مجالاً في قاموس حياتنا.
المحور الثاني: وإمامتنا أماناً من الفرقة
ثم تذكر الزهراء عليها السلام الشّطر الثّاني من المفهوم السّياسي في الإسلام،
فتقول: «وإمامتنا أماناً من الفرقة». وإذا كانت الزهراء قد قصدت الجانب التشريعي من
المسألة الإدارية لشؤون الأُمّة في العبارة الأُولى «وطاعتنا نظاماً للملّة»،
فإنّها ترسم الآن الشقّ الثاني من الموضوع ذاته ويتجلّى في كون إمامة أهل البيت
عليهم السلام وقيادتهم لهذه الأُمّة مفروضاً من الله سبحانه كسائر الواجبات، ولكنّ
علّة هذا الفرض الجديد تتجلّى في تخليص الأُمّة من شبح التّمزق والانقسامات
المصلحيّة من خلال التمسّك بإمامة أهل البيت عليهم السلام وهم معدن الحكمة وخريجو
مدرسة الوحي ـ
وإذا تولّى أهل البيت عليهم السلام هذا المقام الرّفيع فإنّ أحداً من الناس غير
قادر على بلوغ مقامهم الذي بوّأهم الله سبحانه فيه من معرفة تامة لمعالم الشّريعة
الإسلامية، أو من عصمة نفسيّة تحفظهم من كلّ شطط أو خطأ في أحكامهم وقراراتهم ومن
كلّ إثم في سلوكهم وفعالياتهم، وإذا كان لأهل البيت عليهم السلام هذا المقام الرفيع
في الأُمّة الإسلامية، أصبح بمقدورهم أن يقودوا الأُمّة الإسلاميّة الى شاطىء
السّعادة الذي هيّأهُ الله سبحانه لهذه الأُمّة الكريمة.
وهذا ما نفهمه من الروايات العديدة التي وردت في هذا المجال: فأهل البيت هم خلفاء
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمناؤه على الدين من بعده، لأنهم لا يحدّثون إلا
بحديثه، كما يقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث
جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير
المؤمنين وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله’)(3)، وليس بيانهم للأحكام من نوع
رواية السنة وحكايتها ولا من نوع الاجتهاد في الرأي والإستنباط من مصادر التشريع،
بل هم أنفسهم مصدر للتشريع، فقولهم سنة لا حكاية السنة، وعليه فالأخذ منهم مباشرة
هو أخذ للحكم الواقعي من مصدره الأصلي على سبيل الجزم واليقين، وما جاء في حديث
الثقلين - الذي طرح فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته كعدل للقرآن،
وأكّد على وجوب التمسًك بهم خير دليل على هذا، حيث قال: (إني تارك فيكم ما إن
تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء
إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني
فيها)(4).
وهم ولاة أمر الله تعالى كما ورد في رواية عن الإمام الصادق(ع): (نحن ولاة أمر الله
وخزنة علم الله وعيبة وحي الله)(5). وهم ورثة علم الأنبياء كما في العديد من
النصوص(6).
1- فدك هبة النبوة،
خطبة الزهراء(ع)، ص244.
2- يراجع: الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، دلائل الإمامة.
3- الكليني، أصول الكافي، ج1، ص53 ح: 1
4- راجع صحيح مسلم 4/ 1873 / 2408.
5- المصدر نفسه 1/ 192/ 1.
6- راجع أصول الكافي، 1/ 224/ 2.