الإمام الحسين بن علي عليه
السلام في السماوات أعظم مما هو في الأرض
الهدف
التعرّف على مكانة الامام الحسين عليه السلام في السماء، ودور شهادته في إحياء
الأمة.
محاور الموضوع
- الوليد المبارك "الحسين عليه السلام "
- عظمة الحسين عليه السلام في السماء
- بكت لموته الأرض والسماء
- دم الامام الحسين مدرسة للثبات وأداء التكليف الإلهي
- خيار الشهادة مدرسة العزة
تصدير
روي عن الإمام الحسين سلام الله عليه قال: أتيت جدّي رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ، فرأيت أُبَيّ بن كعب جالساً عنده، فقال جدّي: "مرحباً بك يا زين
السماوات والأرض فقال أُبيّ: يا رسول الله وهل أحد سواك زين السماوات والأرض؟ فقال
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : يا أُبَي بن كعب! والذى بعثني بالحقّ نبيّاً،
إنّ الحسين بن علي في السماوات أعظم مما هو في الأرض، واسمه مكتوب عن يمين العرش:
إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة[1]"
الوليد المبارك حسين عليه السلام
هو أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ثالث أئمّة أهل البيت
الطاهرين، وثاني سبطَي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيّد شباب أهل الجنة،
واُمّه فاطمة الزهراء عليه السلام ، وأكّد أغلب المؤرّخين أنّه عليه السلام ولد
بالمدينة في الثالث من شعبان في السنة الرابعة من الهجرة، وعندما وضعت سيّدة نساء
العالمين عليه السلام وليدها زفّت البشرى إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،
فأسرع إلى دار عليّ والزهراء (عليهما السلام) فقال لأسماء بنت عميس: "يا أسماء هاتي
ابني"، فحملته إليه وقد لُفّ في خرقة بيضاء، فاستبشر النبي صلى الله عليه وآله
وسلم وضمّه إليه، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في حجره وبكى،
فقالت أسماء: فداك أبي وأمي، ممّ بكاؤك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : "من ابني
هذا". قالت: إنّه ولد الساعة، قال صلى الله عليه وآله وسلم : "يا أسماء! تقتله
الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي..."
ثمّ إنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال لعليّ: أيّ شيء سمّيت ابني؟ فأجابه
علىّ عليه السلام "ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله". وهنا نزل الوحي على حبيب
الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم حاملاً اسم الوليد من الله تعالى، وبعد أن
تلقّى الرسول أمر الله بتسمية وليده الميمون، التفت إلى علىّ عليه السلام قائلاً:
"سمّه حسيناً".
عظمة الحسين عليه السلام في السماء
جاء في رواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "فلمّا انتهيت إلى حجب النور قال
لي جبرئيل: تقدّم يا محمد! وتخلّفَ عني، فقلت: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع
تفارقني؟! فقال: يا محمد إن انتهاء حدّي الذي وضعني الله عزّ وجلّ فيه إلى هذا
المكان، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدّي حدود ربي جلّ جلاله. فزجَّ بي في النور
زجّة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علوّ ملكه[2].
وهنا عندما بلغ الله تعالى بحبيبه هذه المرتبة جعل يريه آياته الكبرى، وتحقّق قوله
سبحانه: ﴿لقد رأى من آيات ربه الكبرى﴾[3] ، وكان مما رآه صلى الله عليه وآله وسلم
من الآيات الكبرى مكانة حفيده الإمام الحسين سلام الله عليه وعظمته في السماوات.
فالله سبحانه وتعالى دعا أشرف أنبيائه ورسله عليهم السلام ومن خاطبه بقوله: لولاك
لما خلقت الأفلاك[4]، دعاه في أعظم دعوة لأعظم وليمة يغذّيه فيها بالتعاليم الروحية
وليريه آياته الكبرى، ومنها: إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة. فهذا هو الحسين
سلام الله عليه؛ فهل عرفناه حقّ معرفته؟
أنّى لطاقاتنا الفكرية المحدودة أن تدرك عظمة الإمام الحسين سلام الله عليه؟ والله
سبحانه يعبّر عنه بآيته الكبرى، ويقول عنه: إنّه مصباح الهدى وسفينة النجاة. فهذا
ليس قول الإمام الصادق أو أمير المؤمنين سلام الله عليهما أو جدّه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في حقّه، بل هو كلام الله مكتوب على ساق العرش وقبل أن يولد
الإمام الحسين سلام الله عليه.
وهنا نسأل: لماذا يري الله أشرف أنبيائه هذه الكلمة عن سبطه ويعدّه آية كبرى؟ وما
هو السرّ وراء ذلك؟
والجواب: هو أنّ الحسين سلام الله عليه خير مَن طبّق الآية الكريمة: (أن أقيموا
الدين)، وما وصّى الله به نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد سلام الله عليه وآله
وعليهم أجمعين.
فإن الحسين سلام الله عليه أقام الدين وحفِظ الشريعة. فلولا الحسين عليه السلام لما
كانت الصلاة اليوم ولا الصيام ولا حجَّ البيت أحدٌ؛ لأنّ بني أمية كانوا على وشك
القضاء على الدين، ولكن الحسين سلام الله عليه حفظه وأقامه بدمه ودماء أهل بيته.
بكت لموته الأرض والسماء
ورد عنهم عليه السلام : " أنّ بكاء الأرض كان بتفجّرها دماً، وما رفع حجر عن الأرض
إلاّ كان تحته دماً عبيطاً[5]"، وقد فسّر في خبر آخر بالسواد.
أمّا بكاء السماء، فعن الإمام الصادق عليه السلام بعد أن سئل عن بكاء السماء؟ قال:
(كانت الشمس تطلع حمراء وتغيب حمراء)[6]، وقد فسّر بكاء السماء في أخبار أُخر بوقوع
الدم، فعن الإمام علي بن الحسين عليه السلام بعد سؤاله عن أيّ شيء بكاؤها؟ قال:
(كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم)[7].
وفي خبر آخر نسب البكاء بالحمرة إلى الشمس؛ فقال: (إنّ السماء بكت على الحسين
أربعين صباحاً بالدم، إنّ الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، إنّ الشمس بكت أربعين
صباحاً بالكسوف والحمرة)[8]، والذي يجمع بين الأخبار أنّ كلا الأمرين قد حصل.
دم الحسين مدرسة للثبات وأداء التكليف الإلهي
صرّح الإمام الحسين عليه السلام في العديد من المناسبات عن علمه المسبق بتصميم بني
أمية على قتله، فقد صرّح لأخيه محمد بن الحنفية قائلاً: "لو دخلت في جُحْر هامّة من
هذه الهوامّ لاستخرجوني حتى يقتلوني".
وروي أنّه لمّا عزم على الخروج من المدينة أتته أم سلمة (رض) فقالت: يا بني لا
تحزنّي بخروجك إلى العراق، فإنّي سمعت جدّك يقول: يقتل ولدي الحسين عليه السلام
بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلا. فقال لها: "يا أماه وأنا والله أعلم ذلك،
وأنّي مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بدّ، وإنّي والله لأعرف اليوم الذي اُقتل
فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي اُدفن فيها، وإنّي أعرف من يقتل من أهل
بيتي وقرابتي وشيعتي... وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين
مظلومين مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً"[9].
ومع هذا لم يتبدّل شيء في مواقف الإمام الحسين من بني أمية التي تمثّل أكبر مصاديق
الجور والظلم في الدين والسياسة والحكم، وإدارة شؤون الرعية وغيرها، بل إن ذلك زاده
إيماناً وقوة وصلابة بوجوب أداء التكليف الإلهي في مواجهة الظالمين.
خيار الشهادة مدرسة العزة
إذا لم يكن للإمام الحسين عليه السلام غير طريق واحد هو الشهادة… يزيد لا يقبل من
الإمام إلاّ البيعة، وما دام الحسين عليه السلام لا يعطي البيعة ليزيد مهما تكن
الأسباب، فلا طريق للحسين عليه السلام إلاّ الشهادة، فخطب يوم عاشوراء قال: (ألا
وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى
الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت تؤثر مصارع الكرام على طاعة
اللئام).
وبهذا كرّس الإمام الحسين عليه السلام خيار الشهادة في الدفاع عن المقدّسات
والكرامات والأعراض، ولهذا نجد بأن نهج الإمام الحسين عليه السلام قد تحوّل إلى
مدرسة لكل المجاهدين الأحرار على مرّ التاريخ. وهو ما نعيشه في جهاد مجاهدي
المقاومة الإسلامية وغيرها من المجاهدين في العالم، حيث أصبحت الشهادة عنوان عزة
الأمة في مواجهة أعداء الإسلام من التكفيريين الوهابيين، وغيرهم من أعداء الاستكبار
في هذا العصر.
[1] مدينة المعاجز: للسيد هاشم البحراني، ج4، ص51.
[2] بحار الأنوار: ج18، ص346.
[3] سورة النجم: الآية 18 .
[4] بحار الأنوار: ج16، ص406.
[5] انظر: مجمع الزوائد 9: 196، المعجم الكبير 3: 113 حديث (2834)،
[6] مناقب آل أبي طالب 3: 212
[7] كامل الزيارات: 184 الباب (28) حديث (254).
[8] كامل الزيارات: 167 الباب (26) حديث (219)،
[9] بحار الأنوار : 44.